تاثير الحصانة الدبلوماسية على حقوق العامل الوطني لدى السفارات

 

تاثير الحصانة الدبلوماسية على حقوق العامل الوطني لدى السفارات

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الحصانة القضائية للبعثات الدبلوماسية مقررة وفقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية حتى يتمكن  المبعوثون الدبلوماسيون للدول  من اداء اعمالهم ومهامهم الدبلوماسية بيسر وسهولة ودون اية عراقيل، ولذلك فانه من المقرر عدم جواز مثول المبعوث الدبلوماسي أمام القضاء الوطني إلا في حالات استثنائية سنذكرها لاحقاً، وهذا الأمر يقتضي ان يقوم الشخص الوطني الذي له حق بذمة السفارة أو المبعوث الدبلوماسي ان يقوم بالانتقال إلى الدولة التي يتبعها المبعوث الدبلوماسي أو السفارة لمقاضاته في بلاده، ولا ريب ان في ذلك ارهاق ومشقة وكلفة للطرف الوطني لاسيما ان كان عاملاً كادحاً، وقد تناول الحكم محل تعليقنا هذه المسألة ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2015م في  الطعن رقم (56126) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم  ان يمنياً عمل حارساً لدى إحدى السفارات الاجنبية باليمن وبعد حوالي سبع سنوات تقدم الحارس اليمني أمام اللجنة التحكيمية العمالية بدعوى مفادها: أنه عمل حارسا لدى السفارة طوال سبع سنوات وان السفارة قد قامت موخرا  بفصله تعسفيا وانه قد عمل في الحراسة لساعات إضافية وكذا في أيام الإجازات والجُمع والعطلات، وقد حضر محامي السفارة حيث رد على الدعوى فأنتهت اللجنة التحكيمية العمالية إلى القرار بمنح الحارس تعويضا عن الفصل التعسفي وهو راتب ستة أشهر إضافة إلى منحه مقابل العمل لساعات إضافية وفي أيام الإجازات والعطل وبدل شهر الإجازة، فقامت السفارة باستئناف قرار اللجنة التحكيمية أمام الشعبة المدنية، وأمام الشعبة  الاستئنافية تمسكت السفارة باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تمنع  مثول المبعوث الدبلوماسي الأجنبي أمام المحاكم الوطنية إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت دفع السفارة وقضت بتأييد قرار اللجنة التحكيمية، فقامت السفارة بالطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان المادة (79) مرافعات تنص على أن المحاكم اليمنية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار في الخارج وحيث ان السفارة المطعون ضدها قد مثلت عبر وكيلها أمام اللجنة التحكيمية العمالية وقامت بالرد على الدعوى فذلك يمنعها بعد ذلك من الدفع بتمتعها بالحصانة وحيث ان احتجاج السفارة المطعون ضدها بتمتعها بالحصانة الدبلوماسية بعد قبولها بالخضوع  للقضاء اليمني يسقط حقها في التمسك بالحصانة ،ولذلك فإن هذا الدفع لا يعفيها من مسئولية الوفاء بالتزاماتها تجاه العامل الطاعن الناتجة عن عقد العمل المبرم بينهما ولا يؤدي إلى ضياع حق الطاعن المكفول قانوناً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الحصانة الدبلوماسية المقررة للسفارة أو البعثة الدبلوماسية الاجنبية:

حددت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961م حددت الحصانة القضائية للسفارات والمبعوثين الدبلوماسيين الاجانب حيث نصت المادة (31) من اتفاقية فيينا على ان (1- يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها وكذلك فيما يتعلق بقضائها المدني والاداري إلا في الحالات الاتية : أ- الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في اقليم الدولة المعتمد لديها مالم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في اغراض البعثة – ب – الدعاوى المتعلقة بشئون الارث والتركات والتي يدخل فيها بوصفه منفذاً أو مديراً أو وريثاً أو موصى له وذلك بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة – ج – الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية – 2 – يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالإعفاء من اداء الشهادة – 3 – لا يجوز اتخاذ أية إجراءات تنفيذية ازاء المبعوث الدبلوماسي إلا في الحالات المنصوص عليها في البنود ( أ ، ب ، ج) من الفقرة (1) من هذه المادة وبشرط امكان اتخاذ تلك الإجراءات دون المساس بحرمة شخصه أو منزله – 4 -  تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها لا يعفيه من قضاء الدولة المعتمدة) فقد بينت هذه المادة نطاق الحصانة القضائية للسفير والسفارة والمبعوث الدبلوماسي والحالات الاستثنائية من الحصانة إضافة إلى ان المادة (32) من الاتفاقية ذاتها قد اشارت إلى حالات اخرى لا يجوز للمبعوث الدبلوماسي التمسك بالحصانة القضائية, وهي حالة قبول المبعوث الدبلوماسي بالمثول أمام القضاء الوطني مثل مثوله أمام القضاء الوطني ورده على الدعوى وعدم تمسكه بالحصانة القضائية لان ذلك بعد تنازلا ضمنيا  عن الحصانة وكذا في حالة  قبول المبعوث الدبلوماسي بالمثول أمام القضاء الوطني كأن يبادر المبعوث الدبلوماسي برفع دعوى أمام القضاء الوطني فبعدئذ لا يحق له التمسك بالحصانة القضائية لانه حينئذ يكون قد تنازل عن الحصانة القضائية، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد رفض دفع السفارة بعدم جواز مثولها أمام القضاء الوطني لانه قد سبق لممثل السفارة ان حضر أمام اللجنة التحكيمية وقام بالرد على دعوى العامل وبموجب ذلك صدر قرار اللجنة التحكيمية.

الوجه الثاني : اسانيد الحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي :

حسبما ورد في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية فان الاسانيد التي تستند اليها الحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي كثيرة من اهمها ان المبعوث الدبلوماسي من اسمه كأنه ممثل لرئيس الدولة التي اعتمدته ونائب له ينبغي ان يتمتع بالحصانة القضائية التي تمكنه بالنهوض بالأعباء والواجبات الدبلوماسية المناطة به، وفي الوقت ذاته فان هذا المبعوث يكون في الدولة التي اعتمدته مجرد مواطناً من المواطنين لا يتمتع بأية حصانة ولذلك فان المحاكم الاجدر بمحاكمته هي المحاكم الموجودة في الدولة التي اعتمدت المبعوث الدبلوماسي حيث يمثل المبعوث الدبلوماسي امامها لاعتباره حينئذ مواطنا عاديا وليس مبعوثا دبلوماسيا  إلا ان  لجوء العامل الوطني  إلى قضاء الدولة التي يتبعها المبعوث الدبلوماسي فيه مشقة وكلفة كبيرة ربما تكون مانعة للعامل البسيط من المطالبة بحقوقه، والله اعلم.