تنازل الاجير عن حق الانتفاع بأرض الدولة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
حماية
أراضي الدولة والمحافظة عليها واجب ديني ووطني ودستوري وقانوني، ولذلك قرر القانون
الضمانات اللازمة لحمايتها، ومن ذلك منع تنازل المستأجر لأرض الدولة للغير الا
بموافقة هيئة اراضي الدولة بل ان القانون يعتبر ذلك جريمة
يعاقب عليها باعتبار أي تصرف في أرض الدولة من غير موافقة الهيئة يعد إعتداءا على
أرض الدولة، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة، وهو الحكم الصادر عن
الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/4/2013م في الطعن
رقم (46001) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان نيابة الأموال العامة
اتهمت احد الأشخاص بالبسط والبناء على مساحة 13 لبنة من أراضي الدولة فرد المتهم
على ذلك بان المستأجر الأصلي من هيئة أراضي الدولة قد تنازل له عن الأرض، وقد
توصلت محكمة الأموال العامة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم ومعاقبته بالحبس
لمدة شهر مع وقف التنفيذ والزامه بإزالة كل اثار ومظاهر الاعتداء، وقد ورد ضمن
اسباب الحكم الابتدائي (ان المتهم معترف ضمنياً بالاعتداء على أرض الدولة محتجاً
بالتنازل الممنوح له من اجير الدولة غير ان البين من ذلك التنازل انه لم يستوف
الاجراءات القانونية المطلوبة وفقاً لنص المادة (24) من قانون أراضي الدولة ومن ثم
فليس له حجية قانونية أو شرعية فيعد هو والعدم سواء، وبذلك فان ما قام به المتهم
يعد اعتداءا يعاقب عليه القانون حسبما ورد في المادة (16) عقوبات والمادة (47) من
قانون أراضي الدولة) فقام المتهم باستئناف الحكم حيث قبلت الشعبة الجزائية
الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم وبراءة المتهم وصحة التنازل وانه على هيئة الأراضي
تأجير المتهم الأرض محل النزاع، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي ان المتهم قام
بعرض التنازل على هيئة الأراضي للمصادقة عليه إلا أن الهيئة طلبت منه فض الشراكة
مع جاره) فقامت النيابة وأجير أرض الدولة بالطعن في الحكم الاستئنافي، إلا أن
الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم
المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الطعن ينعي
على الحكم المطعون فيه ان المتهم تقدم إلى الهيئة للمصادقة على التنازل حيث
طلبت الهيئة منه إبراز أصل العقد المشترك فيما بينه وبين المتنازل له الذي يبين
المساحة المتفق عليها فيما بينهما إلا أن المتهم رفض تقديم أصل العقد المشترك مما
تعذر معه المصادقة على التنازل اما قيام المتهم ببناء الجدار الساند فقد كان بإذن
الهيئة وموافقة الاشغال العامة، ولذلك فان هذا العمل يعد عملاً مشروعاً) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية تنازل المستأجر عن أرض الدولة :
المقصود
بذلك قيام المستأجر بالتنازل عن حقه في الإنتفاع بأرض الدولة بموجب عقد الإيجار
المبرم فيما بين المستاجر الاصلي وهيئة الاراضي، حيث يتنازل المستاجر الاصلي عن
حقه في الإنتفاع إلى غيره وذلك مقابل مبلغ معين يتم الاتفاق عليه فيما بين
المتنازل والمتنازل اليه، فالتنازل في هذه الحالة يكون قاصرا على حق الانتفاع
والاستئجار وليس التنازل عن ملكية الأرض المؤجرة لان التنازل عن ملكية الأرض يكون
باطلاً لانه صادر من غير المالك فالمالك للأرض هي الدولة التي تمثلها هيئة أراضي
الدولة كما ان التنازل عن ملكية أرض الدولة يكون في هذه الحالة جريمة وفقاً للمادة
(47) من قانون أراضي الدولة كما ان البيع في هذه الحالة يكون باطلاً بطلاناً
مطلقاً لا يترتب عليه أي أثر كما لايكون وسيلة تقادم أو ثبوت بمقتضى المادتين (7 و
17) من قانون أراضي وعقارات الدولة.
الوجه الثاني : التنازل المشروع للمستأجر عن أرض الدولة :
التنازل المشروع هو
الذي يتم وفقاً لما ورد في المادة (24)من قانون أراضي الدولة
حيث يجب ان يسبق هذا التنازل موافقة هيئة الأراضي وان يقوم المتنازل له بدفع رسم المأذونية وهو نسبة من المبلغ المدفوع
إلى المتنازل مقابل التنازل أو نسبة من الثمن الفعلي للارض وان يقوم بالتوقيع على
عقد الإيجار مع الهيئة وان يتم التأشير في سجلات الهيئة بان المتنازل اليه قد صار
المستأجر من الهيئة وان يتم التأكد من ان الهيئة لا تتحمل أية تبعات مالية أو
غيرها لهذا التنازل وان المتنازل قد تقاضي كافة حقوقه المتعلقة بالأرض المؤجرة،
علماً بان من حق الهية ان توافق أو لا توافق على التنازل لان ذلك حق مكفول لها
بموجب الدستور والقانون، لان الأصل عدم جواز التنازل عن أراضي الدولة من قبل
المستأجرين حتى لا تتحول أراضي الدولة محلا للمضاربة العقارية بين المستأجرين
والمتنازل اليهم، لان أراضي الدولة لها خصوصيتها التي تتمثل في اختلاف وظيفة أراضي
الدولة عن أراضي الافراد فأراضي الدولة لها اهداف إجتماعية واقتصادية...الخ بخلاف
اهداف الأراضي الخاصة التي يستهدف ملاكها فقط تحقيق اعلى معدل من الربح، وقد صرحت
المادة 24من قانون اراضي الدولة أنه لايكون التنازل عن حق الانتفاع بأرض الدولة
اية حجية إلا بعد إذن الهيئة وموافقتها.
الوجه الثالث : التنازل غير المشروع عن أراضي الدولة :
وهو التنازل الذي يتم
من غير موافقة هيئة الأراضي، وهذا التنازل باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا تترتب عليه
أية اثار حسبما ورد في المادة 24من قانون اراضي الدولة التي صرحت بان التنازل في هذه الحالة لاتكون له
اية حجية شرعية أو قانونية ، كما نصت المادة (17)
من القانون ذاته على ان (كل تصرف غير قانوني ينشأ أو يقرر حقاً عينياً
أصلياً أو تبعياً أو تأجيراً أو تمكيناً بأي صورة من الصور على أراضي وعقارات
الدولة يعتبر باطلاً ولكل ذي شأن التمسك بالبطلان أو طلب الحكم به ويتحمل المحكوم
عليه تكاليف ازالة البناء أو المزروعات أو الغروس القائمة على الأرض وغيرها من
الأعمال المخالفة بسبب هذا التصرف مع الزامه بالتعويض ان كان له مقتضى)،فالتنازل
عن حق الانتفاع بأرض الدولة تصرف يندرج في مفهوم التصرفات الواردة في النص الذي
قرر بطلانها، والله اعلم.