التزام الوكيل المحلي بصيانة السيارات والمعدات القديمة

 

التزام الوكيل المحلي بصيانة السيارات والمعدات القديمة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يشترط قانون الوكالات صراحة عدم استيراد السيارات والاجهزة والمعدات مالم تكن هناك وكالات محلية توفر الصيانة والاصلاح وقطع الغيار وخدمات مابعد البيع للآلات والمعدات والاجهزة والسيارات حفظاً لحقوق المستهلكين اليمنيين وضمان حصولهم على قطع الغيار وخدمات وصيانة ما بعد البيع ، وحتى يسهل للمستهلكين الرجوع على الوكيل المحلي بيسر وسهولة، ولأهمية هذا الموضوع فان الأمر يستدعي الاشارة الموجزة لهذه المسألة في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/12/2009م في الطعن المدني رقم (34326) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان  احد الاشخاص تقدم أمام المحكمة الابتدائية (المدنية) بدعوى مفادها أنه  اشترى سيارة(وونش_رافعة) ماركة ... وان تلك السيارة تعطلت فذهب لاصلاحها لدى الوكالة المحلية  في اليمن لهذا النوع من السيارات التي ظلت تماطله في اصلاح سيارته لفترة من الوقت ،وقد ترتب على ذلك تعطل السيارة لمدة طويلة وقد ترتب على ذلك تعطل اعماله وفوات مكاسب كثيرة، وقد ردت الوكالة على الدعوى بأن السيارة قديمة موديل 1980م وان العطل في الكرين وان هذا النوع غير قابل للخراطة وان الوكالة قد طلبت من المدعي شراء كرين من النوع الجديد إلا أنه رفض ذلك مما ترتب عليه بقاء السيارة معطلة لفترة طويلة، وقد سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات نظر القضية حتى توصلت الى الحكم (بقبول الدعوى وإلزام الوكالة المدعى عليها بإصلاح سيارة المدعي وتعويضه عن تعطل السيارة مبلغ مأتين الف ريال وتحميله مصاريف التقاضي وإلزام المدعي بشراء كرين من النوع الجديد، وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (ولما كان صاحب العمل مسئولاً عن اختيار العامل ومسئولاً عن الاشراف عليه ورقابته فاذا اضر العامل بفعله الغير فان رب العمل يكون مسئولاً عن فعل العامل لإهماله فالمسئولية تقوم على أساس رابطة التبعية،كما انه من الثابت أن المدعي شارك المدعى عليها في الخطأ لرفضه شراء كرين من النوع الجديد ولذا فان هذه المحكمة تقرر تحميل المسئولية طرفي الدعوى كلاً بقدر خطئه) فلم تقبل وكالة السيارات بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه على أساس ان السيارة قديمة موديل 1980م وان الحكم اعتمد على أقوال مهندسي من خارج الوكالة لا علم لهم بنوع السيارة محل الخلاف، فدفع المحكوم له بعدم قبول الاستئناف لتقديمه بعد مضي المدة المقررة قانوناً فقبلت الشعبة المدنية الاستئنافية الدفع وقضت بعدم قبول استئناف وكالة السيارات لان مواعيد الطعن من النظام العام، فلم تقبل وكالة السيارات بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي (لثبوت تقديم الشركة وكيلة السيارات للاستئناف بعد مضي المدة المحددة في القانون وذلك من النظام العام باعتبار ان القانون قدحدد اجالاً معينة لتقديم الطعون الامر الذي يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تجارية المنازعة :

من خلال المطالعة لوقائع القضية وبالنظر إلى ان اعمال الوكالة من الاعمال التجارية بصرف النظر عن صفة القائم بها حسبما ورد في الفقرة (4) من المادة (10) تجاري إلا أن صاحب السيارة (رافعة/ وونش) تقدم بدعواه أمام المحكمة المدنية مع أن هناك محكمة تجارية في المدينة التي تم رفع الدعوى فيها، ومن العجيب أن شركة السيارات صاحبة الوكالة لم تدفع بعدم اختصاص المحكمة المدنية رغم وجود المحكمة التجارية في المدينة ذاتها، وبدلاً من الدفع بعدم الاختصاص قامت الشركة بالرد على الدعوى بان السيارة قديمة وان المدعي رفض شراء كرين من النوع الجديد،  اما محكمة أول درجة المدنية فقد قامت بالفصل بالنزاع وعند تسبيبها للحكم استندت الى قواعد المسؤولية في القانون المدني وتحديداً مسئولية الشركة صاحبة الوكالة عن عمالها الذين تأخروا في إصلاح السيارة في الوقت المحدد مما ترتب على ذلك بقاء السيارة لفترة من الزمن عاطلة لا تعمل، اما التزام الوكالة بإصلاح وصيانة السيارة القديمة فلم يكن محل خلاف ولم تتنصل الشركة صاحبة الوكالة من التزامها بذلك.

الوجه الثاني : التزام الشركة صاحبة الوكالة بتوفير قطع غيار السيارات  الاجهزة  المعدات القديمة وصيانتها وإصلاحها :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الابتدائي الذي صار نهائياً ونافذاً بعد اقراره من المحكمة العليا كان قد قضى بإلزام الشركة صاحبة الوكالة بإصلاح السيارة القديمة (ونش موديل 1980) بل ان الحكم قضى بإلزام مالك الشركة بتعويض صاحب السيارة عن فترة تعطل سيارته عن العمل، ولا ريب أن الشركة المحلية صاحبة وكالة السيارات الاجنبية في اليمن ملزمة قانوناً بإصلاح السيارات والمعدات والاجهزة التي هي وكيلة لها في اليمن وتوفير خدمات الصيانة للسيارات والالات  سواء أكانت جديدة أو قديمة وسواء قامت الشركة باستيرادها إلى اليمن أم قام المستهلك بشرائها من غير الوكالة فلا يشترط لقيام هذا الالتزام  الا أن تكون السيارة تحمل الماركة التابعة للشركة الوكيلة في اليمن، لان الالتزام المقرر في القانون عام ومطلقً لا يفرق بين سيارات او اجهزة  قديمة أو جديدة وسواء قامت الشركة الوكيلة باستيرادها أم قام الشخص بإدخالها إلى البلاد بطريقة مشروعة، فلا تستطيع الشركات الوكيلة التعلل بان السيارة قديمة أو انها موديل 1980م فهناك فرق بين الضمانة لمدة معلومة حيث يكون الإصلاح مجاني، وبين الالتزام المطلق بإصلاح السيارات القديمة والجديدة وتقديم خدمات الصيانة وما بعد البيع باعتباره التزاما قانونيا وان كانت هذه الخدمات غير مجانية حيث تتقاضى الشركات الوكيلة اجور وتكاليف خدمات الصيانة والإصلاح، وقد جاء هذا الالتزام في قانون تنظيم وكالات وفروع الشركات والبيوت الاجنبية حيث نصت المادة (17) من القانون بأنه (لا يجوز استيراد وسائل النقل الآلية والآلات الزراعية وآليات الطرق والآليات والمعدات والاجهزة الكهربائية والميكانيكية والالكترونية وأية سلع أخرى تتطلب صيانة وقطع غيار إلا أذا وجدت لها وكالات مسجلة في الجمهورية وفقاً لأحكام هذا القانون واللائحة التنفيذية).

الوجه الثالث : طبيعة التزام الوكيل المحلي بصيانة السيارات والآلات والاجهزة القديمة :

طالما والسيارات والآلات لازالت في الخدمة في اليمن فالواجب على الوكيل الوطني أو المحلي توفير قطع الغيار وخدمات ما بعد البيع من صيانة وإصلاح، ويتأسس التزام الوكيل المحلي على أساس انه وكيل قانوني وممثل في اليمن للشركة الأجنبية المنتجة للسيارات والآلات والمعدات والاجهزة المعمرة التي تحتاج إلى صيانة وإصلاح وقطع غيار حتى يستطيع المستهلك الرجوع على هذا الوكيل ومطالبته  بالإصلاح والصيانة وقطع الغيار اللازمة، لان التزام الشركات الوكيلة يكون على فترتين الفترة الأولى فترة ما بعد الشراء مباشرة حيث تلتزم الشركة الوكيلة ببقاء السيارة أو الآلة أو الجهاز صالحة تعمل وتؤدي العمل المستهدف منها وهذا ما يسمى في اليمن بالضمانة وخلال هذه الفترة تلتزم الشركة الوكيلة بإصلاح السيارة أو الجهاز مجاناً لان الضمانة تعني بقاء الآلة تعمل من غير عطل للمدة المحددة في الضمانة، أما الفترة الثانية من الالتزام وهي الفترة التالية للضمانة حيث تلتزم الشركة الوكيلة خلال هذه الفترة بتوفير خدمات الإصلاح والصيانة وقطع الغيار مقابل اجور يدفعها المستهلك نظير تلك الخدمات ويظل هذا الالتزام  سارياً ما دامت السيارة أو الآلة عاملة في السوق شريطة أن تكون اعدادها في الدولة بالنسبة للسيارات والاجهزة القديمة أن تكون أعدادها مجدية اقتصادياً أما اذا كانت نادرة جداً كالسيارات والآلات القديمة جداً التي لم تعد تستعمل الا نادراً لخروجها من الخدمة والسوق داخل اليمن  وخارجها فلا يظل التزام الوكيل قائما وكلما كانت ًالمعدات غالية الثمن كلما ظل هذا الالتزام قائما لفترة طويلة مثل الحفارات  والقاطرات والرافعات وماشابهها، وفي كل الاحوال فان التزام الوكيل المحلي لا يكون منفصلاً عن التزام الشركة الأجنبية المنتجة حيث يرجع الوكيل المحلي على الشركة المنتجة لاقتضاء أية مبالغ أو تكاليف قد يتحملها في سبيل صيانة وإصلاح السيارات والآلات والاجهزة، والله اعلم.