حجية القيد في السجل العقاري

 

حجية القيد في السجل العقاري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا شك ان القيد في السجل العقاري وسيلة قانونية التنظيم انتقال العقارات وحماية ملكيتها في مواجهة الكافة، لكن القيد في السجل العقاري لا ينبغي ان يكون وسيلة للاستيلاء على أراضي الدولة التي لا تتقادم جرائم الاستيلاء عليها حسبما ينص قانون أراضي  الدولة كما لا ينبغي ان يكون القيد في السجل وسيلة للاستيلاء على املاك المواطنين ولذلك فان قانون السجل العقاري قد حدد طريقة المطالبة بالغاء القيد المخالف في السجل العقاري  وهي لجوء من له مصلحة إلى المحكمة المختصة  بدعوى الغاء القيد المخالف في السجل العقاري الحصول على حكم نهائي أو بات بالغاء القيد، وقد قضى بذلك الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/11/2017م في الطعن رقم (59642) وتتلخص وقائع الدعوى ان هيئة أراضي الدولة تقدمت بشكوى إلى نيابة الأموال العامة بأشخاص قاموا بالبسط والاستيلاء على مساحات من أراضي الدولة وفي اثناء التحقيق ذكر المشكو بهم انهم جمعة سكنية ويريدوا انشاء مدينة سكنية تتضمن مساكن شخصية لهم واسرهم وانهم مستعدون لاستئجار الاراضي التي بسطوا عليها  وان المختصين بفرع هيئة الأراضي يريدوا التصرف في الارض على أنها املاك خاصة في حين أنها من املاك الدولة بموجب احكام فضائية وفي هذا السياق ذكر المشكوا بهم بأن المختصين بالفرع  قد قاموا بالفعل بقيد وتسجيل بعض تلك الاراضي  في السجل العقاري باسم أشخاص  على انها املاك خاصة وذلك بقصد تسهيل الاستيلاء على أراضي الدولة، وقد توصلت نيابة الأموال العامة إلى القرار بان لا وجه لإقامة الدعوى وان النزاع مدني بين المواطنين فيما بينهم وفيما بين هيئة الأراضي وبعض أولئك المواطنين، فقامت هيئة الأراضي باستئناف القرار وكذلك قام  بعض المواطنين باستئناف القرار أيضاً إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتأييد قرار النيابة فقام المواطنون المستأنفون بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي وذكروا في استئنافهم ان الأراضي التي تم تسجيلها في السجل العقاري باسم خصومهم قد ثبت بحكم قضائي انها من أراضي الدولة ومع ذلك فقد قامت الهيئة بتسجيلها باسم أولئك على انها املاك خاصة باسم المسجلين في السجل العقاري، ومع ذلك فقد رفضت الدائرة الجزائية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (انه قد تبين للدائرة ان نعي الطاعنين بان الحكم الاستئنافي قد خالف القانون لاستناده إلى بصائر المدعى عليهم التي تم تحريرها بعد الحكم القضائي البات الذي قضى بان الأرض مملوكة للدولة فأي بصيرة بعد ذلك الحكم باطلة ومع ذلك فقد قام فرع هيئة الاراضي بتسجيل تلك البصائر وحرمان الطاعنين من الانتفاع بأرض الدولة التي تحت ايديهم  كجمعية سكنية، والدائرة تجد ان ذلك النعي غير سديد حيث سبق للطاعنين اثارة هذه المسألة امام النيابة ومحكمة الاستئناف التي ناقشت ذلك حسبما هو ظاهر في حيثيات الحكم الاستئنافي كما ان الغاء القيد في السجل العقاري لا يتم الا بموجب حكم قضائي بات وفقاً لنص المادة (7) من قانون السجل العقاري) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : نفاذ التصرفات العقاري وفقاً لقانون السجل العقاري وتوصيتنا 

يقرر قانون السجل العقاري صراحة بان أية تصرفات عقارية لا تكون نافذة مالم يتم قيدها في السجل العقاري وبدون ذلك لاتكون نافذة حتى بين المتعاقدين أنفسهم، حيث تنص المادة (5) من قانون السجل العقاري على أنه (لا تعتبر نافذة في سريان أحكام هذا القانون حتى بين المتعاقدين الاتفاقات العقارية مثل عقود البيع والمبادلة والقسمة والانتفاع والرهن وغيرها اذا لم يتم قيدها في السجل على ان ذلك لا يمنع المتعاقدين من متابعة حقوقهم الشخصية امام القضاء) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه نص طموح يهدف إلى حمل المتعاملين بالعقارات على تسجيل تصرفاتهم ،وهذا مسلك حميد إلا أنه لاينبغي أن يفهم من النص ان قانون السجل العقاري قد عطل حجية العقود والتصرفات العقارية فيما بين المتعاقدين وفقاً للقوانين الاخرى كالقانون المدني الذي يوجب على المتعاقدين احترام عقد البيع او غيره وتنفيذه والوفاء بالالتزامات المحددة بالعقد بحسن نية، وعلى هذا فان الفهم الصحيح للنص السابق هو ان التصرفات العقارية الصحيحة غير المسجلة تكون لها حجيتها فيما بين المتعاقدين لأن العقد ملزم للمتعاقدين باعتباره شريعة المتعاقدين فلا يجوز لهم التحلل من التصرفات العقارية او عدم تنفيذها حتى لو لم يتم قيدها أو تسجيلها في السجل العقاري، ولذلك فقد ورد في نهاية النص السابق عبارة (على ان ذلك لا يمنع المتعاقدين من متابعة حقوقهم الشخصية امام القضاء) لأنه من المقرر وفقا لقانون الاثبات أن المحررات المسجلة لدى الجهات المختصة تكون محررات رسمية لها حجيتها الثبوتية في مواجهة الكافة في حين تكون حجية المحرر العرفي الذي لم يتم تسجيله قاصرة على اطرافه،ونوصي بإعادة صياغة المادة (5) من قانون السجل العقاري السابق ذكرها حتى لايفهم منها أنها تهدر حجية محررات التصرفات العقارية العرفية التي لم يتم تسجيلها في السجل العقاري لاسيما ان التصرفات العقارية المسجلة في السجل العقاري لاتزيد  نسبتها عن خمسة في المائة من التصرفات العقارية في أفضل الاحوال،

الوجه الثاني : طريقةإلغاء القيد في السجل العقاري :

القيد في السجل العقاري قد لا يخلو من اخطاء أو مخالفات اوتجاوزات اوتلاعب مثلما اشار الحكم محل تعليقنا، ولذلك فقد قرر قانون السجل العقاري ذاته جواز الغاء القيود المخالفة في السجل العقاري حتى يوفر القانون الثقة والاطمئنان في بيانات السجل العقاري وحتى يكون السجل العقاري مرٱة صادقة وامينة التصرفات التي تجري على العقارات، وفي هذا المعنى نصت المادة (7) من قانون السجل العقاري على انه (لا يمكن الغاء أو تعديل أي قيد من قيود السجل الا بحكم نهائي صادر من القضاء او بإقرار صاحب  الحق كما في الهبة أو التنازل عن الحق ويشترط ان لا يمس هذا الاقرار بحقوق الغير المسجلة على القيد) فقد حدد هذا النص طريقة ووسيلة تصحيح القيد المخالف في السجل العقاري، وما يعنينا منها ما اشار اليه الحكم محل تعليقنا وهو الغاء أو تعديل القيد المخالف في السجل حيث يتم ذلك بموجب حكم قضائي نهائي،ومن المعلوم ان صدور هذا الحكم يستدعي تقديم دعوى بمسمى دعوى الغاء أو تعديل القيد في السجل العقاري يقدمها من له مصلحة وصفة إلى المحكمة وان يقوم بتضمين الدعوى أوجه المخالفة أو العيب في القيد في السجل العقاري والنصوص القانونية التي خالفها القيد وان يرفق المدعي بدعواه الأدلة التي تثبت المخالفة، وقد صرح النص السابق بان الحكم الذي يتم التعديل بموجبه يجب ان يكون نهائياً وهو الحكم الذي لم يتم الطعن فيه في الميعاد المحدد قانونا لذلك ويندرج في هذا المعنى أيضاً الحكم البات الذي استنفذ كافة طرق الطعن المقررة قانوناً، ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد ارشد الطاعنين بانه كان الواجب عليهم سلوك الطريق القانوني لالغاء  القيد في السجل العقاري وهو قيامهم بتقديم دعوى الالغاء امام المحكمة المختصة ومن وجهة نظرنا إنها المحكمة المدنية المختصة التي يقع العقار ضمن نطاق اختصاصها المكاني وليس المحكمة الادارية مع احترامنا لمن يذهب الى هذا المذهب، كما أن الحكم محل تعليقنا قد ارشد الطاعنين  يقدموا دعواهم امام المحكمة المختصة ويقدموا الادلة والبراهين التي تثبت دعواهم بمخالفة القيد للقوانين النافذة فاذا حكم القضاء بان القيد في السجل مخالف للقانون فعندئذ تتم محاسبة المقصرين الذين قاموا بتسجيل البصائر الخاصة مع ان الأرض التي تحكيها من أراضي الدولة.

الوجه الثالث : قيد أراضي الدولة في السجل العقاري لا ينزع ملكية الدولة:

ينص قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة (7) على ان أحكام التقادم لا تسري على أراضي الدولة حتى لو تم تسجيلها في السجل العقاري باسم الغير، غير أنه يجب على المختصين في هذه الحالة إقامة الدعوى امام المحكمة المختصة لإثبات ان الأرض ملك الدولة والحصول على حكم بات أو نهائي يقضي بإلغاء القيد السابق وتسجيل الأرض باسم الدولة، وقد كان من غايات إلحاق السجل العقاري بالهيئة العامة للأراضي هو المحافظة على أراضي الدولة حتى تتاكد الهيئة قبل التسجيل من أن الاراضي المطلوب تسجيلها ليست من اراضي الدولة، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717