تقادم الشيك لا يعني تقادم الحق الثابت فيه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اذا
مضت مدة شهر على تاريخ إستحقاق الشيك أو تاريخ صرف الشيك فان الشيك يتقادم، وقد
قضى الحكم محل تعليقنا بان هذا التقادم لا يعني تقادم الحق الثابت في الشيك أو
سقوط الحق الثابت في الشيك، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/2/2013م في الطعن رقم (47084)، وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان المستفيد من الشيك قام بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي الذي اهدر حقه الثابت بالشيك بحجة تقادم تاريخ صرف الشيك، حيث قبلت
الدائرة الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا
(والدائرة بعد رجوعها إلى أوليات القضية وجدت أن الطاعن قد نعى في عريضة الطعن على
الحكم الاستئنافي مخالفته للقانون، وعند رجوع الدائرة إلى ما تضمنته اوراق القضية
وجدت ان مناعي الطاعن في محلها ولها سند صحيح من الشرع والقانون وأوليات القضية
لان الحكم المطعون فيه قد اخطأ في تطبيق نص المادة (550)تجاري حينما قال بسقوط
الحق بالتقادم بمضي شهر كامل على تاريخ صدور الشيك، إذ أن المدة التي ارادها النص
القانوني المراد منها حماية الحق الصرفي للشيك ليس إلا ،إذ انه من المعلوم قانوناً
ان الشيك يصير سنداً بيد الدائن عند تقادم الحق الصرفي بإنقضاء المدة المحددة بالقانون، لان التقادم المحدد في
المادة المذكورة المقصود منه تقادم أحكام الشيك ،اما الحق الثابت فيه فلا تشمله
أحكام تقادم الشيك بل ان الحق موضوع الشيك لا يسقط بعد إنقضاء مدة التقادم كما
عللت به محكمة ثاني درجة في حكمها محل الطعن مما يعني انها لم تخالف القانون مما
يستوجب والحالكذلك الجزم بقبول الطعن بالنقض موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تقادم تاريخ إستحقاق الشيك في القانون التجاري :
حددت
مدة التقادم المشار اليها المادة (550) تجاري التي نصت على ان (الشيك المسحوب في
اليمن والمستحق الوفاء فيها يجب تقديمه للوفاء خلال شهر فإذا كان مسحوباً خارج
اليمن ومستحقاً الوفاء فيها وجب تقديمه خلال ثلاثة أشهر وتبدأ المواعيد السابق
ذكرها من التاريخ المبين في الشيك انه تاريخ اصداره ويعتبر تقديم الشيك إلى إحدى
غرف المقاصة المعترف بها قانوناً بمثابة تقديم للوفاء) فقد اشار الحكم محل تعليقنا
إلى ان المقصود بهذا النص هو تحديد وتنظيم صرف الشيك لغايات مصرفية بحتة من ضمنها
تسوية حسابات العملاء والمصارف في آجال ومدد محددة أي ان هذا النص ينظم اوقات صرف
الشيك وتسوية حسابات العملاء الساحبين للشيكات وكذا تسوية حسابات البنوك والمصارف في مدد وآجال محددة بهدف إستقرار المعاملات المصرفية وتنظيمها، وتبعاً لذلك فان مدة
التقادم المذكورة في هذه المادة يقتصر اثرها على تجريد الشيك من صفته ووظبفته
كأداة ائتمان ووفاء، فبعد إنقضاء تاريخ إستحقاق الشيك المحدد في الشيك دون تقديمه
للوفاء أو صرف قيمته يتجرد الشيك من صفته كشيك ويتحول إلى سند يثبت المبلغ المدوّن
فيه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : تحول الشيك إلى محرر يثبت احقية المستفيد بالمبلغ المدوّن في الشيك :
قضى الحكم محل
تعليقنا بان تقادم الشيك على النحو السابق بيانه لا يعني سقوط الحق أو المبلغ
المدوّن فيه، وهذا يعني أيضاً ان الشيك بعد تقادمه يتحول إلى سند عادي يثبت أحقية
المستفيد بالمبلغ المحدد في الشيك، فبعد انتفاء صفة الشيك لعدم تقديمه في الميعاد
المحدد، بتحول إلى مستند إثبات الحق المذكور فيه حيث تتوفر هذا المستند الأركان
اللازمة في سند الإثبات أو محرر الإثبات حيث يتضمن هذا المستند اسم الدائن والمدين
ومبلغ الدين وتوقيع المدين، ولذلك فقد
توفرت فيه كل البيانات اللازمة في محررات الإثبات، كما ان عدم تقديم الشيك للصرف
وإلوفاء لا يعني ان المستفيد قد استلم
المبلغ المدوّن في الشيك أو ان ذلك الحق قد انقضى، وهناك جدل واسع في اليمن بشأن
مدى جواز المطالبة بقيمة الشيك بأمر اداء حيث يذهب اتجاه غالب إلى جواز ذلك
بإعتبار المبلغ المثبت بالشيك معين المقدار وحال الاداء وخالياً من النزاع في حين
يذهب اتجاه آخر إلى انه لا يجوز المطالبة بقيمة الشيك المتقادم بأمر اداء، لان
تقادم الشيك من وجهة نظر اصحاب هذا الاتجاه
يسقط الشيك ذاته ويسقط الحق الثابت فيه، ومن خلال المطالعة للحكم محل
تعليقنا نجد انه قد انتصر لما ذهب إليه الإتجاه الأول في جواز المطالبة بقيمة
الشيك بموجب أمر الاداء، والله اعلم.