المسئولية الجنائية لمدير الشخص الاعتباري

 

المسئولية الجنائية لمدير الشخص الاعتباري

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من خلال المطالعة والمراجعة لكثير من القضايا نجد أن هناك خلط واضح بين المسئولية الجنائية للممثل القانوني للشخص الاعتباري وبين المسئولية الجنائية للشخص الاعتباري ذاته حيث يحدث ان تنسب إلى الشخص الاعتباري جرائم ومخالفات ممثله القانوني والعكس صحيح ، وللتفرقة بين الأمرين أهمية بالغة في محاربة الفساد حيث ينبغي ان تكون هناك حدود فاصلة بين  المسئوليتين حتى لا يعمد بعض المفسدين إلى تحميل الأشخاص الاعتبارية التي يمثلوها قانوناً أوزار وتبعات ومسئوليات أعمالهم الشخصية علما بان قانون الجرائم والعقوبات اليمني قد فتح الباب على مصراعيه للفساد والمفسدين حينما قرر المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري وسوف نبين ذلك في موضعه من التعليق كما سنقدم للمقنن اليمني التوصيات المناسبة في هذا الشان ، ولان هذا الموضوع يمثل إشكالية حقيقية وواقعية يكثر وقوعها وتكثر الحاجة اليها ، فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/12/2013م في الطعن الجزائي رقم (51572) لسنة 1434هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن معلما صعد إلى سطح المدرسة التي يدرس ويقيم فيها فصعقه  التيار الكهربائي حينما لامس راسه السلك الكهربائي المار فوق سطح المدرسة على علو منخفض ونجم عن ذلك وفاة المعلم على الفور ؛ فقامت النيابة العامة بالتحقيق في الموضوع ومن خلال ذلك ثبت لها أن سبب وفاة المعلم ترجع إلى صعقه بالكهربا عن طريق  خط الضغط العالي المار فوق سطح المدرسة بعلو منخفض حيث تسبب ذلك بوفاة المعلم مصعوقاً بالتيار الكهربائي وان انخفاض السلك الكهربائي على هذا النحو دليل على إهمال مؤسسة الكهرباء وتهاونها في أرواح المواطنين وبناءً على ذلك اتهمت النيابة العامة مدير فرع مؤسسة الكهرباء ومدير التوزيع حيث تم التحقيق معهما وتمت إحالتهما إلى المحكمة ؛ وفي أثناء سير إجراءات المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية توفى مدير فرع المؤسسة ومدير التوزيع فحكمت المحكمة الابتدائية بانقضاء الدعوى الجزائية بالنسبة لمدير الفرع  ومدير التوزيع وإلزام مؤسسة الكهرباء بدفع مبلغ مليون وستمائة ألف ريال بالإضافة إلى إلزام المؤسسة بدفع مبلغ مائة ألف ريال غرامة لأولياء الدم ) ، وقد جاء ضمن أسباب الحكم الابتدائي ( انه من خلال التقرير الصادر عن المباحث الجنائية فقد ثبت أن سبب حادث الوفاة يرجع إلى ملامسة المعلم للسلك الكهربائي المكون من ثلاثة خطوط كهربائية الذي صعقه أثناء تواجده على سطح المدرسة وإن الحادث قد وقع بسبب إهمال فرع مؤسسة الكهربا لان السلك منخفض ومكشوف ، فلا يخفى أن سبب الوفاة هو انخفاض سلك الكهرباء (الضغط العالي) المار فوق المدرسة وإن خطوط الكهرباء كانت مكشوفة فهذا يعتبر تقصيراً وإهمالاً من المؤسسة أدى إلى وفاة المعلم المجني عليه  ولهذا فان المؤسسة تعتبر مسؤولة عن التعويض عن الضرر الذي وقع لورثة المجني عليه بسبب وفاة مورثهم) فلم يقبل فرع مؤسسة الكهرباء بالحكم الابتدائي فقام الفرع باستئناف الحكم إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم ، فلم يقبل فرع مؤسسة الكهرباء بالحكم ألاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فتوصلت الدائرة الجزائية إلى الحكم بنقض الحكم ألاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( وفي الموضوع فقد نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وفساد الاستدلال وتناقض أسبابه مع منطوقه ، وقد تبين للدائرة من خلال أوراق القضية أن النيابة العامة قدمت فرع مؤسسة الكهربا كشخص اعتباري يمثله مدير الفرع المتهم الأول بصفته وليس بشخصه وكذا  مدير التوزيع وذلك بتهمة التسبب بوفاة المجني عليه ، والمعلوم ان القانون اليمني أجاز مساءلة الشخص الاعتباري جزائياً ويعاقب بالعقوبة التي تتناسب مع طبيعة الشخص الاعتباري أما بالغرامة وأما بإيقافه عن ممارسة نشاطه مدة محددة او بحسب طبيعة الجرم المرتكب مع الحكم بما يلزم من التعويضات عن الضرر الناتج عن الفعل الجنائي وذلك وفقاً لما نصت علية المادة (2) من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الثامنة بتعريفها للشخص بأنه يمثل الأشخاص الطبيعيين أو الشخص الاعتباري أو الشركات والجمعيات أو مجموعة الأشخاص ولو لم يكونوا متمتعين بالشخصية الاعتبارية ، كما ان الفقرة السابعة من المادة ذاتها عرفت ممثل الدفاع بأنه المحامي المصرح له بالترافع أمام المحاكم وفقاً للقانون أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري  أو من يقوم مقامه قانوناً أو أحد أقارب المتهم ، وحيث أن الحال كذلك فانه يترتب على ذلك مسائل هامة تتمثل في أن الممثل القانوني للشخص الاعتباري كالمتهم الأول في هذه القضية لا يكون محلاً لمعاقبته بعقوبة بدنية (الحبس) إذ انه مسؤول عن إعمال الشخص الاعتباري بصفته الوظيفية  كمدير وليس بشخصه ومن ثم اذا تغير مدير فرع المؤسسة ممثل الشخص الاعتباري او مات  أثناء المنازعة وتم تعيين غيره فان المدير الخلف يحل محله كممثل قانوني للشخص الاعتباري أمام المحكمة ومن ثم فان موت المدير الممثل القانوني للشخص الاعتباري لا يترتب عليه انقضاء الدعوى الجزائية قبل الشخص الاعتباري بل تظل قائمة ويحل محله المدير الجديد كممثل قانوني عن الشخص الاعتباري كما أنه لا يشترط ثبوت ارتكاب الشخص الاعتباري للجريمة المسندة اليه ان يكون ممثله القانوني قد ارتكب المخالفة التي ترتب عنها وقوع الجريمة بنفسه بل يكفي ان تكون المخالفة قد ارتكبت من قبل العاملين لدى الشخص الاعتباري عند قيامهم بتنفيذ الأعمال المناطة بالشخص الاعتباري وحيث أن الثابت أن المحكمة الابتدائية  بقضائها بعدم صحة الدعوى الجزائية المرفوعة ضد المتهم الأول مدير فرع المؤسسة بذريعة عدم قيامه شخصياً بأي عمل جنائي وانقضاء الدعوى الجزائية المرفوعة لوفاته تكون قد خلطت بين صفة المتهم كممثل قانوني للشخص الاعتباري (مؤسسة الكهربا) وشخصية المتهم الطبيعية فخالفت محكمة أول درجة بذلك القانون مما ترتب عليه تناقض حكمها في الحق المدني محل دعوى ورثة المجني عليه اذ اعتبرت ان الدعوى الجزائية المرفوعة عن النيابة العامة دعوى مدنية مع انه لا صفة للنيابة العامة في رفع دعوى مدنية لان صفتها هي تمثيل المجتمع في حين أن ورثة المجني عليه هم أصحاب الحق في رفع الدعوى بالحق المدني بالتبعية للدعوى الجزائية وفقاً لنص المادة (43) إجراءات وكذا تناقض الحكم الابتدائي في حكمه بعدم صحة الدعوى الجزائية ضد مدير فرع المؤسسة ثم الحكم بمسؤولية الكهرباء مدنياً عن وفاة المجني عليه مع أن المسئولية المدنية ماهي الا نتيجة للمسؤولية الجزائية بدليل المادة (43) إجراءات التي نصت على تعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجزائية كما ان الحكم الابتدائي قضى بإلزام مؤسسة الكهربا بتسليم دية المجني عليه دية قتل خطأ واعتبر ذلك تعويضاً مدنياً مع أن دية الخطأ تعتبر وفقاً للقانون عقوبة من العقوبات الأصلية المنصوص عليها في المادة (38) عقوبات والمادة (238) عقوبات التي استند اليها قرار الاتهام بقوله  ( يعاقب بالدية من تسبب بخطئه في موت شخص) وورثة المجني عليه انضموا لدعوى النيابة العامة وطلبوا الحكم لهم بالدية ومن ثم فان اعتبار الحكم الابتدائي الدية تعويضاً غير مشروع مخالف للقانون وحيث أن الحكم ألاستئنافي المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي على علاقة فانه يكون قد بني  على باطل مما يقتضى الحكم بنقضه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية :

الوجه الأول : ماهية المسئولية الجنائية للشخص الاعتباري وموقف القانون اليمني منها :

المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري هي: تقرير مسائلة ومعاقبة الشخص الاعتباري عن الجرائم التي تقع من موظفيه باسمه ولحسابه فتكون هذه الجرائم منسوبة للشخص الاعتباري بصفة مستقلة  وبموجب ذلك تتم معاقبة الشخص الاعتباري  بالعقوبات المناسبة له ، وقد أجاز قانون الجرائم والعقوبات مساءلة الشخص الاعتباري حينما عرف الأشخاص الاعتبارية وصرح بأنها مسؤولية جنائياً وان العقوبات المناسبة تطبق عليها اذا أقدمت على ارتكاب الجرائم حيث نصت المادة (1) من هذا القانون على ان ( الأشخاص الاعتبارية تمثل الشركات والهيئات والمؤسسات والجمعيات التي تكتسب هذه الصفة وفقاً للقانون وتأخذ حكم الأشخاص الطبيعيين  بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ويكتفى في شانها بالعقوبات التي يمكن تطبيقها عليها ) اما في القانون المصري فلم يقرر قانون العقوبات المصري المسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية أو المعنويةحيث يكون المسولون والموظفون لدى الشخص الاعتباري مسؤولين شخصيا عن الافعال الجرمية التي تقع منهم.

الوجه الثاني : ما هي الجرائم التي يسأل عنها الشخص الاعتباري :

أشار النص القانوني السابق الذي قرر المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري إلى ان الشخص الاعتباري يكون مسؤولاً عن ارتكابه لأي من الجرائم الواردة في قانون الجرائم والعقوبات مثله في ذلك مثل الشخص الطبيعي ، ولكن هذا التعريف يؤدي إلى الخلط بين مسؤولية الممثل القانوني للشخص الاعتباري وبين مسؤولية الشخص الاعتباري ذاته ، ولذلك لابد من الاسترشاد بالنصوص القانونية والآراء الفقهية لبيان الجرائم التي يكون الشخص الاعتباري مسؤولاً عنها ، فمن المقرر أن الشخص الاعتباري يكون مسؤولاً عن الجرائم المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات اذا وقعت من موظفيه لحاسبه أو باسمه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو أحد العاملين لديه ، وعند تطبيق هذا المفهوم على الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن نصب أسلاك الكهرباء قد تم لحساب مؤسسة الكهرباء وباسمها وحيث أن هذه الأسلاك كانت متدلية ومنخفضة تلامس الواقعين تحتها فان ذلك جريمة منسوبة إلى الشخص الاعتباري ( مؤسسة الكهربا).

الوجه الثالث : المسئولية الشخصية الجنائية لممثل الشخص الاعتباري :

ذكرنا فيما سبق أن الشخص الاعتباري ذاته يكون مسئولاً عن الجرائم والمخالفات التي يرتكبها ممثله.القانوني متى كانت الجرائم والمخالفات قد تمت باسم الشخص الاعتباري ولحسابه ، اما الجرائم والمخالفات التي يرتكبها الممثل القانوني بشخصه وباسمه وصفته الشخصية ولحسابه الشخصي فانه يكون مسئولاً جزائيا مسوولية شخصيةً عن ارتكاب تلك الجرائم ، فإذا قام رئيس مجلس ادارة الشركة بالقتل او الزنا أو شرب الخمر أو السرقة أو الاختلاس والاستيلاء فانه يكون المسئول وحده عن تلك الجرائم باعتباره من الأشخاص الطبيعيين وتتم مسائلته ومعاقبته على هذا الأساس.

الوجه الرابع : انقضاء الدعوى الجزائية بالنسبة للشخص الاعتباري :

صرح الحكم محل تعليقنا أن الدعوى الجزائية بالنسبة للشخص الاعتباري لا تنقضي بوفاة ممثله القانوني ، لان المسئولية الجزائية للشخص الاعتباري مستقلة عن المسئولية الجزائية لممثلها القانوني ، فإذا مات الممثل القانوني للشخص الاعتباري فان الشخص الاعتباري يظل متمتعاً بشخصيته الاعتبارية وذمته المالية المستقلة التي يستمدها من عقد تأسيسه أو قانون أو قرار أنشأته ، فلا تنقضي الدعوى الجزائية المرفوعة على الشخص الاعتباري الا بعد تمام إجراءات حل الشخص الاعتباري أو تصفيته  للأسباب المحددة في القانون ، وبناءً على ذلك اذا مات رئيس مجلس ادارة الشركة او المؤسسة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية فيحل محله نائبه  أو الشخص الذي يتم تعيينه بدلاً عن الممثل الذي مات حسبما قرر الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس : تداخل مسئولية الشخص الاعتباري مع مسئولية ممثله القانوني وعلاقة ذلك بالفساد الإداري والمالي وتوصيتنا ا للمقنن اليمني :

لاريب ان غالبية المسئولين في اليمن يخلطون بين شخصياتهم الطبيعية وصفاتهم الوظيفية وبين ذممهم المالية وذمم الجهات والشخصيات العامة التي يمثلونها فلا تيستطيع المراقب  ان  يميز تصرف المسئول هل هو لحسابه أم لحساب الجهة التي يمثلها حتى أن المصروف الشخصي أو مصروف بيت المسئول تتحمله الدولة بمسميات مختلفة ، فلذلك لا يستبعد أن يكون قانون الجرائم والعقوبات اليمني قد اخذ بالمسئولية الجزائية للشخص الاعتباري حتى يقوم المسؤولون  بتحمل الشخصيات الاعتبارية نتائج وتبعات تجاوزات وانحرافات وفساد المسئولين الممثلين القانونيين لتلك الاشخاص الاعتبارية؛  ولذلك نوصي مخلصين بإلغاء النص السابق ذكره الذي قرر المسئولية الجزائية للشخص الاعتباري اسوة بقانون العقوبات المصري الذي لا يقرر المسئولية الجزائية للشخص الاعتباري حيث يسأل المسئولون والعاملون بصفاتهم الشخصية عن الأفعال والجرائم والمخالفات التي تقع منهم بدلاً من تحميل الشخص الاعتباري تبعات أفعالهم المخالفة للقانون – فما أحوجنا في اليمن للأخذ بما أخذ به قانون العقوبات المصري، والله اعلم.