طلبات إعادة مسح الأرض بعد بيعها أو التنفيذ عليها

 

طلبات إعادة مسح الأرض بعد بيعها أو التنفيذ عليها

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من مظاهر التقاضي الكيدي في اليمن طلبات إعادة مساحة الأرض المباعة سابقاً أو تلك التي تم التنفيذ عليها بموجب أحكام قضائية باتة، حيث تكون طلبات إعادة المساحة وليجة لفتح منازعات قد تم حسمها باحكام قضائية تم تنفيذها كما تكون هذه الطلبات وسيلة من الوسائل الكيدية المقيتة للإخلال بمراكز قانونية قد استقرت ردحاً من الزمن، ولا ريب ان هذه الظاهرة الكثيرة الوقوع تعد معوقاً من أهم معوقات سير القضاء وتحقيق العدالة، ولذلك فان هذه الظاهرة الخطيرة تحتاج إلى دراسة لوضع المعالجات والتدابير المناسبة لمواجهتها، واسهاماً في التوعية بهذه الظاهرة ولفت الانظار اليها اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/1/2010م في الطعن المدني رقم (36618) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم انه صدرت احكام باتة تم تنفيذها ومساحة الارض محل النزاع   وتحديد ما يخص كل طرف من اطراف القضية. وبعد حين جاء احد اطراف الاحكام السابقة الى المحكمة الابتدائية حيث طلب فيها إعادة مساحة الأرض فقط!!! للتأكد من صحة المساحة لان المساحة التي تمت بموجب إجراءات التنفيذ السابقة مشكوك في صحتها ومطابقتها للواقع. فقررت المحكمة رفض طلب التنفيذ لسبق التنفيذ، ثم تقدم ذلك الطرف مرة ثانية إلى المحكمة الابتدائية مطالباً بإعادة المساحة براءًة لذمتها!!! فقبلت المحكمة الابتدائية الطلب وقررت إعادة المساحة، وقد ورد ضمن اسباب قرار المحكمة الابتدائية (وحيث افاد طالب التنفيذ ان تحت ايدي المطلوب التنفيذ عليهما مساحة زائدة عما ورد في الاحكام سند التنفيذ ولهذا رأت المحكمة إلزام الطرفين باختيار مهندسين لمساحة ما تحت ايدي الطرفين .فرفض المطلوب التنفيذ ضدهما ذلك متمسكين بالاحكام وقرار التنفيذ السابق ومحضر التسليم للارض .  ولذلك فقد قررت المحكمة براءة للذمة تكليف مهندس من كل طرف لإجراء المساحة لما تحت يد طالب التنفيذ والمطلوب التنفيذ عليهما وان ظهرت مساحة زائدة فيتم تسليمها لطالب التنفيذ ) فلم يقبل المطلوب التنفيذ ضدهما بالقرار فقاما باستئنافه فقبلت الشعبة الاستئنافية الاستئناف وقضت بالغاء  قرار المحكمة الابتدائية، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (أنه قد تبين للشعبة أن الاحكام الصادرة فيما بين الطرفين قد تم  تنفيذها بموجب القرار التنفيذي الصادر عن المحكمة الابتدائية ذاتها  بل ان المحكمة الابتدائية  قد ذكرت في اسب قرارها انه قد سبق لها ان اصدرت  القرار التنفيذي السابق الذي  تم مسح الأرض بموجبه ووضع الاعلام المميزة التي تحدد المساحة المستحقة لكل طرف وبموجب ذلك استلم كل طرف ما يخصه من الارض المنفذ عليها وبذلك القرار تم حسم النزاع بين الطرفين  الا أن المستأنف ضده ظل يحاول فتح النزاع من جديد فتقدم بطلب تنفيذ سابق إلى المحكمة الابتدائية ذاتها طلب منها إعادة المسح للارض لان ما تحت يدي المستأنف ضدهما أكثر مما هو محكوم لهما وفي ذلك الحين دفع المستأنف حالياً بعدم قبول الطلب لسبق الحكم في الموضوع وتنفيذ الاحكام فقبلت المحكمة ذلك الدفع ورفضت طلب التنفيذ السابق، ولذلك فان القرار الجديد الصادر من المحكمة الابتدائية والمطعون فيه قد صدر من المحكمة بعد انتهاء ولايتها بصدور القرار السابق المشار اليه ولذلك لا يحق لها ان تصدر قراراً ثانياً يناقض قرارها السابق الذي لم يطعن فيه أحد والذي تحصن بمضي المدة .ولذلك فان قرارها الاخير المستأنف حالياً يعتبر باطلاً فلا يحق لها اصداره ويتعين على هذه المحكمة الغاؤه لعدم جواز فتح نزاع تم أغلاقه باحكام نهائية مشرفة ومنفذة) فلم يقبل طالب اعادة المساحة بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد وجدت الدائرة ان ما دفع به المطعون ضدهما صحيح حيث سبق لمحكمة أول درجة أن قررت رفض طلب التنفيذ بإعادة المساحة لاسيما وقرار المحكمة الابتدائية قد تضمن انه قد سبق لها ان فصلت في طلب التنفيذ برفضه لسبق الفصل في الموضوع وتنفيذ الاحكام حسبما ورد في اسباب قرار محكمة أول درجة والملاحظ أن المحكمة الابتدائية قد اسست قرارها المستأنف فيه على انه قد صدر من منطلق براءة الذمة، ولذلك فان الشعبة الاستئنافية قد اصابت حينما قررت الغاء قرار المحكمة الابتدائية المستأنف فيه امامها لان ذلك القرار قد خرج حاملاً أسوا نماذج صور الانعدام غير المتوقعة اذا انسلخ منه ركن الولاية والخصومة فصدوره زلة غير يسيرة بالمخالفة لحكم المادة (217)مرافعات واقدام على المحظور بل على ما تم تنفيذه وذلك ثابت بما ذكرته المحكمة في حيثيات قرارها، اما بشان ما ذكرته محكمة أول درجة عن براءة الذمة فان أهم ما يحقق  براءة الذمة هو تطبيق القانون التطبيق الصحيح بعدم جواز النظر فيما حسم باحكام باتة والعمل على حماية ما تم تنفيذه والمحافظة على استقرار المراكز القانونية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب الاوجه الأتية :

الوجه الأول : عدم الدقة في تحديد مساحات الأراضي وتوصيتنا للجهات المختصة:

ليس غريباً القول بان اغلب مساحات المنازل والاراضي في اليمن غير دقيقة وانها تختلف عن المساحات المدونة في البصائر أو وثائق الملكية حيث لا تتطابق هذه المساحات إلا في حالات نادرة فتجد المساحة في بعض البصائر  أكبر من المساحة الموجودة فعلاً  على ارض الواقع والعكس صحيح. فاحياناً يكون الفارق بين البصيرة والأرض كبيراً وقد يكون بالمترات أو بالسنتيمترات ولكنه في نهاية الامر فارق يدل على اختلاف المساحة فيما بين البصيرة والأرضية فذلك مطعن من جهة نظر المشارعين وهواة المشارعة فالجار المشارع  عندما يعلم أن هناك زيادة في أرض جاره او منزله المجاور له ولو كانت 10سم أو 5سم فان ذلك سبب كاف لمشارعه جاره أو تهديده بالمشارعة او ابتزازه  بين الوقت والاخر، وللأسف الشديد فان المشارعين يعرفون حقيقة التفاوت في مساحة الارض فيما بين البصيرة والارض اكثر من الدولة، ولذلك يجعلون هذا التفاوت من أهم الذرائع التي يتوسلون بها لابتزاز الناس ومشاغلتهم وتهديد استقرار المراكز القانونية كذلك الحال بالزسبة للارضي الزراعية لان الرهن التابع لاتكون مساحته مذكورة في البصيرة فذلك يعني في مفهوم المشارعين ان مساحة الارض زائدة  ولذلك تجد المشارعين يكونوا في هذه الحالة اكثر اصرارا على اعادة المساحة وهم يرددون مقولتهم المشهورة يشل مافي بصيرته والباقي يتركه ، ولذلك تجدهم يطلبون إعادة المساحة احياناً بطريقة ودية وفي احيان يطلبوا ذلك من القضاء، وساحات المحاكم تشهد ان هناك نزاعات كثيرة تثور بسبب طلبات إعادة المساحة، خاصة ان إعادة المساحة يؤدي حتما إلى نزاعات أكبر واخطر، ولذلك فإننا نوصي هيئة الأراضي (السجل العقاري) بالأخذ بنظام السجل العيني بدلاً من الشهر  العقاري المتبع حالياً لان السجل العيني هو الاسلوب الناجح لمعالجة هذه الاشكاليات.

الوجه الثاني : انعدام قرار المحكمة بإعادة مساحة الأرض التي سبق لها ان قامت بمسحها تنفيذا لحكم :

صرح الحكم محل تعليقنا بانعدام قرار المحكمة الابتدائية بإعادة مساحة الأرض التي سبق لها ان قامت بمساحتها بموجب قرارها السابق بتنفيذ الحكم. لان المحكمة قد استنفذت ولايتها حينما اصدرت قرارها السابق فلم تعد لها ولاية، ولذلك فان أي قرار يصدر منها يكون منعدماً حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا،  فالانعدام هنا يكون سببه  انعدام ولاية المحكمة التي استنفدت ولايتها باصدارها القرار التنفيذي السابق، وانعدام الاحكام بسبب انعدام الولاية نظمه قانون المرافعات في المواد (9 و 10 و 56 و 217)، ونخلص من ذلك إلى القول بعدم جواز إعادة مساحة الأرض اذا كان قد سبق مساحتها تنفيذاً لحكم قضائي.

الوجه الثالث : عدم جواز المطالبة بإعادة مساحة الأرض المبيعة بسبب انقضاء المدة بعد البيع :

يحرص القانون على استقرار المراكز القانونية الذي يترتب عليه استقرار معاملات الناس وتصرفاتها وتوفير الثقة في المعاملات والتصرفات، ولا شك ان طلبات إعادة مساحة الأراضي السابق بيعها ترجع إلى الشك في مقدار المساحة السابق بيعها، وحتى تستقر المعاملات والتصرفات والمراكز القانونية فقد حدد القانون المدني مدة سنة لتقديم دعاوى الزيادة أو النقص في المبيع وبموجب ذلك لا يجوز طلب إعادة المساحة للارض المبيعة للتاكد من زيادة او نقصان مساحتها بعد مضي سنة من وقت تسليم الأرض المبيعة إلى المشتري، وفي هذا الشأن نصت المادة (531) مدني على انه (لا تسمع دعوى المشتري أو دعوى البائع بسبب نقص أو زيادة في المبيع اذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع للمشتري تسليماً فعلياً واستناداً إلى هذا النص فان طلبات إعادة المساحة يتم دفعها بعدم القبول، وفي احيان كثيرة تتجه طلبات إعادة المساحة إلى المراهق الخاصة التابعة للمبيع، وتتم مواجهة هذه الطلبات بالدفع السابق لان المراهق الخاصة تابعة للمبيع سواءً تم ذكرها أو لم يتم ذكرها في وثيقة البيع، وتتجه طلبات اعادة المساحة إلى المراهق التابعة للمبيع لان المراهق لا تتم مساحتها ولا يتم  ذكرها في وثيقة البيع الأصلية، واغلب المنازعات العقارية تكون لهذا السبب.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الرابع : إعادة المساحة براءة للذمة :

استند قرار المحكمة الابتدائية في إعادة المساحة إلى براءة الذمة مع انه قد صرح بان المحكمة قد استنفدت ولايتها حين قامت بمساحة الارض وتسليمها للاطراف، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بان براءة ذمة القاضي تكون بتطبيقه لنصوص القانون واحترامها لان النصوص القانونية هي الحق المتفق على اعتبار حقاً، ولذلك ينبغي على القاضي تطبيقها باعتبارها الحق والحقيقة حتى لو لم تلاقي في نفس القاضي القبول، فاذا كان النص القانوني غير محق أو غير عادل من وجهة نظر القاضي فان ذلك لا يكون مبرراً لعدوله عن تطبيق النص، وانما عليه ان يقدم توصية إلى السلطة التشريعية لتعديل النص القانوني، فمبدأ الفصل بين السلطات يقتضي ان يقوم القاضي بتطبيق النص القانوني كما هو فليس من حقه ان يحكم بعلمه أو براءة لذمته، والله اعلم.