دعاو موظفي القطاع المختلطة عمالية وليس ادارية

 

دعاو موظفي القطاع المختلطة عمالية وليس ادارية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الشركات المختلطة هي التي تساهم الدولة براس مالها فيكون راسمالها خليطا بين المال العام والخاص مثل شركة  الخطوط الجوية اليمنية والبنك اليمني للإنشاء والتعمير  يمن موبايل والشركة اليمنية الكويتية للتنمية العقارية وشركة الادوية وغيرها، ولا ريب ان لهذه الشركات طبيعتها وخصوصيتها التي جعلت الحكم محل تعليقنا يقضي بان الدعاوى التي  يرفعها موظفوا هذه الجهات تختص بنظرها اللجان التحكيمية العمالية وليس المحاكم الادارية أو العادية، وهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/1/2014م في الطعن رقم (53303) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد موظفي شركة قطاع مختلط تقدم أمام المحكمة الادارية بدعوى طلب فيها الزام الشركة المختلطة التي يعمل بها بتسوية وضعه الوظيفي ،فحكمت المحكمة الادارية بسبق الفصل في الموضوع بحكم سبق ان صدر من المحكمة العادية فقام الموظف باستئناف الحكم إلا أن الشعبة أقرت الحكم الابتدائي فقام الموظف بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي،فقضت الدائرة الادارية بنقض الحكم الاستئنافي حيث تصدت الدائرة الادارية من تلقاء ذاتها لمخالفة الحكم المطعون فيه للاختصاص النوعي مع ان الطاعن والمطعون ضده لم يثيرا هذه المسألة أمام المحكمة العليا، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (حيث ان اختصاص المحكمتين الاداريتين هو الفصل في المنازعات الادارية، ولما كانت المنازعة الادارية هي تلك التي تتصل بنشاط مرفق عام تظهر فيه الادارة العامة باعتبارها صاحبة السلطة العامة مستخدمة وسائل وامتيازات القانون العام، وحيث ان شركة ... تنتمي إلى القطاع المختلط وحيث أنه بعد صدور قانون العمل سرت أحكامه على عمال القطاع المختلط حسبما ورد في المادة (3) عمل وحيث تبين أن الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الادارية ليست دعوى ادارية وإنما دعوى مطالبة بحقوق ،لذلك فان المحاكم الادارية لا تختص بهذه الدعاوى ،وحيث ان المادة (89) مرافعات تقضي بأن انشاء محكمة ابتدائية متخصصة بنظر نوع معين من الدعاوى يجعل ولايتها قاصرة على ذلك النوع فلا يجوز لها النظر في نوع غيره من الدعاوى مالم تكن مرتبطة بدعوى اصلية مرفوعة امامها ارتباطا لا يقبل التجزئة، ولما كان الاختصاص النوعي من النظام العام وفقاً للمادة (186) مرافعات فقد كان الواجب على  محكمة الاستئناف القضاء بعدم اختصاص المحكمة الادارية بنظر النزاع ،ولان  محكمة الاستئناف لم تقم بذلك فعلى المحكمة العليا التصدي لهذه المسألة من تلقاء ذاتها، ولما كان الأمر كذلك فالمتعين نقض الحكم الاستئنافي، واذا كان  للعاملين في الشركات المختلطة  فعليهم رفعها أمام اللجنة التحكيمية العمالية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : سريان قانون العمل على عمال القطاع المختلط :

نصت المادة (3) من قانون العمل على أنه لا تسري أحكام قانون العمل على الفئات الاتية : 1- موظفوا الجهاز الاداري للدولة والقطاع العام) فلم تتضمن هذه الفقرة (موظفوا القطاع المختلط) حيث اكتفت الفقرة بذكر موظفوا القطاع العام أي الشركات العامة المملوكة للدولة بالكامل، وبناءً على ذلك فان الشركات المختلطة ليست مستثناة من سريان قانون العمل عليها ،فقانون العمل يسري عليها مثلها في ذلك مثل الشركات الخاصة، ولان قانون العمل قد نص على تشكيل لجان تحكيم تتولى الفصل في المنازعات التي تحدث فيما بين العمال واصحاب العمل فان اللجان العمالية التحكيمية هي المختصة بنظر المنازعات التي تحدث فيما بين العمال في شركات القطاع المختلط وبين ادارات تلك الشركات، وعلى هذا الأساس فان منازعات العاملين في شركات القطاع المختلط هي منازعات عمالية وليست ادارية.

الوجه الثاني : الاعتبارات التي جعلت القانون يقرر اختصاص لجان التحكيم العمالية بمنازعات العاملين في القطاع المختلط :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى بعض تلك الاعتبارات، ومن أهم هذه الاعتبارات ان شركات القطاع المختلط كما هو ملموس شركات تجارية تستهدف الربح مثلها في ذلك مثل الشركات التجارية التابعة للقطاع الخاص ،فشركات القطاع المختلط تعتمد على حرية المنافسة التجارية مع شركات القطاع الخاص ،فمن مقتضيات تلك المنافسة ان يكون وضع العاملين في شركات القطاع المختلط مقارب إلى حد ما مع الوضع الوظيفي للعاملين في شركات القطاع الخاص من حيث رواتبهم وتسوية منازعاتهم، كما ان طريقة عمل وحدات شركات القطاع المختلط تتشابه مع متطلبات وظروف عمل شركات القطاع الخاص، فكل هذه الاعتبارات وغيرها استدعت اسناد الاختصاص بمنازعات العاملين في شركات القطاع المختلط الى اللجان التحكيمية العمالية وليس المحاكم الادارية.

الوجه الثالث : اختلاف المنازعة الادارية عن المنازعة العمالية :

من الاعتبارات التي استدعت اسناد الاختصاص بنظر منازعات العاملين في القطاع المختلط إلى اللجان التحكيمية العمالية هو اختلاف المنازعات العمالية عن المنازعات الادارية حيث يغلب على منازعات العاملين في القطاع المختلط الطابع العمالي على الطابع الاداري، ويرجع اختلاف المنازعة العمالية عن المنازعة الادارية الى اختلاف طبيعة النشاط الاداري الذي تباشره الادارة العامة في المرفق العام والنشاط التجاري الذي تباشر الشركات التجارية سواء شركات القطاع المختلط او الشركات التجارية الخاصة، كما يرجع اختلاف المنازعة الادارية عن المنازعة العمالية إلى اختلاف هدف الوحدات الادارية العامة التي تستهدف تقديم خدمة للجمهور في حين يكون هدف الشركات المختلطة والخاصة هو الربح، ولذلك ناسب ان يسند الاختصاص بنظر دعاوى ومنازعات العاملين في القطاع المختلط إلى اللجان العمالية وليس المحاكم الادارية.

الوجه الرابع : اختلاف طبيعة المحاكم الادارية عن اللجان التحكيمية العمالية :

المحاكم الادارية محاكم متخصصة بنظر المنازعات الادارية يتولى القضاء فيها قضاة لهم الولاية القضائية ويباشرون العمل الولائي والقضائي ويفصلون في المنازعات الادارية بأحكام قضائية مثل بقية أحكام القضاء التي تصدر عن المحاكم  الادارية وتتمتع تلك الاحكام بكافة الاثار المترتبة على الأحكام القضائية، وترجع فكرة انشاء المحاكم الادارية في الأساس إلى حمل واجبار الادارة العامة على احترام القانون وحقوق ومصالح الافراد العاملين فيها والمتعاملين معها واعادة التوزان إلى العلاقات التي تنشاء فيما بين الافراد والادارة العامة والحد من سطوة الادارة وتسلطها، في حين تتشكل اللجان التحكيمية العمالية من موظفين عموميين احدهما يمثل اتحاد اصحاب الاعمال والثاني يمثل اتحاد العمال والثالث وهو رئيس اللجنة العمالية موظف عام تابع لوزارة العمل يختاره الوزير،وتهدف اللجان التحكيمية العمالية إلى ايجاد التوازن بين مصالح وحقوق العمال واصحاب العمل المتنازعين ومراعاة مصالح وحقوق الجانبين، ولان اللجنة التحكيمية مشكلة من موظفين عموميين فانها حين تفصل في المنازعات العمالية لا تصدر احكاماً قضائية بالمفهوم الخاص للحكم القضائي وانما تصدر قرارات ذات طابع قضائي تكون بمثابة حكم محكمة الدرجة الأولى ولكن ذلك لا يعني انما تصدره اللجان التحكيمية أحكام قضائية بالمفهوم الخاص للحكم القضائي، والله اعلم.