ضوابط تجديد الفقه الإسلامي - دراسة فقهية

 

 ضوابط تجديد الفقه الإسلامي
دراسة فقهية


 د. عبد المؤمن عبد القادر شجاع الدين

الأستاذ رئيس قسم الفقه المقارن

كلية الشريعة والقانون

جامعة صنعاء- اليمن


الملخص العربي للبحث:

تجديد الفقه الإسلامي واجب شرعي حتى يواكب المتغيرات والمستجدات المعاصرة، ولكن هذا الواجب ليس عينياً على كل مسلم، فهو على سبيل الكفاية لا يقوم به إلا الفقهاء المجددين الذين توفرت فيهم شروط الإجتهاد، إضافة إلى أن تجديد الفقه ينبغي أن يتم على وفق ضوابط صارمة تمنع تحريف الفقه أو تبديله، لذلك فأن هذا البحث محاولة جادة وموضوعية لتسليط الضوء على ضوابط تجديد الفقه.


الملخص الإنجليزي للبحث:

The renewal of Islamic Jurisprudence is a legal duty to keep up with the present  variables and updates ,but this duty is not force On every Muslim it is for Sufficiency  the Jurists do not do it except they have the conditions of the Understanding, in addition To  The renewal of Jurisprudence that  Should be according with strict controls avoid to change the Jurisprudence ,so this search tries A serious trying to     


مقدمة:


الحمد لله على جميع النعم، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد المبعوث إلى خير الأمم، وعلى آله وصحبه مفاتيح الحكم ومصابيح الظلم: أما بعد: فإن هذه المقدمة تشتمل على مشكلة البحث وتساؤلاته ومناهج البحث وتقسيماته، وذلك على النحو الاتي:

أولا: مشكلة البحث وتساؤلاته:

ظهرت في العصر الحاضر دعوات كثيرة تطالب بتجديد الفقه الإسلامي لاستيعاب المتغيرات والوقائع الجديدة التي طرأت في هذا العصر، فاستغل بعض الأشخاص هذه الدعوات فتصدوا  لتجديد الفقه الإسلامي وهم ليسوا مؤهلين لذلك، كما أن بعض المتفيقهين فهموا أن التجديد ليس له ضابط، ولذلك فان هذا البحث محاولة جادة وموضوعية لبيان ضوابط تجديد الفقه الإسلامي، والبحث في هذا الموضوع يثير تساؤلات عدة وهي:

1-              ما المقصود بتجديد الفقه الإسلامي؟

2-              ما المقصود بضوابط تجديد الفقه الإسلامي؟

3-              هل التجديد يشمل كل أحكام الفقه؟

4-              ما هي ضوابط الاجتهاد والمجتهد المجدد؟

5-              ماهي ضوابط التجديد الفقهي المتعلقة بالنصوص الشرعية؟

6-              ماهي ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالمصلحة المرسلة؟

7-              ماهي ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالاستحسان؟

8-              ماهي ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بسد الذرائع والاحتياط؟

9-              ماهي ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بعموم البلوى؟

10-        ماهي ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالعرف؟

11-        ما هي ضوابط التجديد عند النظر في المتغيرات والوقائع المعاصرة؟

ثانيا: مناهج البحث:

استعمل الباحث المنهج الوصفي والمنهج الاستقرائي، إضافة إلى المنهج التحليلي بحسب مقتضيات البحث واحتياجاته.

ثالثا: تقسيمات البحث

يتكون البحث من مقدمة وعشرة مطالب وخاتمة، وبيان ذلك على الوجه الآتي:

·                  المقدمة: وتشتمل على مشكلة البحث ومناهجه وتقسيماته.

·                  المطلب الأول: المقصود بتجديد الفقه الإسلامي وضوابطه.

·                  المطلب الثاني: حكم تجديد الفقه الإسلامي.

·                  المطلب الثالث: ضوابط متعلقة بالتجديد الفقهي ذاته.

·                  المطلب الرابع : ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالاجتهاد والمجتهد.

·                  المطلب الخامس: ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالمصلحة المرسلة.

·                  المطلب السادس: ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالاستحسان.

·                  المطلب السابع: ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بسد الذرائع والاحتياط.

·                  المطلب الثامن: ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بعموم البلوى.

·                   المطلب التاسع: ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالعرف.

·                  المطلب العاشر: ضوابط التجديد عند النظر في المتغيرات والوقائع المعاصرة.

·                  خاتمة البحث : وتتضمن اهم نتائج البحث وتوصياته.

المطلب الأول

المقصود بتجديد الفقه الإسلامي وضوابطه

بيان هذا المقصود يقتضي الإشارة إلى معنى الفقه ومعنى التجديد ومعنى الضوابط كل على حدة وذلك على النحو الآتي:

أولاً: معنى الفقه: 

الفقه في اللغة يعني: الفهم مطلقاً، فالفقه هو العلم بالشيء وفهمه، والفقه: الفطنة، فيقال فقهت الشيء أفقهه, وكل علم بشيء فهو فقه, وتطلق كلمة الفقه على الفهم العميق والدقيق([1]).

 أما معنى الفقه في الاصطلاح: فقد عرفه الأمدي بأنه: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ([2])، وعرّفه إمام الحرمين بأنه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد([3])، وقال ابن خلدون: الفقه معرفة أحكام الله في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر([4]).

وفي العصر الحاضر يطلق الفقه على كل الأحكام العملية سواء كان العلم بها طريقه النص القطعي أو طريقه النظر والاجتهاد, وزادوا طريق التخريج, أو الترجيح على قواعد فقه الأئمة, فأشتمل الفقه في الوقت  الحاضرعلى ثلاثة أنواع من الأحكام:

1.              أحكام نزل بها الوحي لا تحتاج إلى تجديد نظر وفكر من النصوص.

2.              أحكام مستفادة بطريق النظر والاجتهاد من النصوص.

3.              أحكام مخرجة على أقوال الأئمة, وليس النصوص.

حيث تطلق كلمة الفقه في الوقت الحاضر على كل الأحكام العملية سواء القطعي منها أو الظني, ويطلق الفقه على ما تتفاوت فيه الأفهام والأنظار، وفي هذا الشأن ينبغي بيان الفرق بين الشريعة وبين الفقه, فيكون المراد بالشريعة هو الدين أي نصوص الشرع, وقواعده الكلية المستمدة من نصوصه, أي الأحكام الثابتة الخالدة، ويكون الفقه هو: الفهم  البشري لنصوص الشريعة التي تعد  مجالاً للاجتهاد,  فالفقه أخص من الشريعة, وهي أعم، ولذا فإن أراء الفقهاء لا تأخذ صفة الثبات والدوام, في حين أن الشريعة محكمة ثابتة خالدة إلى يوم الدين ([5]).

ثانياً: معنى التجديد:

التجديد في اللغة: مصدر جدَّد يجدّد تجديداً، والجديد ضد القديم, وتجدد الشيء: صار جديداً, وجدّده أي: استحدثه, وصيره جديداً, جَدَّدَهُ واسْتَجَدَّهُ: صَيَّرَهُ جَديداً (فتَجَدَّدَ([6]) وجَدِدْتُ) بالشيء (أَجَدُّ) من باب: تعب إذا حظيت به, وهو (جَدِيدٌ عِنْدَ النَّاسِ) فعيل بمعنى: فاعل, يقال: جدد ثوبه: أي لبسه جديداً ([7]) فالتجديد يعني تجدد الشيء بنفسه ,ونموه وزيادته بدون فعل، أما استحداث التجديد فيعني: إدخال التحسين عليه حتى يصير جديداً.

أما التجديد في اصطلاح العلماء: فقد وردت أقوال كثيرة في معناه, منها (التجديد: اسم جامع لكل ما يحقق ويطبّق الشريعة على الواقع وينفي ما يخل بها) ([8])، والتجديد أما أن يكون في الدين أو يكون في الفقه لان معنى تجديد الدين يختلف عن تجديد الفقه.

                      أ‌-                      تجديد الدين: 

المراد بتجديد الدين: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة, والأمر بمقتضاهما, وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات ([9]).

 فقد ورد في عون المعبود أن تجديد الدين: يبين السنة من البدعة, ويكثر العلم, ويعز أهله, ويقمع البدعة, ويكسر أهلها, وبهذا يكون التجديد معناه: إحياء الدين، يعني بيان ما غفل عنه الناس وتركوه, أو أهملوه, وحثهم على العمل به, فهو يربط بين العلم والعمل ([10])، فلا يلزم من التجديد إضافة شيء جديد إلي الدين, ولا حذف شيء منه ونبذه([11]).

كما ورد في مجالس الأبرار أن المراد من تجديد الدين هو: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما ([12]).

                    ب‌-                  معني تجديد الفقه:

الفقه هو الفهم البشري لنصوص الشرع فهماً صحيحاً, وإن اختلف وتنوع من مكان لآخر لأن السنة الإلهية لا تقضي على الناس في كل بقاع الأرض بأن يكونوا نمطاً واحداً من حيث التقاليد والأعراف والقدرات والافهام فهم مختلفون, ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة ولذلك خلقهم، قال تعالى: ]ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين[([13]) كما أن معجزة الإسلام تختلف عن كل الأديان في أنها: معجزة عقلية, عملية, وليست مرتبطة في وجودها بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم, وشخصه مثل المعجزات السابقة, وإنما هي معجزة أبدية خالدة أبد الدهر, فهي تخاطب العقل والوجدان, وتدعو كل إنسان على ظهر الأرض إلى الحق، وإذا كانت السنة الإلهية خاصة باختلاف الخلق في الألسنة والألوان في الزمن الواحد, فإن اختلافهم عبر القرون يستدعي ضرورة تجديد الفهم بكل زمن وعصر ومكان يتلاءم مع طاقاته, وأعرافه, وأحواله, وإذا كان تجديد الفقه يعني: جودة الفهم, والاستنباط, والابتكار في تنزيل النص الواقع طوعاً للقواعد المعروفة في أصول الفقه ([14]).

 فالتجديد بذلك لا يعني التخلص من القديم وهدمه, وإنما يعني الاحتفاظ به, وإدخال التحسين عليه, وتنميته بأساليبه التي أثمرت تلك الثروة الفقهية التي تعتز بها الأمة الإسلامية في كل عصر, دون المساس بثوابته واستيعاب المتغيرات والمستجدات والوقائع المعاصرة وبيان الحكم الفقهي منها عن طريق الاجتهاد، وبهذا المعنى يجمع منهج التجديد الفقهي بين ثبات الأصول, وتطور الفهم والاجتهاد والتطبيق.

ولاشك أن هناك أوجه شبه واختلاف بين تجديد الدين وتجديد الفقه، فالتجديد للدين يكون بدراسة معالم الدين ونشرها والتجديد للفقه يكون بالإضافة والإثراء له نظراً لكثرة المستجدات, وكذلك يكون التجديد بمعنى الحذف والإلغاء من خلال تنقيح موضوع التجديد وتنقيته من كل ما لحق به ومما ليس منه, والتجديد قد يكون عاماً وقد يتجزأ في مجاله وموضوعه, والمجددون قد يتعددون  في البلد الواحد والزمن الواحد, سواء كان ذلك في القضية الواحدة والقضايا المتعددة ([15])، فالتجديد بمعناه الشامل هو تحقيق الشريعة في الواقع ونفي كل ما يخل بها، في حين أن التجديد بمعناه الخاص هو الاجتهاد الأصولي ومعناه بذل الوسع والطاقة في طلب الحكم الشرعي.

وتجديد الشيء ليس معناه إزالته وإنشاء شيء جديد مكانه, فهذا ليس من التجديد في شيء, وتجديد الشيء يعني الإبقاء على جوهره ومعالمه وخصائصه وترميم ما بلي منه وتقوية ما ضعف من جوانبه, فلو أردت تجديد جامع أثري أو قصر أثري فلا بد أن تحافظ عليه وعلى خصائصه وروحه ومادته ما استطعت، ولكن تجدد من ألوانه ما ذهب ومن بنائه ما تهالك وتحسن من مداخله وتجمل الطريق إليه, فتجديد الفقه لا بد أن يكون من داخله وبأدواته الشرعية وعن طريق أهله وعلمائه لا بالإغارة عليه ولا بالافتيات على أهله  ولا بإدخال عناصر غريبة عنه وفرضها عليه عنوة ([16]), كما أن تجديد الفقه مأخوذ من الجدة والقوة, والتجديد إعادة الجدة وأن المراد بتجديد الدين ما يعيد له القوة ويرجعه إلى أصل صفائه الذي كان عليه حين البعثة وتنزل الوحي وليس التجديد التغيير والتبديل, فالتجديد هو العودة إلى أصل الشيء عند بدايته وظهوره لأول مرة وإصلاح ما أصابه من خلل أو ناله من ضعف ليعود قوياً كما كان حين بدأ وذلك بإبراز حقائقه الناصعة وتجلية خصائصه المميزة, فيكون تجديد الدين وتجديد الفقه بتقوية التمسك به وإحسان تطبيقه وتنفيذه, وبناءً على ذلك فتجديد الدين لا يكون إلا بالدين وللدين لا بالدنيا ولا للدنيا ولا يكون إلا من داخل الدين وبمفاهيم الدين لا من خارج الدين([17])، وهناك فرق بين تجديد الدين وتجديد الفقه، إذ أن الغالب في تجديد الدين العودة إلى أصله وإزالة ما علق به في حين أن الغالب في تجديد الفقه البحث عن الحكم الفقهي للوقائع والمستجدات المعاصرة.

 

ثالثاً: معنى الضوابط:

الضوابط جمع ضابط وهو الحازم ومصدرها (ضبط) بمعنى ضبط الشيء حفظه بالحزم وبابه ضرب([18]), والضابط هو ما يقصد به نظم صور متشابهة أو هو ما عمّ صوراً أو ما كان القصد منه ضبط صور نوع من أنواع الضبط من غير نظر في مأخذها وإلا فهو القاعدة، والضابط يجمع فروعاً من باب واحد والقاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والواجب في الضوابط هو الجمع والانعكاس حيث يدخل فيها جميع أفراد المضبوط، ومرجع الضوابط الشرعية إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومصادر الشريعة الإسلامية الأخرى([19])، إذن فضوابط تجديد الفقه هي التي تجعل التجديد للفقه الإسلامي يتجه إلى الوجهة التي ابتغاها الشارع تبارك وتعالى في صلاحية الفقه الإسلامي لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, والضوابط هي التي تحول دون أن يتحول التجديد للفقه الإسلامي إلى تبديل أو تقليد أو تجميد أو تغيير أو تحريف أو إتباع للهوى فذلك منهي عنه, والضوابط هي التي تفرق بين التجديد المنضبط للفقه الملتزم بشروط وضوابط التجديد وبين التجديد المتعسف للفقه الذي لا يلتزم بتلك الشروط والضوابط، وضوابط تجديد الفقه الاسلامي كثيرة ومتنوعة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمجدد المجتهد ومنها ما يتعلق بالاجتهاد أو التجديد ذاته ونطاقه ومنها ما يتعلق بمصادر التشريع الاسلامي ومنها ما يتعلق بالمستجدات المعاصرة ومنها ما يتعلق بالواقع والمجتمع الذي يتم تجديد الفقه الاسلامي فيه، ومن هذه الضوابط ما هو ثابت ومنها ما هو متغير، وسوف نشير إلى ذلك في موضعه من هذا البحث.

المطلب الثاني

حكم تجديد الفقه الإسلامي

تجديد الدين بصفة عامة, والفقه بصفة واجب شرعي كفائي, فقد أمر الله به في القرآن المجيد, ودعا إليه النبي e في السنة الشريفة ومن ذلك ما يلي:

1- قوله تعالى: ]وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)[[20]) فهذه الآية تدل على وجوب التفقه في الدين, فعلى الأمة مسؤولية التفقه في الدين والتجديد، لمواجهة مشكلاتها المتجددة والمتطورة وتطبيق صلاحية الشريعة الاسلامية لكل زمان ومكان.

2- روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها "([21]) فهذا الحديث يدل على أن التجديد سنة إلهية للأمة المحمدية, ولا يخلو عصر من المجددين، لكي ينفوا عن الدين تحريف المغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين([22])،

3- قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم )([23])، فالحديث صريح في وجوب تجديد الدين.

4- قول الإمام علي كرم الله وجهه: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة لكي لا تبطل حجج الله, وبيناته, أولئك هم الأقلون عددا, الأعظمون عند الله قدرا ([24])، فهذا الأثر يدل على وجوب تجديد الدين والفقه.

5- جمع السيوطي في رسالته الأصولية الرد على: من أخلد إلى الأرض, وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض, أقوال العلماء في أن كل عصر لا يخلو من مجتهد, أو مجدد لقوله e:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله "([25])، وفي ذلك دليل على وجوب التجديد.

6- أن الحاجة ماسة إلى تجديد الفقه في كل عصر، لمواجهة المشكلات التي تستجد في مختلف العصور, ومن أجل تجديد الدين في النفوس, وهداية الناس, وإرشادهم, والأخذ بأيديهم إلى صراط الله المستقيم([26]).

7- الفقه هو الفهم الصحيح للأدلة الشرعية الذي يواجه كل عصر بما يستجد فيه, ولم يكن موجوداً من قبل, ومن ثم فإن التجديد ضرورة ليس شرعية فحسب, وإنما اجتماعية لصياغة حياة المسلمين في كل عصر, صياغة جديدة تواكب التغيرات من ناحية, وتحافظ على حيوية الإسلام من ناحية أخرى, وتشق للمسلمين طريقاً للمشاركة في صنع التقدم الحضاري, لان الهدف من تجديد الفقه هو مواكبة التطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري ولا سبيل لذلك إلا عن طريق تجديد الفهم, وتجديد النفوس تمهيداً لإثراء بالمزيد من الإبداع الذي يضيف جديداً إلى دنيا الناس في جميع المجالات, الأمر الذي من شأنه أن يصلح للناس دينهم ودنياهم على حد سواء، وإذا كان التجديد مطلوباً في كل عصر, فإنه في العصر الحاضر أشد طلباً, والحاجة ماسة إليه أكثر من أي عصر مضى، من أجل المتغيرات الجديدة والتحديات المعاصرة, وحتى تستطيع الأمة أن تواكب ركب الحضارة, وتنهض من كبوتها, وتسترد مكانتها, وتنشط في فكرها.       

8- لا خلاف بين علماء الإسلام المتقدمين و المتأخرين في حقيقة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، ولذلك فإن التجديد للفقه الإسلامي واجب شرعي.

ومع هذا فقد اقترن مصطلح تجديد الفقه بملابسات تاريخية جعلت بعض العلماء يتخوف من إطلاق هذا المصطلح ([27]).

ولا ريب أن الشارع تبارك وتعالى قد أذن بتجديد الفقه كي يكون صالحاً لكل زمان ومكان، فقد عرف المسلمون فئة من العلماء الإعلام الذين أطلق عليهم أسماء المجددين في العصور الإسلامية المختلفة، حيث عرف تاريخ امتنا مجددين من أمثال عمر بن عبد العزيز الذي جدد سنن الخلفاء الراشدين بعد اندراسها و الشافعي الذي وضع علم أصول الفقه والغزالي الذي أحيا الله به علوم الدين والأمام المرتضى والأمام يحيى بن حمزة والشوكاني وابن الأمير وابن الوزير وولي الله الدهلوي وغيرهم كثير.

المطلب الثالث

ضوابط متعلقة بالتجديد الفقهي ذاته

حتى يحقق التجديد هدفه ينبغي الالتزام في أثناء عملية التجديد بضوابط أهمها أن يكون التجديد فيما يجوز فيه الاجتهاد وان يكون التجديد وثيق الصلة بواقع المسلمين وان يتم التطبيق العملي للتجديد وان يتضمن التجديد تجديد وأحياء روح الدين في نفوس الأمة.

وبيان هذا الضوابط على النحو الآتي:

الضابط الأول: أن يكون التجديد فيما يجوز فيه الاجتهاد, وهو ما كان دليله ظنياً من الأحكام سواء الظني: الثبوت, أو الدلالة, أو هما معاً، فلا مجال للتجديد في الأمور القطعية مثل: فرضية الصلاة والصيام والحج وتحريم الخمر والخنزير, وأكل الربا وأكل مال اليتيم ,ووجوب رجم المحصن الزاني, وجلد الزاني غير المحصن, وقطع يد السارق وتوزيع التركة بين العصبات: للذكر مثل حظ الأنثيين, ونحو ذلك من الأحكام القطعية المعلومة من الدين بالضرورة ([28]).

وهذا الأمر يقتضي بيان ما لا يجوز التجديد فيه وما يجوز، وذلك على الوجه الآتي:

1-   ما لا يجوز التجديد فيه:

المسائل التي لا يجوز التجديد فيها قليلة ومحصورة، وهي الاتية:

المسألة الأولى: ما علم من الدين بالضرورة :كوجوب الإيمان بالله, وملائكته,واليوم الآخر والقدر خيره وشره ووجوب الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الربا والسرقة والقتل ونحوها.

المسألة الثانية: الأحكام التي جاء فيها نص قطعي الدلالة والثبوت مثل: كفارة اليمين الثابتة بآية المائدة في قوله تعالى : ] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته .......... [ ([29]) فهو نص قطعي الثبوت؛ لأنه قرآن, وقطعي الدلالة في مقدار الكفارة، وهكذا سائر المقدرات المنصوص عليها في القرآن والسنة المتواترة كالحدود والكفارات, ومقادير الزكوات ,وأعداد الصلوات ونحوها, فلا مجال للاختلاف فيها او للتجديد فيها.

المسألة الثالثة: الأحكام العملية التي لا تحتمل تأويلاً والثابتة بالسنة الفعلية للرسول e مثل: شروط الصلوات وأركانها ,ومواقيتها حيث قال e:" صلوا كما رأيتموني أصلي "([30])وقوله e في مناسك الحج:"  لتأخذوا مناسككم " ([31]), فلا مجال للتجديد في هيئة ومناسك الحج, والصلاة, وشروط ذلك كله ([32]). 

2-    ما يجوز التجديد فيه:

المسائل التي يجوز التجديد فيها كثيرة جداً أكثر من تلك المسائل التي لا يجوز التجديد فيها، فماعدا المسائل التي لا يجوز التجديد فيها فأنها تكون قابلة للتجديد، ولذلك سوف نكتفي بالإشارة فقط إلى بعض المسائل التي يجوز التجديد فيها، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، فمن المسائل التي يجوز التجديد فيها ما يأتي:

        أ‌-       ما فيه نص قطعي الثبوت ظني الدلالة مثل: عدة المطلقات من ذوات الإقراء, فإن النص فيها قوله تعالى : ]والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ ([33]) فالآية قطعية الثبوت, لكنها ظنية الدلالة؛ لأن القرء لفظ  (ظاهر ) مشترك وضع لمعنيين: إما الطهر, وإما الحيض, ودلالته على أحدهما ظنية, فعلى المجتهد بذل وسعه وجهده في الوصول إلى تحديد أي المعنيين المراد من النص ([34]).                                                                                                                                                               

       ب‌-      ما فيه نص ظني الثبوت قطعي الدلالة مثل: ما نقل بطريق غير متواتر من المقدرات مثل :قوله e :" في خمس من الإبل صدقة أو شاة "([35]) فطريق الاجتهاد والتجديد في سنده الظني الثبوت لا في دلالته لأنها قطعية.

       ت‌-      ما كان ظني الثبوت ظني الدلالة وهو كثير مثل قول النبي e:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "([36]) فهو ظني لأنه خبر أحاد ,فطريقة الثبوت ليس قطعياً, كما أنه ظني الدلالة ؛لاحتماله أكثر من معنى إذ يحتمل: لا صلاة كاملة إلا بفاتحة الكتاب كما فهم الحنفية, أو لا صلاة صحيحة إلا بفاتحة الكتاب كما فهم الشافعية.

       ث‌-      ما لم يرد فيه نص, وهذا محل للتجديد بحثاً عن معرفة حكمه قياساً بنظائره وأشباهه مما نص عليه سواء بطريق القياس أو المصالح أو الاستحسان أو سد الذرائع وغيرها من الأدلة العامة المختلف في تحديدها، وذلك مثل جمع المصحف بعد حروب الردة, وجمع قراءاته في عهد عثمان- t - وغير ذلك مما لم يرد فيه نص, واجتهد الصحابة فيه إعمالاً لمبدأ المصلحة([37]).

 

 الضابط الثاني : أن يكون التجديد وثيق الصلة بواقع المسلمين وعلى ضوء النصوص التشريعية بمعنى أنه ينبغي الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع القائم في المجتمعات اليوم, وهو واقع لم يصنعه الإسلام بعقيدته وأخلاقه وشريعته, ولم يصنعه المسلمون بآرائهم وعقولهم وأيديهم, وإنما هو واقع صنع لهم, وفرض عليهم في زمن غفلة وضعف وتفرق وورثه الأبناء عن الآباء والأحفاد عن الأجداد وبقي كما كان , فليس معنى التجديد أن نحاول تبرير هذا الواقع الذي فرضه المستعمرون, ونفتعل الفتاوى لإضفاء الشرعية على هذا الواقع, والاعتراف به ([38])، فيجب أن نعرف الفرق بين ما يحسن اقتباسه, وما يجب مقاومته, فنرحب بكل جديد نافع كما نحتفظ بكل قديم صالح, ومن ثم يجوز أن نأخذ من أنظمة الشرق والغرب ما لا يخالف عقيدتنا مما يحقق مصلحة لمجتمعنا على أن يصبغ بصبغة إسلامية حتى يعد جزءاً من نظامنا ويفقد جنسيته الأولى([39]), وبالتالي يلزم للتجديد المعاصر, حتى يكون وثيق الصلة بالواقع في ضوء النص مراعياً ما يلي :

أ‌-                  مراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.

ب-الجمع بين الأصالة والمعاصرة, بالأخذ بالجديد النافع, والتمسك بالقديم الصالح ([40]).

ج- أن نأخذ من أنظمة الغير ما يتفق مع شريعتنا, ويحقق مصالحنا, ومحاولة تطويره؛ ليعد جزءاً من نظامنا يعبر عن قيم المجتمع المسلم وتقاليده, وهذا كله حتى لا نقع في تطوير النصوص لتتفق مع الواقع, فنكون قد وقعنا في المحظور, وبدلاً من التجديد سنكون قد انتهجنا طريق التغيير والتحريف الذي سلكته الأمم السابقة من قبل, فإن تدبر الواقع الذي صنع بتأثير الغزو الأجنبي المادي والأدبي, وإضفاء الشرعية عليه سواء كان واقعاً تحت تأثير الهزيمة النفسية أمام حضارة الغرب وفلسفاته أو كان بحجة التيسير على الناس في أمر دينهم ودنياهم مع مخالفته لقواعد الشرع فيه خلط للأمور, وتضييع للمصالح الشرعية, فلا تفريط ولا غلو, وإنما يكون التجديد مراعياً فيه الاعتدال والعلم والورع وذلك؛ لأن الاعتدال هو العاصم من الغلو والتفريط, والعلم هو العاصم من الجهل الخطأ, والورع هو العاصم من الضلال والهوى ([41])، فلا يتعارض التجديد مع القواعد الشرعية المجمع عليها, حتى يكون جامعاً بين محكمات الشرع, وبين مقتضيات العصر ([42]).

الضابط الثالث للتجديد هو التطبيق العملي له:

لأن التجديد ليس غاية في ذاته, وإنما هو وسيلة لمواكبة الفقه للواقع, والالتزام به, فإذا لم يجد الاجتهاد مجالاً للتطبيق, يظل فكراً نظرياً محضاً لا ينفع الناس, حتى يتحول من القول إلى الفعل، فالتطبيق العملي للتجديد هو الذي يثبت صلاحيته للحياة, ويكشف عما به من سلبيات يمكن معالجتها؛ لتصبح أكثر ملائمة للعمل بها, وأكثر تأثيراً في الواقع.

وهذا هو وجه صلاحية الشريعة الدائمة ,مهما تباينت العصور, واختلفت البيئات, وكثرت المشكلات, ولأن الشريعة إنما جاءت من أجل العمل بها, وليست نصوصاً يتبرك بها, دون أن يأخذ  الناس أنفسهم باليسير على منهجها في شتى مناحي الحياة([43]).
والواقع الآن خير شاهد على ذلك, فقضايا المعاملات المالية والاقتصادية في كل الدول الإسلامية الآن بعيدة عن فقه المعاملات الإسلامي؛ بسبب هيمنة العالم الغربي على اقتصاد العالم بصفة عامة, والشعوب العربية والإسلامية بصفة خاصة, فأصبح البحث فيها يواجه صعوبات تفوق مسيرة التقدم فيه؛ لعدم التطبيق العملي له, بخلاف فقه الأحوال الشخصية, إذ بسبب الاعتراف به في كثير من الدول الإسلامية تطور تطوراً ملحوظاً ([44]), ونشطت الاجتهادات فيه بسبب وجود واقع عملي تطبيقي له في الحياة المعاصرة, يظهر إيجابيات, وسلبيات الاجتهادات المتغيرة, فتجديد الفقه بدون الالتزام بتطبيقه ,وإيجاد تربة صالحة له, دعوة إلى الترف الفكري والدراسة النظرية المجردة التي لا تفيد شيئاً، فلا مناص من أن يتفاعل التجديد مع حركة المجتمع كي يظهر أثره في تقدم المجتمع, وقوته والنهوض برسالته الشريفة, وكما قال الله تعالى:
 ]إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبير [([45]).

الضابط الرابع: تجديد النفوس بالإيمان و تجديد روح الدين في نفوس الأمة

كما يجب على المجدد أن يجدد فكره وأدواته في البحث والاستنباط  يلزم أيضاً تجديد نفوس الأمة وتجديد إيمانها, فيظهر أثر المجددين في أخذ أيدي الأمة إلى حياة أفضل, وكما  قال رسول الله r : "جددوا إيمانكم قيل: يا رسول الله, وكيف نجدد إيماننا ؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله"([46]) فيجب أن يشمل التجديد نفوس الأمة, وفقاً لضوابط المنهج الإلهي.

لان الأمة بحاجة ماسة في الوقت الحاضر الى تجديد الدين في النفوس نتيجة للصراعات ونزعات الحقد والكراهية والفرقة بين المسلمين، كما أن بعض المهتمين بالقضايا الدينية أغلبهم انشغلوا بالقضايا الفرعية والجزئية, فعظَّموا الهين وهوَّنوا العظيم, فأقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل البسملة في الصلاة يبدأ بها أم لا ؟ وهل يصلي ركعتين أثناء خطبة الجمعة أم لا؟ وهل يحرك الإصبع في التشهد أم لا ؟ وهل يؤذن للجمعة آذاناً أم أذانين؟ وحرص البعض الآخر على الشكل دون المضمون فراح يولي اهتماماً بتطويل اللحية, وتقصير الثياب([47])، والأغرب من ذلك هو الحكم بالفسق أو الكفر على حالق اللحية, ومطول الثياب, وعدم صحة الصلاة خلفه, وغير ذلك مما وسع دائرة النقاش والجدل ,وأقام الحجب أمام المسلمين بعضهم البعض, والبعض الآخر يتفننون في طريقة لباسهم ,وتصفيف شعورهم، واهتمت وسائل الأعلام في الآونة الأخيرة بإحياء قضايا لا حاجة للناس بها, شَغلاً للرأي العام, وتضييعاً للوقت ,كقضية الختان, وتولي المرأة القضاء, والمطالبة بخطاب أنثوي, والكتابة بحرية عن الجنس ...  وغير ذلك كثير في ظل هذه المعاناة التي يعيشها المسلمون اليوم لابد من إحياء المنهج في تلك النفوس المتصارعة المتضاربة بل إن تجديد المنهج في نفوسهم ليس بأولى من تجديد فهم المجدد فالتجديد أصبح ضرورة على كل المستويات تجديدا عاما شاملاً ([48]).

المطلب الرابع

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالاجتهاد والمجتهد

تجديد الفقه يتم عن طريق الاجتهاد، فالاجتهاد في تفسير النصوص أو النظر في الوقائع لمعرفه حكمها في الشرع, كل ذلك طريقه إما النص في المنصوص عليه وإما فهم النص فيما لم ينص عليه, ولا يكون ذلك إلا لذي الرأي الحصيف, المدرك لعلم الشرع الشريف([49]) وفي هذا يقول أبو حامد الغزالي: وأشرف العلوم ما ازدوج فيها العقل والسمع, واصطحب فيه الرأي والشرع، وميدان هذا علم أصول الفقه, فإنه يأخذ في هذا سواء السبيل, فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول, ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له عقل بالتأييد والتسديد".([50])  وذلكم هو ميدان الاجتهاد من أجل تحصيل الحكم الشرعي في مسألة لم يرد بها نص، وبتعبير آخر:هو بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الاستدلال.

والاجتهاد يشمل الدقة في فهم النص لتطبيق حكمه, أو في مسلك ذلك التطبيق على ضوء الملاءمة بين ظروف النازلة التي يتناولها النص, والمقصد الذي يستشرفه النص ذاته من تطبيقه.

يوضح ذلك ابن القيم في عبارة سلسة مبيناً نهج الصحابة في الإجتهاد فيقول: فالصحابة - رضي الله عنهم – مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بأمثالها, وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها, وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد, ونهجوا لهم طريقه, وبينوا لهم سبيله".([51])

وليس المقصود بالاجتهاد التفكير العقلي المجرد, فهذا ليس منهجاً مشروعاً, بل هو اعتداء على حق الله في التشريع, حتى ولو كان جاداً بعيداً عن الهوى, مادام أنه لم ينطلق من مفاهيم الشرع ومبادئه وأصوله وحقائق تنزيله ومثله العليا ومقاصده الأساسية، ومن أجل هذا فإن نطاق الاجتهاد الشرعي يتمثل في فهم النصوص الشرعية وتطبيقاتها ودلالتها وقواعد الشرع المرعية.

يقول أبو حامد الغزالي:

"اعلم أن العلم في قسمين: أحمدهما شرعي, والآخر عقلي, وأكثر العلوم الشرعية عقلية عند عالمها, وأكثر العلوم العقلية شرعية عند عارفها، فالعلوم الشرعية أكثرها عقلي؛لأنه لابد فيها من استعمال طلاقة العقل, وكذلك أكثر العلوم العقلية شرعي عند التحقيق, لأنه لابد من مراعاة قيد الشرع, والجمود والتقليد لا يكونان فقط بالكف عن استعمال العقل, وإنما يكونان أيضاً بالفصل بين ما هو شرعي وما هو عقلي, والاستغناء بأحدهما عن الآخر؛ فعدم استعمال العقل في الشرعي جمود وتحجر, وكذلك عدم الاهتداء بالشرع في العلوم العقلية جمود وتحجر، لأن الحق الواصل عن طريق الوحي لا يتعارض مع الحق الواصل عن طريق العقل الصحيح بالبحث والنظر([52])".

ومما يجدر ذكره هنا أن شروط الاجتهاد وضوابطه تعد ضوابط لتجديد الفقه، حيث يشترط في العالم المجدد أن يكون أهلاً لذلك، ولا يكون أهلاً للتجديد إلا إذا توافرت فيه شروط الاجتهاد، لأن التجديد اختصاص دقيق جداً ونادر، لأن طبيعة النظر في نصوص الشريعة ومقاصدها ومداركها تقتضي أن يكون المجدد ذا ملكة اجتهادية ولا يتحقق ذلك، إلا إذا كان محيطاً بمدارك الشرع متمكناً من النظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره وأن يكون عدلاً متجنباً للمعاصي القادحة في العدالة، فيشترط في المجدد الشروط الآتية:

1-   أن يعرف معاني آيات الأحكام لغةً وشرعاً.

2-   أن يعرف أحاديث الأحكام لغةً وشرعاً.

3-   معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة.

4-   معرفة مسائل الإجماع ومواقعه.

5- معرفة وجوه القياس وشرائطه المعتبرة وعلل الأحكام وطرق استنباطها من النصوص ومصالح الناس وأصول الشرع الكلية.

6-   معرفة علوم اللغة العربية من لغةٍ وصرف ومعان وبيان وأساليب.

7-   أن يكون عالماً بعلم أصول الفقه لأنه عماد الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه.

8- أن يدرك مقاصد الشريعة العامة في وضع الأحكام، لأن فهم النصوص وتطبيقها على الوقائع متوقف على معرفة هذه المقاصد([53]).  

 فالمجدد هو من توفرت لديه الموهبة, أو الملكة الفقهية التي تجعل عنده القدرة على دراسة منهج النصوص في تقرير الأحكام, ومعرفة الوسائل من حيث كيفية الأخذ بها في الاستنباط([54]).

 فالمجتهد او المجدد هو: الفقيه المستفرغ لوسعه، لتحصيل ظن بحكم شرعي, ولا يكون إلا بالغاً عاقلاً قد ثبتت له ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخذها.

 

لذلك ينبغي على المجدد الالتزام بضوابط التجديد ليكون تجديده مبنيًّا على أسس راسخة، مقبولاً من جميع العلماء، صحيحًا من الوجهة الشرعية ([55])، وهذه الضوابط  تتمثل فيما يأتى :

أولاً: أن يكون فهمه للنصوص مبنيًّا على تعمق في اللغة العربية: نحوها وصرفها واشتقاقها وبلاغتها وبيانها وبديعها، وفق ما كان سائدًا في العصر الأول، فاللغة كائن حي يتطور ويتغير، ولغتنا اليوم غير لغة الصحابة فمن يجدد النصوص عليه أن يعرف القديم ويتقنه ويتعمق فيه ليكون تجديده صحيحاً ([56]).

ثانياً: أن يكون عالمًا بأصول الدين: محيطًا بما يجب في حقه تعالى وما يجوز، وما يستحيل، وما يجوز في حق رسله، وما يجوز وما يستحيل ليكون اجتهاد مبنيًّا على الأسس السليمة بعيدًا عن الهوى والتعصب.

ثالثاً: أن يكــون عـالمًا بأصـول الفقه: مصادره وموارده وناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده وعامه وخاصه ومجمله ومبينه، حتى يكون اجتهاده صحيحًا، فلا يبنى حكمه على حديث منسوخ أو  لفظ عام أريد به الخصوص أو خاص أريد به العموم أو مقيد أريد به الإطلاق؛ لأن قيده باعتبار الغالب، إلى غير ذلك من الألفاظ المؤثرة في فهم النص، فالفقه هو الفهم، والفهم ينبغي أن يكون فهمًا صحيحًا غير سقيم، صافيًا غير مشوش بالهوى([57]).

رابعاً: أن يكون المجتهد عالمًا بحال العرب قبل الإسلام مطلعًا على مقاصد الشريعة محيطًا بقواعدها، مدركًا لحكمها وأحكامها، بصيرًا بالأشباه والنظائر، خبيرًا بالعلل والحكم والأحكام، ليكون اجتهاده اجتهادًا مبنيًّا على الأسس السليمة، فلا يخلط، ولا يلتبس عليه الحق بالباطل والهدى بالضلال، فإذا استحسن بنى استحـسانه على أسس مقبولة معترف بها من الأقـدمين، وإذا استصلح بنى على ما يتفق والنصوص الشرعية ويجانب الهوى والتعصب والجهل والتطرف، وإذا تحاكم إلى العرف تجنب العـرف المخالف للشرع ذو المناسب الملغى، واحتاط في العرف ذي المناسب المرسل، فلا يعتمد إلا ما كان متفقًا مع الشريعة اتفاقًا كليًا.

وعلى المجتهد أن يتجنب تعليل أحكامه بالحكمة لأنها وصف غير منضبط فلا يمكن تعدية الأحكام إلى ما يماثلها فإن الحكم يدور مع العلة وجودًا أو عدمًا ، وقد توجد الحكمة ولا يوجد الحكم، وقد يوجد الحكم وتنتفى الحكمة ([58]).

المطلب الخامس

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالمصلحة المرسلة

المصلحة المرسلة من أهم مجالات التجديد في الفقه الاسلامي فهي باب من أبواب التجديد الفقهي، وذلك يستدعي الإشارة إلى بعض مسائل المصلحة المرسلة ذات العلاقة بالتجديد الفقهي، فالمصلحة المرسلة هي المصلحة التي شهد الشرع لجنسها, بمعنى أنها تدخل تحت أصل شهدت له النصوص في الجملة. وليست المصلحة الغريبة التي لم تشهد النصوص لنوعها حتى تكون قياساً, ولا لجنسها حتى تكون استدلالاً مرسلاً, فهذه الأخيرة ليست حجة عند أحد من الأئمة, والغزالي الشافعي والشاطبي المالكي يحكيان إجماع أهل العلم على رد المصالح الغريبة ([59])، غير أن الأخذ بالمصلحة المرسلة لابد فيه من ضوابط  منها:

الأول:أن تكون معقولة بحيث تجري على الأوصاف المناسبة التي إذا عرضت على أهل العقول تلقتها بالقبول.

الثاني:أن يكون الأخذ بها راجعا إلى حفظ أمر ضروري أو رفع حرج لازم؛ بحيث لو لم يأخذ بالمصلحة المعقولة في موضعها لكان الناس في حرج شديد.

الثالث:الملاءمة بين المصلحة التي تعد أصلاً قائماً بذاته وبين مقاصد الشارع, فلا تنافي أصلاً من أصوله, ولا تعارض دليلاً من أدلته, بل تكون منسجمة مع المصالح التي يقصد الشارع تحصيلها, بأن تكون من جنسها وليست غريبة عنها.

والمصلحة أو الاستصلاح باب واسع ومدخل عريض لتجديد الفقه والاجتهاد، ومن المقرر والمعلوم أن الشريعة تراعي مصالح العباد, وباب التجديد مفتوح فيما لا نص فيه, ولكن للاجتهاد شروطه وللمصلحة ضوابطها وحدودها.

إن تقدير ما به يكون الصلاح والفساد عائد إلى الشريعة ذاتها, وتحديداً مقاصد الشريعة الخمسة وهي: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل.

وبناء عليه: فإن كل ما توهمه الناس مصلحة مما يخالف تلك الأسس العامة في جوهرها, أو الترتيب فيما بينها, أو يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية من كتاب, أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح ليس من المصلحة في شيء, وإن توهمه من توهمه.

أما نتائج خبرات الناس وتجاربهم فيجب عرضها على نصوص الشريعة وأحكامها الثابتة, فما وافقها أخذ به, والحكم في ذلك للنصوص الشرعية ومقاصد الشريعة, وما خالف ذلك فيجب طرحه وإهماله واعتباره مصلحة ملغاة.

ويجب أن يفهم أن الشارع لم يلغ مصلحة دلت عليها تجارب الناس وعلومهم, بل الواقع أن تقدير هؤلاء المجربين والخبراء للمصلحة كان خطأ صاحبه خلل نابع من هوى في نفس المجرب, أو خطأ في وسائل التجربة, أو نقص في الاستقراء, فنحن نتهم تقدير هؤلاء, ولا نتهم نصوص الشريعة.

نخلص من ذلك إلى أن الخبرات العادية, والموازين العقلية, والتجريبية المحضة لا يجوز أن تستقل وحدها بفهم مصالح العباد وتنسيقها.

إن مدار المصلحة التي ينبني عليها الحكم الشرعي هي المصلحة الشرعية, والمصلحة الشرعية ليس لها طريق غير الوحي أما المصلحة الدنيوية فلا اعتبار لها في نظر المسلم عند مخالفتها للنص الشرعي([60])، وهذه المسائل جميعها يجب مراعاتها عند التجديد الفقهي أو الاجتهاد.

المطلب السادس

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالاستحسان

الاستحسان وسيلة من وسائل تجديد الفقه، وذلك يستدعي الإشارة بإيجاز إلى ضوابط تجديد الفقه بواسطة الاستحسان، فقد عرّف ابن رشد الإستحسان فقال:"إنه طرح لقياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه, فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الموضع "([61])،وعرفه أبو الحسن الكرخي الحنفي حيث قال:"هو العدول عن الحكم في مسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه بوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول". ([62])، فالاستحسان نوع من الترجيح بين الأدلة, وحقيقته كما يلاحظ, وكما يصرح به كثير من الأصوليين أنه أخذ بأقوى الدليلين.

وينقسم الاستحسان من حيث ابتناؤه على الأدلة الشرعية إلى أربعة أقسام:

أ.الاستحسان بالنص: ذلك يجري في كل أنواع العقود التي قالوا أنها على خلاف القياس كالسلم, والإجارة, والقرض ونحوها. وهي استحسان بالنص لأنها قد ثبتت بنصوص شرعية على غير وفق القاعدة العامة من عدم صحة بيع المعدوم وعقود الربا, ونحو ذلك. وأغلب إطلاقات الاستحسان في كتب الفروع تنصرف إلى هذا النوع, وعلى الخصوص في فروع الحنفية, فيقولون هذا جائز استحساناً, ويسمونه الاستحسان بالنص.

ب.الاستحسان بالإجماع: أي أن الاستحسان هو الإجماع كما في عقد الاستصناع

ج- استحسان الضرورة: كما في مسألة الحياض والآبار؛ ووجه الاستحسان في هذه المسألة أن الماء إذا خالطته نجاسة ولو كان كثيراً فإنه ينجس مادام ليس جارياً, ولكن عفي عن ذلك استحسانا للضرورة, وبيان ذلك: أن القياس يأبى طهارتها، لأن الدلو ينجس بملاقاة الماء, فلا يزال يعود وهو نجس, ولأن نزع بعض الماء لا يؤثر في طهارة الباقي, وكذلك خروج بعضه عن الحوض, وكذا الماء ينجس بملاقاة الآنية النجسة, والنجس لا يفيد الطهارة, فاستحسنوا ترك العمل بموجب القياس للضرورة, فإن الحرج مرفوع بالنص. وفي موضع الضرورة يتحقق معنى الحرج لو أخذ بالقياس.

د- الاستحسان بمعنى القياس الخفي:

وقد سمي قياساً خفياً في مقابلة القياس الجلي, وهو القياس المصطلح عليه، والاستحسان بهذا المعنى المقصود به ما قوي أثره، ومن أمثلته طهارة سؤر سباع الطير, فالقياس الجلي أن سؤره نجس, لأنه من السباع. ودليل النجاسة حرمة أكل لحمه كسائر السباع. وفي الاستحسان هو طاهر، لأن السبع ليس بنجس العين بدليل جواز الانتفاع به شرعا كالصيد, وكذلك الانتفاع بجلده وعظمه, ولو كان نجس العين لما جاز كالخنزير, وسؤر سباع البهائم إنما كان نجساً باعتبار حرمة الأكل لأنها تشرب بلسانها وهو رطب من لعابها, ولعابها متولد من لحمها, وهذا لا يوجد في سباع الطير لأنها تأخذ الماء بمنقارها, ومنقارها عظم, وعظم الميتة طاهر, فعظم الحي أولى. فصار هذا الاستحسان وإن كان باطناً أقوى من القياس وإن كان ظاهراً, وهذا النوع من الاستحسان هو الذي يغلب إطلاقه عند الأصوليين([63]).

المطلب السابع

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بسد الذرائع والاحتياط

 

 سد الذرائع والاحتياط باب واسع من أبواب تجديد الفقه الاسلامي، وذلك يستدعي الإشارة بإيجاز إلى ضوابط العمل بسد الذرائع والاحتياط، فسد الذرائع أصل من أصول المالكية، وسد الذرائع يعني أن ما كان ذريعة أو وسيلة إلى شيء يأخذ حكمه, فما كان وسيلة إلى الحرام يكون حراماً وإن كان في أصله حلالاً, ومعنى هذا الأمر الجائز في الأصل يمنع منه في الحالات التي يؤدي فيها إلى مالا يجوز. فعقد البيع حلال مشروع في أصله لقوله تعالى(وأحل الله البيع)، ولكن قاعدة سد الذرائع تقتضي بطلان هذا البيع إذا قصد به المحرم, أو كان الباعث الدافع إليه غير مشروع, كما في بيع السلاح لمن يقتل مسلماً, أو لأهل الحرب, وبيع العنب لمن يتخذه خمراً.([64])

أما الاحتياط:"فهو احتراز المكلف عن الوقوع فيما يشك فيه من حرام أو مكروه، ومجال الأخذ بالاحتياط أن  المكلف يأخذ بالاحتياط في مجالين:

الأول: تحقق الشبهة.

الثاني: حصول الشك في الحكم الشرعي.

المجال الأول: تحقق الشبهة:

الشبهة التي تعرض للمكلف في الأحكام الشرعية قسمان:

القسم الأول: الشبهة الحكمية:

وهي التي تقع في الحكم الشرعي بمعنى أن حكم الشارع غير ظاهر من الدليل على وجه العلم أو الظن, وهي متوجهة إلى الحكم الشرعي ذاته من حل أو حرمة وغيرهما من أقسام الحكم الشرعي, لذا سميت بالشبهة الحكمية, وهذا يحصل غالباً حين تتعارض الأدلة لدى المجتهد.([65])

القسم الثاني: الشبهة المحلية:

وهي التي ترد على المحكوم فيه الذي هو محل الحكم من حيث دخوله تحت حكم الشارع من حل أو حرمة أو غير ذلك. كاشتباه ميتة بمذكاة ومحرمة بأجنبيات وهو أنواع:

أ. اشتباه بعدد محصور: كما لو اختلطت الميتة بمذكاة أو مذكيات محصورات, أو رضيعة بعشر نسوة فهذه شبهة يجب اجتنابها بالاتفاق.

ب. حرام محصور بحلال غير محصور: كما لو اختلطت الرضيعة بنساء البلد, فلا يجب اجتناب نكاح نساء أهل البلاد.

جـ.حرام لا يحصر بحلال لا يحصر: كاختلاط الحلال بالحرام في أسواق الناس, والأسواق فيها المغصوب والمسروق والربوي, مما يقل ويكثر, حسب ورع أهل الزمان, ولا يقال بالمنع من التعامل مع أهل الزمان, أو البلد ما لم يقترن بالأعيان علامات تدل على أنه من الحرام, فإن لم يكن في العين علامة تدل على أنه من الحرام, فتركه ورع, وأخذه حلال, لا يفسق به آكله.

المجال الثاني:الشك في الحكم الشرعي الطارئ بسبب الشك في الواقع: فيطرأ الشك في الحرمة والوجوب أو الإباحة فيحتاط المكلف لنفسه فانه لا يخرج من عهدة الواجب- مثلاً- إلا بيقين أو ظن غالب. كالشك في عدد الركعات, والنظر في ذلك في أربعة أقسام:

أ.التحريم معلوم ثم يطرأ الشك في الحل, فهذه شبهة يجب اجتنابها, ويحرم الإقدام عليها, كما لو رمى صيداً فوقع في الماء فيخرج ميتاً, ولا يدري هل مات بالغرق, أو بسبب جرح الرماية.

ب. الحل معلوم ثم يطرأ الشك في التحريم, حكمه الحل, فلا ينجس الماء بمجرد ظن النجاسة.

جـ.الأصل التحريم ثم يطرأ ظن غالب على الحل, كمن يرمي صيدا فيغيب عن ناظره ثم يدركه ميتاً وليس عليه أثر سوى أثر رميه, فهو حلال, وان احتمل أنه مات بسبب شدة السقوط([66]).

د. الأصل الحل ثم يطرأ ما يفيد غلبة الظن التحريم, كما لو رأى حيواناً يبول بماء كثير ثم وجد الماء متغيراً واحتمل أن يكون الماء قد تغير بطول المكث فيحكم بنجاسة الماء.

على أن الاحتياط في جملته مطلوب فيما علم أمره وتحقق فيه يقين اختلاط الحلال بالحرام أو ظن غالب, وذلك بقرائن وعلامات توصل إلى ذلك, كما لو كان في بلاد غير المسلمين أو مع فساق لا يتورعون عن اقتراف المنهيات, أما إذا كان في ديار المسلمين, ولم يظهر ما يدعوا إلى الاشتباه فلا ينبغي التدقيق والإلحاح في الأسئلة مع أعيان المسلمين, بل قد يصل الأمر إلى تحريم السؤال إذا كان فيه إيذاء للمسلم المستقيم([67]).

المطلب الثامن

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بعموم البلوى

عموم البلوى وسيلة من وسائل تجديد الفقه الاسلامي، وذلك ينبغي الإشارة إلى ضوابط الأخذ بعموم البلوى، فعموم البلوى في اللغة هو: كثرة وقوع الشيء، وعند الفقهاء: الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيراً من الناس ويتعذر الاحتراز منها([68]).

ويظهر عموم البلوى في موضعين:

الأول: ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال, بحيث يعسر الاستغناء عنه إلا بمشقة زائدة.

الثاني: شيوع الوقوع والتلبس, بحيث يعسر على المكلف الاحتراز عنه أو الانفكاك منه إلا بمشقة زائدة.

ففي الموضع الأول ابتلاء بمسيس الحاجة, وفي الثاني ابتلاء بمشقة الدفع.

الضابط في عموم البلوى :

يرجع النظر في عموم البلوى إلى ضابطين رئيسين:-

الأول: الضابط في نزارة الشيء وقلته:

أي أن مشقة الاحتراز من الشيء وعموم الابتلاء به قد يكون نابعاً من قلته ونزارته, ومن أجل هذا عفي عن يسير النجاسات, وعن أثر الاستجمار في محله, وعما لا يدركه الطرف, وما لا نفس له سائلة ونيم الذباب(ما يخرج من فضلاته), ورذاذ الشوارع مما لا يمكن الاحتراز عنه, وما ينقله الذباب من العذرة وأنواع النجاسات.

الثاني: كثرة الشيء وشيوعه وانتشاره:

كما أن عموم الابتلاء ومشقة التحرز قد تكون نابعة من تفاهة الشيء ونزارته, كذلك قد يكون الأمر لكثرته وشيوعه فيشق الاحتراز عنه ويعم البلاء به.

وقد نبه الغزالي إلى أن الغلبة التي تصلح عذراً في الأحكام ليس المراد بها الغلبة المطلقة, وإنما يكفي أن يكون الاحتراز أو الاستغناء عنه فيه مشقة وصعوبة نظراً لاشتباهه بغيره من الحلال والمباح واختلاطه به وامتزاجه معه بحيث يصعب الانفكاك عنه, كما هو ظاهر في بعض صور النجاسات والمستقذرات واختلاط الأموال.([69])

المطلب التاسع

ضوابط تجديد الفقه المتعلقة بالعرف

العرف وسيلة من وسائل تجديد الفقه الاسلامي، وذلك يستوجب الإشارة إلى ضوابط الأخذ بالعرف ما يجوز وما لا يجوز الأخذ به من العرف عند الاجتهاد وتجديد  الفقه، والعرف هو الشيء المعروف وهو كل ما سار عليه الناس وتعارفوه من قول أو فعل([70]).

ويراد به: ما استقر في النفوس من جهة العقول, وتلقته الطباع السليمة بالقبول، فهو شامل لما عرفته النفوس وألفته, سواء كان قولا أوفعلا ولم ينكره أصحاب الذوق السليم، ويحصل الاستقرار في النفوس والقبول للطباع بالاستعمال المتكرر الصادر عن الميل والرغبة، ويخرج من ذلك العرف الفاسد, وهو ما استقر لا من جهة العقول كتعاطي المسكرات, وأنواع الفجور التي تستقر من جهة الأهواء والشهوات، كما يخرج ما لم تتلقه الطباع السليمة بالقبول كالكشف عن العورات, وعدم الاحتشام  والألفاظ المستقبحة، ومن مسائل العرف الهامة ذات الصلة بتجديد الفقه مسألة تغير العادات والأعراف , وتناول هذه المسألة من وجهين:

أحدهما: تأكيد العلماء لقضية اعتبار الأعراف والعوائد .

وثانيهما: التفسير الفقهي للمقصود باعتبار الأعراف والعوائد . على أنه يحسن التنبيه على مسألة مهمة تتعلق بتغير الحكم لتغير العادة أو العرف وذلك أنه لا ينبغي أن يفهم من اختلاف الأحكام باختلاف العادات أنه اختلاف في أصل خطاب الشرع, بل معنى هذا الاختلاف أن العادات إذا اختلفت اقتضت كل عادة حكماً يلائمها, فالواقعة إذا صحبتها عادة اقتضت حكماً غير الحكم الذي تقتضيه عندما تقترن بغيرها من العادات، فإذا جرت عادة قوم باستقباح كشف الرأس كان التعزير بكشف الرأس مجزئاً , وإذا لم يكن كشف الرأس في عادة قوم مستقبحاً امتنع أن يكون طريقاً كافياً للتعزير، ولا بد للقاضي من اتخاذ طريق آخر يكون له وقع الألم في نفس المستحق للتعزير. فخطاب الشرع الذي تعلق بالواقعة المقتضية للتعزير حال صحبتها عادة استقباح كشف الرأس غير الخطاب الذي يتعلق بواقعة مثلها تصاحب عادة عدم استقباح ذلك ([71]) .

يقول الإمام القرافي : (إن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت, وتبطل معها إذا أبطلت: وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام, فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه, ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك, بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك, واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وافته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك , فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين, وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين)([72]) ويقرر السيوطي في الأشباه والنظائر أن العادة والعرف مرجوع إليهما في الفقه في مسائل كثيرة ويزيد ابن عابدين الموضوع جلاء إذ يقول:( كثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله, أو لحدوث ضرورة, أو لفساد أهل الزمان بحيث لو يبقى الحكم على ما كان عليه أولاً, لزم عنه المشقة والضرر بالناس, ومخالفة قوانين الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر، ثم قال:( ولهذا نرى مشايخ الحنفية خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا من قواعد المذهب(([73]).

ويقول ابن القيم: (ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على خلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فقد ضل وأضل , وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم, بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان) وبيان ذلك: أن هناك أوصافاً ربط الشارع الحكم بها, وبني عليها أمور الناس، فالعدالة – مثلاً- شرط في قبول الشهادة بنص كتاب الله( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) وحينما نراجع كلام أهل العلم وتعريفاتهم للعدالة وأوصاف أصحابها نلاحظ أنهم يربطونها بمألوف الناس, ودلائل التعقل والمروءة , وهذا حق لا مرية فيه، ومن المعلوم أن هذا شيء متغير, فما يكون مألوفاً في بلد أو دلالة مروءة فيه قد لا يكون في البلد الآخر, وكذلك عند اختلاف الزمن، ولكي يزداد الأمر وضوحاً, فإن السير مكشوف الرأس أو الأكل في الأسواق كان في يوم من الأيام, أو بلد من البلدان مظهراً من مظاهر قلة المروءة وعن ذلك يقول القرافي: ( ما الصحيح في هذه الأحكام الواقعة في مذهب الشافعي ومالك وغيرهما المرتبة على العوائد والعرف الذين كانا حاصلين حالة جزم العلماء بهذه الأحكام؟ فهل إذا تغيرت تلك العوائد, وصارت العوائد تدل على ضد ما كانت تدل عليه أولاً فهل تبطل هذه الفتاوى المسطورة في كتب الفقهاء ويفتى بما تقتضيه العوائد المتجددة ؟ أو يقال: نحن مقلدون وما لنا إحداث شرع لعدم أهليتنا للاجتهاد؟ فنفتي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين ؟ ) ويأتي الجواب منه –رحمه الله تعالى- ليقول: (إن استمرار الأحكام التي مدارها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع, وجهالة في الدين. بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغيره إلى ما تقتضيه العادة المتجددة, وليس هذا تجديدا للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد, بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد(([74])

ومن كل ما تقدم يتبين بلا ريب أن للظروف الملابسة للأشخاص أو للوقائع والأحداث أثراً في إدراك العلل وتوجيه الاستدلال بمدركه ودليله, وتبين مسالك تطبيقه ضماناً لمشروعية نتائجه, إذ العبرة بالنتائج العلمية الواقعة أو المتوقعة، وبيان ذلك أن الظروف المتجددة الواقعة أو المتوقعة والتي تلابس الأشخاص أو الوقائع تنشأ عنها دلائل تكليفية جديدة تقتضي أحكاماً جديدة تناسبها, وبما أن الظروف تتغاير وتتمايز باطراد, فاقتضى هذا وجوب اعتبارها شرعاً، ولهذا التغير ضوابط ومسارات، وهي في الوقت ذاته ضابط من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي ([75]).

المطلب العاشر

ضوابط تجديد الفقه عند النظر في المتغيرات والوقائع المعاصرة

المتغيرات والمستجدات التي تظهر في المجتمعات الإسلامية كثيرة ومختلفة ومتنوعة وغير ثابتة، وقد أشارت إلى بعض هذه المتغيرات التي ينبغي ان يتجه إليها تجديد الفقه الاسلامي وتطويره المؤتمرات والمجامع الإسلامية، ومن ذلك:

أولاً: قرارات وتوصيات منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة - السعودية في دوراته العشر، كحكم طفل الأنابيب وبنوك الحليب، والتأمين وإعادة التأمين، الإحرام بالطائرة، وزرع الأعضاء، وبنوك الأعضاء، والخلو (بدل تفريغ المنزل)، وزراعة الأعضاء التناسلية، والمناقصات، والاستنساخ .. الخ.

ثانياً: قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في دوراته الثلاث عشرة، ومنها: توحيد الاهلّة، خطبة الجمعة والعيدين بغير العربية، البورصة، تصوير النبي صلى الله عليه وسلم، تشريح جثث الموتى، تقرير الوفاة برفع أجهزة الإنعاش، نقل الدم، إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا.

ثالثاً: قضايا معاصرة في الندوات الفقهية في مجمع الفقه الإسلامي - الهند، وتوجيهات في تسع ندوات فقهية كمشروع النظام المصرفي اللاربوى، والمؤسسات التعاونية اللاربوية، الذبح الماكينى، الإيدز .

رابعاً: فتاوى وتوصيات وندوات قضايا الزكاة المعاصرة في الكويت: تسع ندوات، ومنها زكاة المال الحرام، مصرف (المؤلفة قلوبهم)، مشمولات مصرف في سبيل الله، زكاة عروض التجارة، السندات الحكومية الخ.

فقد قال الدكتور محمد عبد الرحمن المرعشلي (فقد نجح الفقهاء القدامي في استخراج الأمثلة الفقهية الشائعة في حياتهم لغة وعبارات وممارسات، بينما فقدت هذه الأمثلة حضورها في مجتمعاتنا المعاصرة، حيث أصبحت غريبة وغامضة وغير مفهومة للأجيال، فهي بحاجة إلى شرح وإيضاح ومعاجم فقهية ولغوية خاصة لبيان مقصودها، فينبغي استمداد الأمثلة الفقهية الحديثة مع التصدى لظروف العصر وبيئته ومشاكله وهمومه بالاجتهاد مستمدة من صميم البيئة ومن واقع تجارب الناس وممارساتهم الفعلية، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم) تحت طائلة عزل الفقه عن مشاكل العصر: فكرًا وواقعًا؛ لأن الأمثلة القديمة لم يعد لها وجود اجتماعي معاصر ولا حضور علمي، وفي ذلك ظلم للفقه الإسلامي في دنيا التشريع والقانون عن طريق إبعاده عن التطبيق والمعاصرة) [76])).

والمتغيرات والوقائع المعاصرة هي المجال الأوسع من مجالات تجديد الفقه لكثرة المتغيرات والوقائع المتجددة دوماً وتغير الأحكام فيها بين الفينة والأخرى حيث تتغير الآراء والإحكام  بل قد يتغير رأي المجتهد في قضية واحدة في وقت بعد وقت، فذلك كله يحتاج إلى تناول ضوابط ذلك على النحو الآتي: 

أولاً: إن الاجتهاد والنظر في المتغيرات والحوادث كل ذلك لا يجوز أن يفهم منه أن النصوص غير ثابتة أو أنها لا تضع تشريعاً دائماً ثابتاً مستقراً شاملاً في الزمان والمكان. بل إن الأصل في النصوص هو الثبات والدوام،ومن أجل هذا يجب لزوم الحذر التام من التساهل أمام نصوص الشرع , أو محاولة التحلل منها, فذلك مزلق خطير ومركب عسير تزل فيه الأقدام وتضل الإفهام وتنهار الأحكام.

إن مما يجب أن يعلم في هذا الشأن أن شريعة الإسلام قد حكمت في ديار متباعدة الأقطار, مترامية الأطراف حكمت قروناً متوالية وأزمنة متتالية , ولاقت مختلف العادات والتقاليد, وعاشت عصور الرخاء والشدة والقوة والضعف, واجهت الأحداث في جميع الأطوار فما قصرت عن حاجة, وما عجزت عن واقعة, ولا قعدت عن مطلب.

ثانياً: أن في سنن الله وفي شرعه عنصرين. أحدهما ثابت, والآخر متغير. فالاستمساك بأحدهما وإهمال الآخر يترتب عليه فساد عريض، فالثابت يجب أن يبقى ثابتاً, بل لا يمكن زحزحته فضلاً عن أن يسعى في زحزحته، والمتغير طبيعته التغير, وجعله ثابتاً والالتزام به دائماً يوقع في عسر وحرج لا يطيقه المكلف.

إن معرفة الثوابت والاستمساك بها, وتمييز المتغيرات, وضبط حركتها حول المحور الثابت حتى لا تخرج عن المسار الصحيح, فبه يكون الدوام والاستقرار ومواكبة المتغيرات في الأزمنة والأمكنة والناس, مع بقاء الأصول الثوابت, والمحافظة على الجوهر, وهذا هو سر بقاء الشريعة وحيويتها وصلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة([77]).

ثالثاً: إن الحديث عن التغير والتطور ومجاراة العادات والأعراف، لا يعني أن هم المجدد المجتهد والفقيه تبرير الواقع، وتلمس السند الشرعي له والتعسف وسوء التأويل بدعوى أن ذلك هو مفهوم المرونة والتطور والتجديد.

رابعاً: التجديد أو الاجتهاد فيما ورد بخصوصه نص مضبوط بطرق القياس, والمصلحة المرسلة والاستحسان , والنظر([78]) في العوائد والاستصحاب والبراءة الأصلية وأحكام الضرر والضرورات, وأمثالها من مجالات النظر التي تختلف في تقديرها آراء أهل الاجتهاد باختلاف مداركهم وفهومهم كما سبق إيضاحه. والأصول الثوابت التي لا مساغ للاجتهاد فيها هي القطعيات وما علم من الدين بالضرورة, وما تلقته الأمة بالقبول من الفرائض المحكمات, والنصوص القطعيات, كفرائض الصلاة والزكاة, والصيام, والحج, والمواريث, والحدود , والحجاب, والمحرمات من الربا, والزنا, والخمر والميسر والطلاق والوفاة, وأمثال ذلك، فهذه دوائر لا تقبل الاجتهاد والجدل ,كأن يقول بعض الناس بتعطيل فريضة الزكاة اكتفاء بالضرائب أو تعطيل فريضة الصيام تشجيعاً للإنتاج, أو إلغاء فريضة الحج توفيراً للعملة الصعبة , أو إباحة الزنا والخمر وما يتبعها ترغيباً في السياحة, واستحلال الربا دعماً لمشروعات التنمية والإنتاج([79]).

خامساً: لا مجال للتجديد الفقهي في الثوابت والأصول والقواعد الكلية لأنها تقرر أحكاماً لا تتغير بتغير الزمان والمكان ولا تتأثر بالأعراف والتقاليد وهي ليست مجالاً للبحث والاجتهاد([80]).

سادساً: ليس لأحد الحق في أن يقول في دين الله مالا يعلم, فباب الاجتهاد والفتوى يجب أن يكون مقصوراً على أهله، ومسئولية ذلك يجب أن يتولاها العلماء الربانيون المخلصون, والمراكز والهيئات والمجامع الفقهية ودور الإفتاء, والقضاء الشرعي, وهيئات كبار العلماء.

سابعاً: يعيش المسلمون في هذه الأزمنة حالات من الضعف في كثير من أمورهم وشؤونهم, ومنها أوضاعهم الاقتصادية وبخاصة المستجد من النوازل فيها, وعليه فمن العسير أن تسير معاملات المسلمين على العزائم دون الرخص, وعلى المجمع عليه دون المختلف فيه, وعلى الحلال الخالص دون المشوب, مما يقتضي النظر في هذه الواقعات والنازلات والمتغيرات المعاصرة من أجل تلمس الحلول النافعة,والمخارج للأمة ولو قامت على رأي فقيه واحد معتبر خالفه جمع كبير من أهل العلم ما دام هذا رأي يحقق مصلحة للمسلمين ولا يصادم نصاً , بل قد لا يكون من المتعين أن يكون في المسألة رأي سابق لإمام من الأئمة, أو عالم من العلماء ما دام أنه في دائرة الضوابط الشرعية , والأصول العامة , والقواعد الكلية في الشريعة([81])

يقول الأستاذ مصطفى الزرقاء –رحمه الله-:(( إن الآراء والنظريات الفقهية في المذاهب المعتبرة, سواء منها الراجح والمرجوح كلها ثروة تشريعية قيمة وقد يظهر تطور المصالح الزمنية, وإعادة النظر أن ما كان من الآراء الفقهية وهو الذي يجب أن يكون الراجح وما كان يظن ضعيف المبنى هو في الحقيقة أقوى وأسد, ولكن مرمى نظر صاحبه قد كان أمام قافلته بمسافات لا تدركها أبصارهم, فيبقى غير معتمد عليه حتى تصل العصور بالأجيال إلى مرمى ذلك النظر, فإذا هو البصر الحديد, والفهم الرشيد، وفي كل مذهب أنظار فقهية شتى من هذا القبيل يمتاز فيها المذهب بما لم يدركه سواه من المذاهب))([82]) ليس كل ما قال فقيه، أو عالم برمته كان حراماً في الأمر ذاته, وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو قياس مرجح لذلك أو ما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول([83])

ثامناً: الاهتمام بالاجتهاد الجماعي: فقد مضت سنة الخلفاء الراشدين أنهم كانوا إذا نزلت بهم نازلة, أو استفتاهم مستفت في مسألة أن يجمعوا لها أعيان الصحابة وكبارهم ليبدي كل واحد منهم رأيه بدءا بما يحفظ من النص الشرعي كتابا وسنة، فإذا لم يوجد نص صاروا إلى الرأي , فيجري التشاور بينهم والمداولة حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه بالإجماع أو بما يشبه الإجماع, وذلك في كل ما يعرض لهم، ولقد كان ذلك عاملاً قوياً في الحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها فكرياً وفقهياً وسياسياً واجتماعياً.

فقد أخرج الدارمي في مسنده عن المسيب بن رافع قال:( كانوا- يعني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر اجتمعوا لها وأجمعوا فالحق فيما رأوا) "([84]) وتتأكد أهمية المسلك الجماعي في الاجتهاد والتجديد مع متغيرات العصر, وسعة الاتصال والتواصل بين الناس, ولا سيما مع ملاحظة ما يجري من خلال القنوات الفضائية وشبكات المعلومات, وكثرة الخوض فيها من قبل أناس لا صلة لهم بالعلوم الشرعية المتخصصة.

ومن المؤكد أن جانباً من هيبة الأمة ومهابتها في قرونها الأولى المفضلة وحفظها لحقوقها يعود إلى المنهج الجماعي الذي يقي من الزلات والهفوات والأخطاء القاتلة, ويحفظ من الشقاق والفرقة، وفي الغالب فإن الاجتهاد الجماعي يجمع علماء قادرين متخصصين مدركين لأصول الاستدلال ومن ثم تكون لهم هيبتهم ووزنهم في الأمة.

والمجامع الفقهية الموجودة خطوة طيبة في هذا المضمار, وينبغي أن تتسع دائرة التجمع, كما ينبغي أن ينظر في طريقة الاختيار أو الترشيح للأعضاء يبعده عن بعض المؤثرات التي لا علاقة لها بالتخصص العلمي, ومتطلبات الاجتهاد, وشروط الإفتاء.

ومما يعين على إعطاء الاجتهاد الجماعي أثره في استصدار الأحكام الفقهية في مكانتها اللائقة بها كمنتدى لكبار فقهاء الأمة بعيداً عن المؤثرات الخارجية والتوجهات السياسية وغير السياسية, والتعصب المذهبي والفكري ذلك أنه قد كثر الأدعياء , وانتشر المغررون, والمتهورون, والمتهتكون الذين لو فتح لهم الباب لاجترؤوا على حدود الله, وغيروا معالم الشرع إرضاء لنزوة , وسعياً لشهرة, أو إتباعا لهوى , فيصبح الدين والناس فوضى فيضلوا ويضلوا.

ومن أجل أن يعطى الاجتهاد الجماعي أثره على مستوى الإنتاج والقبول والثقة يحسن مراعاة ما يلي:-

1-         ينبغي أن يكون هناك تنسيق كامل بين المؤسسات العلمية الشرعية وبين المراكز الأخرى من طبية واقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها, وذلك لتحقيق هدفين رئيسين:-

أحدهما: اتصال المؤسسات الشرعية بالواقع ومستجدات الناس فيكون الاجتهاد مبنياً على تصور صحيح.

2-         إنشاء مجمع للاجتهاد والتجديد يمثل المجلس الأعلى للأمة في كل القضايا العامة المعاصرة بشرط أن يتمتع هذا المجمع بالاستقلالية والتحرر من التعصب المذهبي وتسهم في نفقاته المالية الدول الإسلامية كافة([85]).

3-          التنسيق بين دور الإفتاء والمجامع الفقهية والجهات البحثية الشرعية في الجامعات وغيرها لإمدادها بالموضوعات المستجدة , والنوازل, والواقعات وما تحتاج إليه الأمة من بحوث, بدلاً من التكرار أو البحث في قضايا ومسائل لا تطبيق لها, أو أنها ذات أهمية محدودة.

تاسعاً: إعادة النظر في طريقة تدريس الفقه ولاسيما في الدراسات العليا من الكليات الشرعية, ومرحلة ما فوق الجامعة, ويكون هذا النظر من الجهات الآتية:

الجهة الأولى: أسلوب البحث والتأليف والتدريس بطريق القواعد الفقهية والأصولية والنظريات الفقهية.

وهو أمر ليس بمستغرب إذا نظرت في بعض طرائق المتقدمين كالشاطبي في كتابه الموافقات وتوجهه نحو إعادة النظر في طرق الكتابة والتأليف في أصول الفقه. ثم توجهه إلى العناية بمقاصد الشريعة ,وكذلك أسلوب ابن رجب في كتابة القواعد الفقهية.

الجهة الثانية : العناية التفصيلية بالمسائل المستجدة , فلو قارنت في كتابة المتقدمين في الزكاة والأموال الزكوية –ولا سيما زكاة السائمة من بهيمة الأنعام وطرق تفصيلها-لوجدت أنها متمشية مع مصطلحات وقتهم وما هو سائد فيهم من ألفاظ وأسلوب حياة , بينما جد في الوقت الحاضر أنواع من الأموال نحتاج إلى تبسيطها وتقريبها لطلاب العلم في مراحل الطلب, كالأسهم في معرفة أنواعها وشركاتها وكيفية إخراج الزكاة فيها([86])، إعادة النظر في نظام التعليم الحالي شكلاً ومضموناً كي تختفي الثنائية التعليمية ويتوارى معها الصراع الفكري و الفقهي  وتحل محله المفاهيم الفقهية والفكرية الصحيحة([87]).

عاشراً: إن التجديد الفقهي ينبغي أن يرتبط فيه الدليل التفصيلي في استنباط الحكم الشرعي بالمقصد الكلي للشارع، مما يدعونا إلى القول بضرورة مراعاة العلاقة بين الدليل والمقصد حين التجديد، بل وطرحه كموضوع ندوات وسبيل دراسات معمقة دفعا لعملية الاجتهاد والتجديد الفقهي في النوازل والمستجدات، وتحقيقًا لمصالح الأمة وملامسة لواقعها المعيش([88])

احد عشر: إن علاقة الإنسان بالمجتمع تدعونا إلى القول بضرورة الاستفادة من العلوم الاجتماعية ومناهجها في تجديد الفقه الإسلامي، وصياغة منهجية تكاملية بين هذه العلوم([89])

ثاني عشر: العناية بجمع مسائل الفقه في أبواب كبرى تعرف بالنظريات الفقهية كنظرية الضمان ونظرية الضرر، ونظرية العقد وغيرها؛ لإظهار السبق الحضاري لهذا الكنز الفقهي في تأسيس مثل هذه النظريات.

 

ثالث عشر: العناية بنماذج التجديد في تراثنا الفقهي ودراستها دراسةً ناقدة نستفيد من إيجابيتها وتصّوب مأخذها مع وضعها في إطارها التاريخي وتحديد منهجية الانتفاع منها.

رابع عشر: إحياء منهج الاستنباط والاستدلال الذي قام عليه الفقه في عهده الذهبي وتفعيل العقل الفقهي ليكون عقل فهم ونقد لا مجرد حفظ وترديد، يدرك العلة ويرمي إلى المقصد ويستهدف الغايات التي قررها القرآن وجسدتها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في حياة الإنسان.

خامس عشر: التأكيد على أهمية فقه المقاصد وما يمكن أن يؤديه من أدوار إصلاحية مهمة مع ضرورة الالتفات إلى الضوابط الشرعية التي تحصن الناس من الذوبان والانفلات كما تصونهم من التحجر والجمود.

خاتمة البحث

وتشتمل على اهم نتائج البحث وتوصياته, وبيان ذلك على النحو الاتي :

أولا: نتائج البحث:

وسوف نكتفي هنا بعرض أهم نتائج البحث، وذلك على النحو الآتي:

1-         تتعالى الأصوات في العصر الحاضر مطالبة بتجديد الفقه الإسلامي لمواكبة التطور الحضاري والعلمي والإجتماعي في الوقت الحاضر.

2-         تجديد الفقه الإسلامي ينبغي أن يتم وفقاً لضوابط كثيرة تضمن عدم تحريف الفقه الإسلامي بتبديله ومسخ هوية الأمة.

3-         هناك ثوابت فقهية لا يجوز التجديد فيها وهي المسائل المعلومة من الدين بالضرورة والأحكام التي ورد بها نص شرعي قطعي الدلالة والثبوت.

4-         ضوابط تجديد الفقه الإسلامي شاملة وجامعة منها يتصل بالتجديد ذاته و منها يتصل بالمجدد ومنها ما يتعلق بوسائل التجديد الفقهي وأدواته.

5-         ينبغي أن ينضبط التجديد الفقهي ذاته بضوابط أهمها الحاجة إلى التجديد وأن يكون التجديد وثيق الصلة بالمجتمع الإسلامي المعاصر وأن يتم تطبيق التجديد بالفعل في الواقع، وأن يعالج التجديد النفوس والأحتياجات المادية معاً.

6-         ضوابط تجديد الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالمجدد هي توفر شروط الإجتهاد في المجدد الذي يتولى التجديد بدراسة الوقائع المعاصرة ومصادر الشريعة وأصولها وأحكامها فلابد أن يكون المجدد مجتهداً تتوفر فيه شروط الإجتهاد مثل العلم بنصوص الكتاب والسنة والقدرة على إستخراج الإحكام الفقهية من مصادرها.

7-         وسائل التجديد هي الأدلة الشرعية كالقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس وقول الصحابي والمصلحة والإستحسان وسد الذرائع وعموم البلوى والعرف، ومجال التجديد يتوسع فيما يتعلق بالمصلحة والعرف والإستحسان وسد الذرائع وعموم البلوى، ولذلك أفردنا في البحث ضوابط العمل بالعرف والمصلحة والإستحسان وسد الذرائع وعموم البلوى.

8-         التجديد الفقهي الصحيح والمنضبط هو الذي يلتزم بالضوابط المشار اليها والتجديد غير المنضبط هو الذي لا يلتزم بتلك الضوابط.

 

ثانياً: توصيات البحث:

من خلال إستقراء البحث فأن الباحث يوصي بالآتي:

1-   قصر التجديد على المسائل التي يجوز فيها شرعاً.

2-   قصر التجديد على الفقهاء المجتهدين الذين تتوفر فيها شروط الاجتهاد.

3-   جعل التجديد الفقهي محصوراَ في المجامع الفقهية وأقسام الفقه وأصوله في الجامعات.

4-   وضع سياسة واضحة لوسائل الاعلام لترشيد الخطاب التجديدي للفقه الاسلامي.

5- تعميم ضوابط تجديد الفقه الاسلامي وادراجها ضمن مقرر مدخل الفقه الاسلامي الذي يدرس في الجامعات.

 

والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على بدر التمام محمد وعلى آله وصحبه الكرام (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وأرحمنا أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين) صدق الله العظيم


قائمة المراجع


1.      الأحكام في أصول الأحكام، ابو الحسن علي بن ابي علي الثعلبي الأمدي المتوفي 631هـ، المكتب الاسلامي، بيروت ج1.

2.                 

3.                إرشاد الفحول إلى علم الوصول، محمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى 1421ه.

4. الإعتصام، إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي المتوفى 790ه، دار ابن عفان السعودية، الطبعة الأولى 1412ه.

5. أعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية المتوفى 751ه، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى 1411ه.

6.   أنوار البروق في أنواء الفروق، أحمد بن أدريس القرافي، وزارة الأوقاف السعودية 1431ه.

7. الأسهم المالية في نظر الشريعة , صفوت الشوادفي وبحث الاستثمار في الأسهم د. علي محي الدين القره داغي.

 

8. الأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي المتوفى 911ه، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411ه.

 

9.   بداية المجتهد، محمد ابن احمد بن محمد بن رشد الحفيد، تحقيق محمد صبحي حلاق طبعة 1415هـ ، دار المعرفة.

 

10.  تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد المرتضى الزبيدي، دار الصفاء، الكويت الطبعة الثانية.

11.  التجديد في فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. رياض منصور الخليفي.

12.                    التجديد في الإسلام، كتاب المنتدى الإسلامي بالرياض الطبعة الرابعة 1422هـ.

13.                    تجديد الفقه الإسلامي، د.وهبة الزحيلي ود.جمال عطية، دار الفكر المعاصر دمشق 2002م.

14.       التجديد في الفقه الاسلامي، د. محمد عبد الرحمن المرعشلي، مجلة المسلم المعاصر، العدد (110) 18/12/2003م.

15.       التجديد في الفقه الإسلامي، د.محمد الدسوقي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة، القسم الثاني 1422هـ.

16. الجامع المسند الصحيح، محمد بن إسماعيل البخاري تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الأولى 1422ه. 

17.                     

18.                    حاشية ابن عابدين محمد امين بن عمر بن عبد العزيز عابدين المتوفى 1252هـ، دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية 1412هـ. .

19. صحيح مسلم، مسلم بن حجاج القشيري المتوفى 261ه، دار طيبة 1427هـ.

20. ضوابط النظر في النوازل والمتغيرات، د.صالح بن حميد، الملتقى الفقهي feqhweb.com.

 

21.       عون المعبود على شرح سنن أبي داوود، شرف الحق العظيم أبادي، دار ابن حزم 1426ه الطبعة الأولى.

22.                    الفقه الإسلامي بين الإصالة والتجديد، د.يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، 2001م.

23.       فقه النوازل وفقه الواقع، د.عبد المجيد قاسم، بحث محكم مقدم لمؤتمر الفتوى وإستشراف المستقبل ليبيا 2009م.

24.       القاعدة الفقهية حجيتها وضوابط الإستدلال بها، د.رياض منصور الخليفي، وزارة الأوقاف الكويت الطبعة الأولى.

25.                    قرارات مجمع الفقه الإسلامي بالهند، قرار رقم 36.

26.       كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد البخاري الحنفي المتوفى 730ه دار الكتاب الإسلامي.

 

27.                     لسان العرب، محمد بن مكرم بن علي ابن منظور الأنصاري المتوفى 711ه- دار صادر بيروت –الطبعة الثالثة 1414هـ.

28.                    المدخل الفقهي العام, مصطفى أحمد الزرقاء، الطبعة الثانية 1425ه.

29.                     

30.                    المستدرك على الصحيحين،  محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية 1422ه.

31.       المستصفى،  ابو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى 505ه، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413ه.

32.       مسند الدارمي، ابو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى 255ه، دار المغني السعودية الطبعة الأولى 1412ه.

33.                    مسند أحمد بن حنبل، احمد بن حنبل مؤسسة الرسالة.

34.                    مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، 5/23.

35.       المنخول من تعليقات الأصول، محمد محمد الغزالي المتوفى 505ه، دار الفكر المعاصر بيروت الطبعة الثالثة 1419ه.

36.       من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي، د. حسن خطاب، مجلة كلية الآداب جامعة المنوفية العدد (61) اكتوبر 2007م.

37.        منهج إستنباط الأحكام الفقهية للنوازل المعاصر، صالح بن حميد، دار الإستقامة، الطبعة الثانية، 1412هـ.

38.                    الندوة السابعة لتقنين وتجديد الفقه بسلطنة عُمان المنعقدة في إبريل 2008م

39.                     

40.       هل التجديد ضرورة شرعية، د.محمد الدسوقي، صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادر بتاريخ 29/7/2008م. 



[1])) لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت 1992م ، مادة (جد) 1/216.

[2]))  الأحكام في أصول الأحكام للأمدي   ج 1 ص22.

[3])) الورقات  ج 1 -  ص  7 -  اللمع في أصول الفقه ج  1 ص  3.  

[4])) مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، 5/23.

[5])) من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي، د. حسن خطاب، مجلة كلية الآداب جامعة المنوفية العدد (61) اكتوبر 2007م ص8.

([6]) القاموس المحيط  ج  1 -  ص  346   المصباح المنير ج  1   ص  92.  

[7])) تاج العروس ج 2 ص 314 ط/ دار الفكر – المعجم الوسيط ج 1 ص 109 ط/ دار الدعوة .

[8])) التجديد في فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. رياض منصور الخليفي ص7.

[9])) من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي، د. حسن خطاب ص9.

([10]) عون المعبود ج  11 ص  264   .

([11]) التجديد في الإسلام  ص45  كتاب المنتدى الإسلامي بالرياض الطبعة الرابعة 1422.

[12])) المرجع السابق ج11ص264ص265.

([13]) سورة الروم آية22.

[14]))  الفقه بين الأصالة والتجديد د/ القرضاوي ص 22 – التجديد في الفقه الإسلامي د/ محمد الدسوقي ص 47.

[15])) القاعدة الفقهية حجيتها وضوابط الإستدلال بها، د.رياض منصور الخليفي، وزارة الأوقاف الكويت الطبعة الأولى ص95.

[16])) الفقه بين الاصالة والتجديد، د. يوسف القرضاوي ص25.

[17])) منهج استنباط الاحكام الفقهية للنوازل المعاصرة، د. صالح بن حميد ص235.

[18])) لسان العرب، مادة (ضبط).

[19])) معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة 2008م ص263.

([20])  سورة التوبة آية 122.

([21])  أخرجه أبو داود ك الملاحم   1  ت / 1 م باب ما يذكر في قرن المائة ج2ص511 رقم 4291 ط/ دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثانية سنة 1415 ﮬ - والبيهقي في ك المعرفة عن أبي هريرة ص 52 – والحاكم في  المستدرك    كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم  ج4ص567في التلخيص ج 4 ص 522 – والخطيب في التاريخ ج 2 ص 61 – والهروي في ذم الكلام ج 2ص 111 – وابن عدي في الكامل ج 1 ص 14 – وصححه المناوي والألباني – يراجع السلسلة الصحيحة ج 2 ص 148 رقم 599 ط/ مكتبة المعارف بالرياض سنة 1415 ﮬ , 1995 م

([22]) عون المعبود ج  11 ص 261.

[23]))  المستدرك، للنيسابوري 2/149 باب الأمر بسؤال تجديد الأيمان حديث رقم (5) رواه الحاكم وقال رواته ثقات و وافقه الذهبي 1/4.

([24])  فيض القدير ج3ص366 – صفة الصفوة ج1ص331 تاريخ دمشق ج14ص18 حلية الأولياء ج1ص80.

([25])  أخرجه  البخاري  كتاب المناقب باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر و مسلم   كتاب الإمارة 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال ظائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ) ج 3ص 1523   أبو داود ج  3  ص  1331  وابو داود  كتاب الجهاد 4 ت / 4 م باب في دوام الجهاد ج 2 ص 7 قال الشيخ الألباني : صحيح .  

([26])  التجديد في الفكر الإسلامي عدد 75 تقديم د/ حمدي زقزوق ص 4, 5.

[27])) الفقه الإسلامي بين الإصالة والتجديد، د.يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، 2001م ص134.

[28])) من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي، د. حسن خطاب ص13.

([29])  سورة المائدة آية 89.

([30]) -صحيح البخاري كتاب الآذان ,باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع وقول المؤذن الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة رقم (605) ج  1 ص  226  ج 5 ص 2238,ورد في عدة مواضع أخرى بأرقام (5662, 6819)  الموطأ  رواية محمد بن الحسن ج 2  ص60 .

([31])   أخرجه  مسلم   كتاب الحج , باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لتأخذوا مناسككم رقم (1297) ج 2 ص 943 وقال : هذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم , سنن أبي داود كتاب المناسك , باب في رمي الجمار رقم (1970) ج 1  ص 604 قال الشيخ الألباني : صحيح سنن البيهقي الكبرى ج 5 ص 125-  الموطأ  رواية محمد بن الحسن ج 2 ص 329 .

[32]))  من ضوابط تجديد الفقه الاسلامي، د.حسن خطاب ص23.

[33])) سورة البقرة آية 228.

[34])) المرجع السابق ص23

[35]))مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 14  - سنن ابن ماجه ج 1 ص 573- سنن الترمذي ج 3 ص17   سنن أبي داود ج 1 ص490  - المعجم الأوسط  ج 7 ص304 -  المستدرك ج 1 ص 549 -  سنن الدارقطني  ج 2ص112 .

[36])) أخرجه البخاري كتاب صفة الصلاة , باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت رقم (723) ج 6  ص 2740 -, أخرجه مسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. رقم 394  ج 1 ص 295  السنن النسائي ج 2 ص 137 . 

[37])) الفقه الإسلامي للشيخ جاد الحق ص 141- 142.

[38])) الفقه الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة د/ القرضاوي ص 46  .

[39])) من ضوابط تجديد الفقه الاسلامي، د.حسن خطاب ص24.

[40])) المرجع السابق ص26.

[41])) الاجتهاد المعاصر للقرضاوي ص 91.

[42])) من ضوابط تجديد الفقه الاسلامي، د.حسن خطاب ص25.

[43])) الاجتهاد المعاصر للقرضاوي ص 94 – 95.

[44])) من ضوابط تجديد الفقه الاسلامي، د.حسن خطاب ص25.

[45]))  سورة الإسراء آية 9.

[46])) خرجه أحمد في مسنده   , مسند أبي هريرة رضي الله عنه رقم (8965) ج 2 ص 359. المستدرك ,كتاب التوبة و الإنابة رقم (7657) ج 4 -  ص  285 - هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه   حلية الأولياء  ج  2 -  ص  357  مسند عبد بن حميد   ج 1  ص  417  .

[47])) أزمة الوعي الديني ص 109 – 112- مجلة الوعي الإسلامي عدد 212 لسنة 1402 ﮬ ص 76 وما بعدها  .

[48])) من ضوابط تجديد الفقه الاسلامي، د.حسن خطاب ص26.

([49]) منهج إستنباط الأحكام الفقهية للنوازل المعاصر، صالح بن حميد، دار الإستقامة، الطبعة الثانية، 1412ه ص242.

[50])) المستصفى، محمد بن محمد الغزالي، دار الكتب العلمية، 1/4.

[51]))  أعلام الموقعين 1/186.

[52])) المنخول، محمد محمد الغزالي 1/152.

([53]) تجديد الفقه الإسلامي، د.وهبة الزحيلي ود.جمال عطية، دار الفكر المعاصر دمشق 2002م، ص188.

([54]) شرح المعتمد ج1ص63 إرشاد الفحول  ج 1 ص370.

[55])) التجديد في الفقه الاسلامي، د. محمد عبد الرحمن المرعشلي، مجلة المسلم المعاصر، العدد (110) 18/12/2003م ص9.

[56])) المرجع السابق ص12.

[57])) تجديد الفقه الاسلامي، د. وهبة الزحيلي ص201.

[58])) التجديد في الفقه الاسلامي، د. محمد عبد الرحمن المرعشلي ص12.

[59])) النظر في النوازل والمتغيرات، د.صالح بن حميد ص3.

[60])) النظر في النوازل والمتغيرات، د.صالح بن حميد ص3.

([61]) بداية المجتهد، ابن رشد، دار المعرفة، ط6، 1402ه، 2/185.

[62])) كشف الأسرار، ........،2/123.

[63])) ضوابط النظر في النوازل والمتغيرات ص8.

[64])) أنوار البروق 3/45.

([65]) ضوابط النظر في النوازل والمتغيرات ص8.

[66])) الإعتصام، الشاطي، ص253.

[67])) ضوابط النظر ص10.

[68])) حاشية ابن عابدين 1/206.

[69]))  الأشباه والنظائر، السيوطي، 1/84.

[70]))  قرارات مجمع الفقه الإسلامي بالهند، قرار رقم 36 (8/4)

[71])) ضوابط النظر، صالح بن حميد ص12.

[72])) أعلام الموقعين، ابن القيم، 3/78.

[73])) الأشباه والنظائر، السيوطي، ص183.

[74])) الفروق، 1/314

[75])) ضوابط النظر ص13.

[76])) التجديد في الفقه الاسلامي، محمد عبد الرحمن المرعشلي، مجلة المسلم المعاصر العدد (110) ديسمبر 2003م ص8.

([77]) النظر في النوازل و المتغيرات، د.صالح بن حميد ص11.

([78]) الفقه الإسلامي بين الاصالة والتجديد، د.يوسف القرضاوي ص130.

[79])) فقه النوازل وفقه الواقع، د.عبد المجيد قاسم، بحث محكم مقدم لمؤتمر الفتوى وإستشراف المستقبل ليبيا 2009م ص 412.

[80])) هل التجديد ضرورة شرعية، د.محمد الدسوقي، صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادر بتاريخ 29/7/2008م ص11. 

[81])) الأسهم المالية في نظر الشريعة , صفوت الشوادفي وبحث الاستثمار في الأسهم د. علي محي الدين القره داغي, ص32.

[82])) المدخل الفقهي العام, مصطفى الزرقاء. ج1,ص568.

[83]))  الأسهم المالية في نظر الشريعة , صفوت الشوادفي.ص 38, نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية, مجموع الفتاوى"29/211-223.

[84])) مسند الدارمي, ج1 ص46 وما بعدها.

[85]))  التجديد في الفقه الإسلامي، د.محمد الدسوقي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة، القسمة الثاني 1422ه ص221.

[86]))  ضوابط النظر في النوازل والمتغيرات، ص12.

[87]))  التجديد في الفقه الإسلامي، د.محمد الدسوقي، ص219.

[88]))  توصيات الندوة السابعة لتقنين وتجديد الفقه بسلطنة عُمان المنعقدة في إبريل 2008م.

([89])  توصيات الندوة التي عقدت بسلطنة عُمان والسابق ذكرها.