إثبات ارجاع الزوج لزوجته المطلقة

 

إثبات ارجاع الزوج لزوجته المطلقة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إرجاع الزوج لزوجته المطلقة رجعيا له اثار خطيرة ديانة وقضاءً سواء على الزوج أو الزوجة أو المجتمع، ولذلك ينبغي التشدد في اثبات الارجاع واثبات علم الزوجة بالارجاع، وتطبيق بعض الأحكام الفقهية القديمة على إرجاع الزوج للزوجة كالرجعة بالفعل يفضي إلى إشكاليات لا حصر لها لاسيما عندما يدعي الزوج على سبيل الكيد ارجاعها بالفعل لمطلقته بمعاشرته لها، ولذلك فان هذه المسألة تحتاج إلى تنظيم قانوني يحدد الطريقة والوسيلة المناسبة للإرجاع في العصر الحاضر ويعالج الإشكاليات المصاحبة واللاحقة للرجعة في الوقت الحاضر، وعلى هذا الأساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/4/2017م في الطعن رقم (59028) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان امرأة تقدمت أمام المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها : ان زوجها قد طلقها وهي حاضنة لطفليه في بيت ابيها ولم يسلم لها مؤخر المهر واجرة الحضانة وكذا نفقة الطفلين طوال فترة الثلاث السنوات الماضية، فحضر الزوج أمام المحكمة وصرح بأنه قد سبق له ان قام بإرجاع زوجته خلال فترة عدتها وقدم الزوج الى المحكمة وثيقة إرجاع رسمية واحضر شاهداً شهد بأنه قد ذهب مع الزوج إلى منزل والد المدعية وان الزوج قال لعمه بأنه قد ارجع زوجته فقال والد الزوجة: لا اقبل إلا بوثيقة رسمية، وقد ردت الزوجة بان الإرجاع قد كان بموجب تلك الوثيقة الرسمية بعد انقضاء عدتها، وقد توصلت محكمة أول درجة إلى الحكم بثبوت وقوع الإرجاع والزام الزوج بدفع نفقة الاطفال، فقامت المرأة المدعية باستئناف الحكم فقبلت الشعبة الشخصية الاستئناف وقضت بان الإرجاع قد وقع بعد مضي العدة حسب افادة الزوجة التي ذكرت ان وثيقة الإرجاع كان تاريخها بعد انقضاء العدة وان العبرة بما ورد في الوثيقة الرسمية للإرجاع، فلم يقبل الرجل المستأنف ضده فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، إلا ان الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي قد قضى بأن مراجعة الطاعن للمطعون ضدها قد تمت بعد مضي مدة العدة بعد ان صارت مطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغرى وان عليها ان تعتد من تاريخ الحكم الاستئنافي حسبما ورد في أسباب ذلك الحكم، والدائرة تجد ان ما ورد في الحكم الاستئنافي موافق في نتيجته لأحكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : اقوال الفقهاء في إرجاع الزوجة :

للزوج الحق في إرجاع زوجته المطلقة رجعيا خلال فترة العدة تطبيقاً لقوله تعالى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا } [سورة البقرة 228] وقد اتفق الفقهاء بشأن الرجعة بالقول : كأن يقول الزوج : ارجعت زوجتي فلانة  إلى عصمتي، اما بشان الرجعة بالفعل كمجامعة الزوج المطلق لزوجته المطلقة طلاقاً رجعيا أو فعل أي من مقدمات الجميع فقد اختلف الفقهاء بشان ذلكً حيث ذهب الشافعية إلى عدم جواز ذلك في حين ذهب اخروت منهم الحنفية  الى جواز الإرجاع بالفعل كالجماع ومقدماته حتى ان بعض الفقهاء ذهبوا إلى وقوع الرجعة إذا نظر الزوج إلى مطلقته بشهوة من وراء حائل، ويترتب على الإرجاع ان تعود المرأة المطلقة إلى العلاقة الزوجية وان تتمتع بكافة حقوق الزوجة من معاشرة ونفقة وارث وكذلك الحال بالنسبة لزوجها الذي ارجعها حيث ترجع له بالرجعة كافة حقوقه كزوج فيستمتع بها ويرثها وغير ذلك من اثار الرجعة والزوجية، وعند الفقهاء يتم إثبات الرجعة بطرق الإثبات العادية بالنسبة للارجاع بالقول أما بالنسبة للارجاع بالفعل فيستحيل اثباته بالشهادة وانما يثبت باقرار الزوجين معا وذلك متعذر عند يقع الخلاف بين الزوجين ولذلك ذهب الشافعي إلى عدم جواز وقوع الرجعة بالفعل،وانا أختار قول الشافعي لأنه مناسب للغاية للعصر الحاضر حتى يتم الحد من اشكاليات استحالة اثبات الجماع، واوصي مخلصا المقنن اليمني الأخذ بقول الشافعي وحذف الرجعة بالفعل من النص القانوني الوارد في قانون الاحوال الشخصية،علما بأن الفقهاء الذين ذهبوا إلى جواز الرجعة بالفعل قد ذكروا: أنه عند خلاف الرجل والمرأة بشان الرجعة بالفعل يكون         القول في ذلك قول منكر وقوع الرجعة أي منكر وقوع المعاشرة.

الوجه الثاني : ارجاع الزوجة وإثباته في القانون اليمني :

اجاز قانون الأحوال الشخصية ارجاع الزوجة بالقول أو الفعل حسبما ورد في المادة (75) التي نصت على أن (تتم الرجعة بالقول ولو هازلاً أو بالفعل غير مشروطة بوقت أو بغيره وتصح بغير رضاء الزوجة وأوليائها) وقد اشترط القانون في الرجعة بالقول ان يقوم الزوج المطلق بالإشهاد على أنه قد ارجعها ،كما اشترط القانون قيام الزوج في هذه الحالة بإعلان الزوجة أو أهلها بإرجاعها حيث نصت المادة (79) من قانون الأحوال الشخصية على أنه (اذا كانت الرجعة بالقول فيجب على الزوج الأشهاد عليها واعلام الزوجة بها فان كانت مجنونة فإعلام وليها) وطبقا لاحكامً الشريعة والقانون يظل الإرجاع بالفعل غير خاضع للإثبات عن طريق الشهادة لتحريم النظر والمشاهدة للمجامعة أو مقدماتها فلم يبق الا إثبات رجعة الفعل عن طريق اقرار الزوجين معا فإذا اختلف الزوجان بشأن ذلك فيكون القول قول المنكر للجماع أو مقدماته  حيث نصت المادة (77) أحوال شخصية على أنه (اذا اختلف الرجل والمرأة بعد انقضاء العدة على حصول الرجعة فالقول لمنكرها) وقد جعل القانون قول المرأة هو المعتبر اذا لم ينازعها الرجل في حالة الخلاف بشأن انقضاء عدتها، لان هذه المسألة لاتعرفها  الا المرأة فهي الاعلم بحيضها وطهرها ومدة ذلك، ولذلك فهي المصدقة في ذلك، وفي هذا المعنى نصت المادة (78 ) على أنه (اذا ادعت المرأة ان عدتها قد انقضت ولا منازع لها في ذلك صدقت بيمينها مالم يغلب على الظن كذبها) وقد جعل القانون المرأة مصدقة في قولها لوقوع الإرجاع، لان الإرجاع متعلق بالعدة في كل الأحوال حتى في حالة اعلان المرأة بوقوع الإرجاع ولذلك اشترط النص القانوني السابق ان تكون المرأة مصدقة بيمينها، ولذلك قضى الحكم الاستئنافي بان اعلان المرأة بالإرجاع لم يقع الا بعد انقضاء مدة العدة (الحيض) اخذاً بقول المرأة التي افادت بذلك ،وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي في ذلك كما سبق بيانه،ونؤكد في هذا المقام على توصيتنا بتعديل النص القانوني السابق وحذف الرجعة بالفعل لاستحالة اثباتها والاعلان بها والاشكاليات التي يحدثها تطبيق الرجعة بالفعل في العصر الحاضر.

الوجه الثالث : وجوب اعلان المطلقة رجعياً بالرجعة توصيتنا المقنن اليمني

احسن قانون الأحوال الشخصية صنعاً حينما اشترط في المادة (76) اعلان الزوجة بإرجاع الزوج لها، ومن خلال استقراء نص المادة (76) المذكور في الوجه السابق نجد أنه قد ورد بصيغة الوجوب (فيجب على الزوج الاشهاد وإعلام الزوجة) وبناءً على ذلك فان إعلان الزوجة بإرجاع الزوج لها وجوبي، ومن المعلوم وفقاً للقواعد العامة ان مخالفة الواجب يؤدي إلى بطلان التصرف أي بطلان الإرجاع، وقد اخذ القانون اليمني بهذا الوجهة لان عدم إعلان الزوجة بالإرجاع تترتب عليه مخالفات ومكايدات خطيرة بين الازواج لا سيما حينما تتسرب الاحقاد والضغائن إلى قلوبهم، فقد وقفنا على حالات كثيرة كان الزوج فيها يقوم بإرجاع الزوجة بوثيقة رسمية لكنه بدلاً من إعلان الزوجة بها فانه يقوم بإخفاء امر الوثيقة على الزوجة واهلها حتى اذا تزوجت تلك المرأة المطلقة قام بإبراز تلك الوثيقة وتقديم البلاغات والشكاوى الكيدية بالزوجة والزوج الجديد وأهل الزوجة، فهناك حالات مازالت منظورة أمام القضاء، ومع ان الوثيقة الرسمية مشهود عليها إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة علم الزوجة أو اهلها بالإرجاع، ولذلك فإننا نوصي بان يتولى الأمين الشرعي الذي يحرر وثيقة الإرجاع ان يتولى عن طريقه إجراءات إعلان الزوجة بالإرجاع، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717