اثر جهالة مستلم الإعلان

 

 اثر جهالة مستلم الإعلان

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تترتب على الإعلان القضائي اثار بالغة الخطورة على الحقوق والمصالح ومع ذلك فان الآلية المتبعة في تنفيذ الإعلانات القضائية يشوبها القصور تتيح وتشجع التلاعب في تنفيذ الإعلانات القضائية، ولذلك تظهر إشكاليات لا حصر لها عند تنفيذ الإعلانات لاسيما اذا الإعلان موجه إلى  جهة من جهات الدولة حيث يتم تنفيذ الإعلان إلى موظف في الجهة  دون التأكد من أسمه اوهويته اوصفته الوظيفية وما إذا كان مختصا باستلام الاعلان، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/5/2013م في الطعن رقم (52407) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن طالبين يدرسا خارج اليمن تقدما أمام المحكمة بطلب أمر على العريضة بالزام الجهة التي اوفدتهما للدراسة في الخارج بدفع مستحقاتها الدراسيةوفقا بقرار ايفادهما، حيث اصدرت المحكمة أمراً على عريضة بالزام تلك الجهة بدفع مستحقاتهما ،فتقدمت الجهة الادارية بتظلم ودعوى موضوعية حيث توصلت المحكمةالابتدائية إلى الحكم بتأييد الأمر على عريضة والزام الجهة بدفع مستحقات الموفدين، فقامت الجهة الادارية باستئناف الحكم فدفع الموفدان بعدم قبول الاستئناف لتقديمه بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً ،فردت الجهة بان اعلانها بالحكم الابتدائي لم يتم لان التوقيع على استلام الحكم مجهول فعقب المستأنف ضدهما بان ذلك التوقيع ليس مجهولاً وانما هو لأحد موظفي سكرتارية رئيس الجهة الادارية، وقد توصلت الشعبة المدنية إلى الحكم بعدم قبول استئناف الجهة الادارية لتقديمه بعد مضي المدة القانونية المقررة لتقديم الاستئناف، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (بالرجوع إلى الأوراق نجد أن محضر محكمة ... انتقل إلى سكرتارية رئيس ... وقام بتسليم صورة الحكم لأحد اعضاء السكرتارية بتاريخ 31/1/2011م وقد كتب الموظف المستلم في ورقة الاعلان :انه قد استلم الإعلان وصورة من الحكم وقد قام الموظف المستلم بالتوقيع على هذه الافادة اما ما جاء في الرد على الدفع من ان الاصل تسليم أوراق الإعلان إلى رئيس الجهة الادارية ففي ذلك صعوبة ومشقة واقعية، حيث قد وصل المحضر إلى سكرتارية رئيس الجهة الادارية وسلم الإعلان وصورة الحكم فذلك كاف ولا تأثير على صحة الإعلان بعدم ذكر اسم المستلم لان موظفي سكرتارية رئيس الوحدة موظفين عموميين يقومون بأداء واجبهم الوظيفي ومن ذلك استلام الأوراق) فقامت الجهة الادارية بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، حيث قبلت الدائرة الادارية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا ( وبعد مطالعة الأوراق وحيث أن المادة (41) مرافعات أوجبت ان  تتضمن الورقة المراد اعلانها على بيانات منها اسم الشخص  استلم الورقة المعلنة وعلاقته بالمعلن اليه وتوقيع المستلم أو ختمه أو بصمته وإثبات امتناعه وسببه ...الخ، وحيث ان سكرتارية الوزراء ورؤساء المصالح والهيئات والمحافظين تقوم مقامهم في استلام الأوراق المراد تسليمها لهم إلا أنه يجب ان يثبت المحضر ان من استلم منه الورقة هو من موظفي السكرتارية، فقول الحكم الاستئنافي أنه لا تأثير على صحة الإعلان في حالة عدم ذكر اسم المستلم لان موظفي سكرتارية رئيس الجهة موظفون عموميون يقومون بأداء واجبهم الوظيفي ومن ذلك استلام الأوراق فذلك قول صحيح اذا ثبت ان من قام باستلام الإعلان من موظفي السكرتارية، فتسليم الإعلان في مقر سكرتارية رئيس الجهة يجب ان يكون لأحد موظفي السكرتارية معلوم الاسم وليس لأي شخص متواجد في المكان، وحيث ان الثابت من ورقة الإعلان ان المحضر انتقل إلى سكرتارية رئيس الجهة وسلم الورقة لشخص لم يذكر اسمه ولا علاقته بالمطلوب اعلانه، ولما كان ذكر اسم الموظف المستلم للإعلان وصفته قد جاء على سبيل الوجوب في المادة (41) مرافعات بغرض التأكد من جدية الإعلان وإزالة أي شك حول مستلم الإعلان، ولما كان ذلك واجب لصحة الإعلان ولذلك فان اغفال اسم مستلم الاعلان يترتب عليه بطلان الإعلان) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الشخص المعني باستلام الإعلان الموجه للجهة الحكومية وتوصيتنا للجهات الحكومية :

تنص المادة (44) مرافعات على ان (تسليم صور الأورق إلى الجهات على النحو التالي : -1- إلى الوزراء أو رؤساء المصالح أو الهيئات أو المحافظين أو من يقوم مقامهم حسب ما يخص أياً منهم بالنسبة للأوراق الخاصة بالدولة) وهذا النص صريح في اشتراط تسليم الإعلانات إلى اشخاص الوزراء ومن حكمهم وليس إلى السكرتارية أو أية ادارة، ولأهمية الإعلان وخطورته فان بعض الوزراء ومن في حكمهم يقومون بإصدار تعميم أو منشور موقع من قبلهم يصرحون فيه بأن أية اعلانات أو تكاليف أو اخطارات ينبغي تسليمها إلى الادارة القانونية وان الادارة القانونية هي المخولة بذلك ويتم تصميم ختم خاص للاستلام يتم حفظه في الادارة القانونية لاستلام ، فبمجرد ان يصل محضر المحكمة أو عاقل الحارة أو غيره لتسليم الاعلان إلى الوزير أو مدير الشركة  يقوم موظف الاستعلامات بارشاد حامل الاعلان أو المحضر  بان الادارة المعنية باستلام الإعلان هي الادارة القانونية بموجب منشور أو تعميم الوزير حيث تقوم الادارة القانونية بدراسة الإعلان ومرفقاته واتخاذ التدابير والمعالجات اللازمة بصورة سريعة وفاعلة، لان الادارة القانونية هي الاجدر باقتراح هذه التدابير واقتراح الإجراءات اللازمة حيال الإعلان ومباشرتها بما يكفل حقوق ومصالح الجهة الحكومية، ولذلك فاننا نوصي الوزراء ومن في حكمهم بإصدار التعميم المشار اليه، ومن وجهة نظرنا فان تسليم الإعلان إلى موظفي سكرتارية الوزير لا يتفق مع النص القانوني السابق ذكره كما أنه لا يتفق مع خطورة الإعلانات والاثار المترتبة عليها التي تهدر الحقوق والمصالح العامة لاسيما في اليمن الذي تشيع فيه وتنتشر ظاهرة التلاعب في تنفيذ الإعلانات القضائية ،وقد اشرنا إلى مظاهر ذلك التلاعب في تعليقات سابقة على أحكام القضاء.

الوجه الثاني : وجوب بيان اسم مستلم الإعلان وصفته :

قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي لقبوله الدفع المستند الى الإعلان الذي تم تسليمه إلى احد موظفي سكرتارية رئيس الجهة دون تحديد لاسم الموظف الذي استلم الإعلان وصفته، وقد استدل حكم المحكمة العليا في قضائه إلى المادة (41) مرافعات التي اشترطت على سبيل الوجوب بيان اسم من استلم الإعلان وعلاقته بالمعلن اليه، حيث نصت (41) المشار اليها إلى أنه (يجب ان تشتمل الورقة المراد اعلانها على البيانات الأتية : 5- أسم من سلمت اليه الورقة المعلنة وعلاقته بالمعلن اليه وتوقيعه او ختمه او بصمته أو إثبات امتناعه وسببه) فقد اشترط هذا النص أن تتضمن ورقة الإعلان ضمن البيانات التي تدل على تنفيذ الإعلان إثبات اسم الموظف الذي استلم الاعلان وصفته اي بيان ما اذا كان الموظف مختصا باستلام الإعلان، فهذا يعني من وجهة نظرنا ان الوزير أو من في حكمه قد اناط أو اذن  أو كلف الموظف استلام الإعلان ، فذلك مفهوم من العبارة الواردة في النص القانوني السابق ذكره وهي عبارة (وعلاقته بالمعلن اليه) أي علاقته بالوزير الموجه اليه الإعلان فذلك يفيد ان الوزير قد اذن او اناط بالموظف استلام الإعلان، وقد سبقت توصيتنا بوجوب صدور تعميم من الوزير يحدد فيه ان الادارة المختصة باستلام كافة الإعلانات او الاخطارات او البلاغات او التكليفات هي الادارة القانونية، وبناءً على ذلك فان تسليم الإعلان إلى موظف من موظفي الجهة لا يكون مختصاً او ذا صفة باستلام الإعلان يجعله باطلاً فلا يترتب عليه أي اثر من الاثار القانونية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث : اهمية إثبات اسم وصفة مستلم الإعلان :

قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب إثبات اسم وصفة مستلم الإعلان مستنداً في ذلك إلى المادة (41) مرافعات السابق ذكرها التي اوجبت ذلك، ولا ريب ان لذلك علة وحكمة بالغة، وهي التأكد والتحقق مما اذا كان الشخص الذي استلم الإعلان له صفة أو اختصاص أو علاقة بالشخص المطلوب اعلانه اصلاً وما اذا كان المستلم للإعلان مأذونا له بذلك حتى يمكن القول بصحة الإعلان وبطلانه نظراً لخطورة الاثار المترتبة على الإعلان :

الوجه الرابع : جهالة الإعلان وحجية افادة محضر المحكمة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أن الشخص الذي قام بتنفيذ الإعلان هو محضر المحكمة وكان يفترض ان تكون افادته في ورقة الإعلان لها الحجية الكاملة المعتبرة إلا ان الجهالة قد اعترت افادته بتنفيذ الإعلان حينما لم يذكر اسم الموظف الذي قام بتسليمه الإعلان وصفته في الاستلام وتبعاً لذلك فقد اختلت هذه الافادة وافتقدت اهم ركن من اركانها مما يجعلها غير معتمدة حسبما قضى به الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717