عدم رضاء المرأة يبطل عقد الزواج

 

عدم رضاء المرأة يبطل عقد الزواج

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

من الظواهر الشائعة في اليمن اكراه المرأة على الزواج ومن الشائع ايضا ان المرأة تنعي عند اكراهها على الزواج, ومع ان قانون الاحوال الشخصية قد اشترط رضاء المرأة لانعقاد الزواج ومع ان هذا القانون قد قرر صراحة بطلان او انعدام عقد الزواج بدون رضاء المرأة, الا ان العادات الشائعة تغلب القانون احيانا, ومع هذا وذاك فان هناك حالات تتمسك فيها المرأة بخيارها في قبول الزواج او رفضه لاسيما اذا كان الاب قد قام بإبرام عقد الزواج بابنته من غير رضاها مثلما كان في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث كانت البنت تتولى خدمة جدها لأمها بناء على اذن من ابيها وبعدئذ قام الاب باستدعاء الامين الشرعي حيث قام الاب بتزويج تلك البنت بأبن اخية أي ابن عمها فعندئذ وقبل ان تزف الى المعقود عليه قامت برفع دعوى امام المحكمة المختصة طلبت فيها ابطال عقد الزواج المشار اليه ونقل ولاية تزويجها من ابيها الى جدها لامها الذي تقوم بخدمته وافصحت في دعواها بأنها تريد الزواج من ابن خالها وليس ابن عمها وقد حكمت محكمة اول درجة باعتبار عقد الزواج كأن لم يكن لعدم حصول الرضاء منها ونقل ولاية العقد بها الى الحاكم المختص واحالة الامين الى مجلس التأديب حيث قام والد المدعية بالطعن بالاستئناف التي ايدت الحكم فلم يقتنع الاب حيث قام بالطعن بالنقض امام الشعبة الشخصية بالمحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/12/2010م في الطعن الشخصي رقم (44335) لسنة 1432هـ وخلاصة اسباب هذا الحكم (وتجد الدائرة بعد الاطلاع على الاوراق مشتملات الملف انه من الثابت عدم صحة اسباب الطعن بالنقض لأنه من المؤكد عدم رغبة المطعون ضدها بالزواج بأبن عمها وقد صرحت بذلك امام قاضي المحكمة الابتدائية التي ابطلت عقد زواجها من ابن عمها وسندها في ذلك المادتان (7و10) من قانون الاحوال الشخصية وهو ما استند اليه محكمة الاستئناف فالتراضي ركن من اركان العقد وهو تعبير عن ارادة المتعاقد ويؤكد على ذلك ايضا المادتان (148,147) مدني وبما ان المطعون ضدها قد عبرت عن ارادتها الرافضة لزواجها من ابن عمها ورغبتها في الزواج من ابن خالها وقد طالب الاثنان ذلك من محكمة اول درجة, ولذلك فان الحكم الاستئنافي المطعون فيه موافق لأحكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الأول : تأثير عدم رضاء المرأة على عقد زواجها :

قضى الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي وحكم المحكمة العليا باعتبار عقد الزواج الذي لم ترضى به المرأة كأن لم يكن وهذه العبارة توصي بان عقد الزواج منعدم في هذه الحالة وسند الحكم  في ذلك المادة (11) احوال شخصية التي نصت على انه (كل عقد بني على اكراه الزوج او الزوجة لا اعتبار له) أي انه غير معتبر قانونا, وهذا يستدعي الاشارة بإيجاز الى فكرة الانعدام في العقود عامة بحسب مقتضيات هذا التعليق الموجز, فنقول : ان فكرة الانعدام في العقود تتعلق باركان العقد الذي يقوم العقد بدونها فاذا تخلف ركن من اركان العقد لا تقوم للعقد قائمة وبتطبيق هذا المفهوم على عقد الزواج نجد ان المادة (8) احوال شخصية قد حددت اركان عقد الزواج حينما نصت على ان (اركان عقد الزواج التي لا تتم ماهيته بدونها اربعة : زوج و زوجة وهما محل العقد وايجاب وقبول) وبناء على ذلك فاذا اختلف أي ركن من اركان عقد الزواج الاربعة المذكورة في هذا النص القانوني فان عقد الزواج يكون منعدما اما اذا تخلف أي شرط من شروط العقد فانه يترتب على ذلك بطلان العقد وليس انعدامه, وقد حددت المادة (7) احوال شخصية شروط صحة عقد الزواج حيث نصت هذه المادة على انه (يشترط لصحة العقد ما يلي : 1- ان يكون العقد في مجلس واحد 2- ايجاب بما يفيد التزوج عرفا من ولي للمعقود بها مكلف ذكر غير محرم او بإجازته او من وكيله 3- قبول التزوج قبل الاعراض من زوج مكلف غير محرم او ممن يقوم مقامه شرعا او بإجازته 4- تعريف الزوجين حال العقد باسم او لقب او اشارة او نحو ذلك مما يميزهما عن غيرهما 5- ان يكون الايجاب والقبول منجزين ومتطابقين وغير دالين على التوقيت بعده ويلغي كل شرط لا يتعلق به غرض مشروع لاحد الزوجين او يخالف موجب العقد 6- خلو الزوجين حال العقد من موانع الزواج) ومن خلال استقراء هذا النص المتضمن شروط صحة عقد الزواج نجد انه لم يشر الى الرضاء ولم يذكره من شروط الصحة, ومع ان قانون الاحوال الشخصية لم يذكر رضاء الزوج ضمن اركان عقد الزواج او ضمن شروط الا انه قد افرد له مادة مستقلة قررت ان (كل عقد زواج بني على اكراه الزوج او الزوجة لا اعتبار له) ولذلك فان عقد الزواج الذي لا ترضى به المرأة يكون باطلا لان الرضاء لم يرد ضمن اركان العقد, ولا شك ان عيوب الصياغة والترتيب في قانون الاحوال الشخصية ليست خافية حيث ذكر القانون شروط الصحة قبل اركان عقد الزواج كما انه كان ينبغي عليه ان يذكر الرضاء بالزواج ضمن شروط صحة الزواج لا سيما وان المادة (7) التي خصصها القانون لشروط صحة عقد الزواج قد تناولت مسائل اقل اهمية من الرضاء بالزواج حسبما بيانه في نص المادة السابق ذكرها .

الوجه الثاني : اشكالية التعرف على رضاء المرأة بالزواج :

سكوت البكر رضاء بالزواج فوفقا لأحكام الشريعة الاسلامية واحكام القانون وبموجب العادات والتقاليد اليمنية فان المرأة تتحفظ كثيرا عن الاعراب عن رضائها بالزواج ومن النادر ان تصرح المرأة لا سيما البكر عن موافقتها بالزواج اضافة الى ان النقاب يضيف صعوبات اخرى للتحقق من صدور الرضاء من المرأة المراد تزويجها, واذكر ان جدلا واسعا ثار في وزارة العدل حينما كنت رئيسا للمكتب الفني حين تصميم نموذج الزواج حيث تم تضمين عقد الزواج مكان لبصمة الزوجة بما يفيد رضاها بالزواج تجنيبا للمرأة من حرج التصريح بالقول بانها موافقة على الزواج الا انه لم يتم تدوين عبارة في العقد جوار بصمة الزوجة بما يفيد ان البصمة هي تعبير عن الرضاء, كما ان القانون لم يشترط حضور المرأة مجلس عقد الزواج للتأكد من رضائها وانما تكون المرأة بغرفة مجاورة لمجلس العقد حيث ينتقل اليها بعض الامناء للتأكد بأنفسهم من رضائها اما غالبية الامناء فانهم يوكلون هذا الامر الى ولي المرأة للانتقال اليها في الغرفة المجاورة لأخذ بصمتها, كما ان هناك صعوبات اخرى تحول دون قيام الامين بالتأكد من رضاء الزوجة وهي ان غالبية النساء لا يحملن بطاقات هوية تدل على شخصياتهن .

الوجه الثالث : القضاء بإحالة الامين الشرعي الذي تولى ابرام عقد الزواج من غير التأكد من رضاء المرأة الى مجلس التأديب :

قضى الحكم محل تعليقنا بإحالة الامين الشرعي الذي تولى ابرام عقد الزواج من غير التأكد من رضاء المرأة الى مجلس التأديب باعتبار ذك من المخالفات القانونية حيث كان يتوجب على الامين ان يتأكد قبل ابرام عقد الزواج من رضاء المرأة, لان قانون التدقيق قد اوجب على الامناء التحري قبل ابرام العقود والتصرفات من توفر اركان وشروط التصرف وبموجب ذلك كان ينبغي على الامين ان يتأكد من رضاء المرأة بالزواج قبل ان يقدم على ابرام العقد ولذلك يقوم كثير من الامناء بأخذ بصمة الزوجة قبل ابرام عقد الزواج .

الوجه الرابع : نقل ولاية الزواج من الاب العاضل الى القاضي :

قضى الحكم محل تعلقينا ايضا بنقل ولاية التزويج من الولي الاقرب شرعا للبنت الى القاضي لثبوت عضل الاب عن تزويج ابنته من ابن خالها الذي صرحت وطلبت من محكمة اول درجة ومحكمة الاستئناف تزويجها منه وافادت بان ابيها قد امتنع عن تزويجها بابن خالها وانه مصر على زواجها من ابن عمها وحيث ان عضل الاب عن تزويج ابنته من ابن خالها قد ثبت لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بنقل الولاية وسنده في ذلك المادة (18) احوال شخصية فقرة (2) التي نصت على انه (اذا عضل ولي المرأة امره القاضي بتزويجها فان امتنع امر القاضي من يليه من الاولياء الاقرب فالأقرب تزويجها فان فقدوا او عضلوا زوجها القاضي بكف ومهر مثلها) وقد ثبت بالبراهن والادلة ان الاب عاضل ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بنقل الولاية منه، والله اعلم.