ملكية الدولة للأراضي الصحراوية والبور (الصلب)

 

ملكية الدولة للأراضي الصحراوية والبور (الصلب)

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

عندما ينص القانون على ملكية الدولة للجبال والهضاب والسوائل والمنحدرات والقلاع والمحميات الطبيعية والسواحل والشواطئ والاراضي الصحراوية والبور لا يعني ذلك ان مسئولي الدولة هم ملاك تلك الأراضي حسبما يفهم البعض، فهناك فرق بين الشخصية الاعتبارية للدولة التي تمثل الشعب باسره وبين من يتولى ادارة الدولة، فالقانون حينما ينص على ملكية الدولة  للأراضي المشار اليها فأن ذلك يعني ان الدولة أو الهيئة المعنية لذلك وهي هيئة الأراضي تتولى ادارة وحماية ورعاية تلك الأراضي العامة والمحافظة عليها وترشيد استعمالها والانتفاع بها بما يعود بالنفع المشترك على المواطنين جميعا،ً ولذلك فان الحفاظ على أراضي الدولة واجب جماعي على المواطنين جميعاً حسبما يصرح الدستور، لان المواطنين أصلاً هم المنتفعون بتلك الأراضي، فالاعتداء على أراضي الدولة اعتداء على حقوق كل  المواطنين بالانتفاع المشترك بأراضي الدولة، ومن الأراضي التي ينص قانون أراضي الدولة على انها من أملاك الدولة الأراضي الصحراوية والاراضي البور (الصلب) التي تتعرض للاعتداء عليها وتملكها من قبل بعض الأفراد وحرمان عامة المواطنين من حقهم الدستوري والقانوني في الانتفاع المشترك بها، والاعتداء على الأراضي البور والصحراوية يتم بحيل كثيرة، هذه المسائل المهمة تناولها الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/12/     2012 م في الطعن رقم (41877) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان خمسة اشخاص قاموا بالبناء على أرض صحراوية  فقامت هيئة الأراضي بتقديم الشكوى بهم إلى النيابة العامة التي قدمتهم للمحاكمة امام المحكمة الابتدائية التي قضت ببراءة المتهمين جميعا لانه قد ثبت لديها ان الأرض ليست صحراوية وإنما أراضي زراعية مملوكة للبائعين إلى المتهمين حيث قد تسللت البيوع فيها وتعددت قبل انتقالها للمتهمين، فقامت النيابة العامة باستئناف الحكم وقدمت الأدلة على أن الأرض المعتدى عليها عبارة عن كثبان رملية وأراضي صحراوية فقضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الاستئنافي وتقسيم الأرض محل النزاع إلى قسمين  قسم للدولة تتولى الهيئة تخصيصها للمشاريع الخدمية في المديرية والقسم الثاني أراضي زراعية مملوكة للأفراد الذين اشتروها من ملاكها السابقين ، فقام المتهمون  الذين تقع صارت اراضيهم  ضمن الجزء المحكوم به للدولة قاموا بالطعن بالنقض وكذا قامت النيابة العامة بالطعن بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية قضت بإقرار الحكم الابتدائي الذي قضى بعدم احقية الدولة في الأرض محل الخلاف وبراءة المتهمين جميعاً وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي الذي قضى بعدم صحة احتجاج النيابة بان الأرض محل  الخلاف صحراء وكثبان رملية وبما ان الحكم الاستئنافي قد قضى بتاييد الحكم الابتدائي الذي قضى بدوره ببراءة المتهمين جميعا  فانه لا يجوز للشعبة ان  تقتطع جزء من تلك الأرض للمشاريع الخدمية في المديرية لان ذلك يخالف المادة (443) إجراءات التي تنص على انه اذا تم قبول الطعن وكان مؤسساً على أن الحكم المطعون فيه قد  بني على مخالفة القانون او على خطأ في تطبيقه تصحح المحكمة الخطأ وتحكم بمقتضى القانون، وحيث ان الشعبة قد قضت في منطوق حكمها بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءة المتهمين جميعاً من التهمة المنسوبة اليهم وهي الاعتداء على ملك الدولة فان اقتطاع مساحة من الأرض محل الخلاف يخالف الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : مفهوم الأراضي الصحراوية والأراضي البور والأراضي الموات وملكية الدولة لها:

الأراضي الصحراوية هي الأراضي غير الزراعية أي انها أراضي صحراوية بطبيعتها أو انها تصحرت بمرور الزمن، اما الأراضي الصلب فهي أصلا أراضي زراعية لكن اصحابها تركوا او اهملوا زراعتها  اما بسبب هجرتهم من مكانها أو عدم وجود مستأجرين لها أو غير ذلك، وقد عرّف قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة (2) الأراضي الزراعية بانها : الأراضي المزروعة فعلاً أو المهيأة للزراعة، وعرف القانون الأراضي البور بانها : الأراضي الزراعية المهملة أو المتروكة، وعرف الأراضي الصحراوية بأنها : الأراضي الرملية أو المغطاة بطبقة رملية ، اما قانون السجل العقاري فقد قسم العقارات بحسب ملكيتها إلى عقارات عامة تملكها الدولة وعقارات خاصة يملكها الأفراد حيث نصت المادة (2) من ذلك القانون على ان (تنقسم العقارات إلى: أ- عقارات خاصة تعود ملكيتها إلى الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة- ب- عقارات عامة تعود ملكيتها إلى الدولة أو إلى احدى اجهزتها أو مؤسساتها العامة اما بالامتلاك العادي أو بحكم طبيعة العقار أو وظيفته كما في حالة الانهر والسواحل والطرق العمومية والأراضي الموات والجبال وغيرها) وفي السياق ذاته تنص المادة (118) مدني على ان (ينقسم المال إلى قسمين عام وخاص، فالمال العام هو كل مال تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة ويكون مخصصاً للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار، وهذا المال لا يجوز التصرف فيه أو الحجز عليه ولا تملك الأشخاص له بأي وسيلة مهما بقى عاماً ويجوز للأشخاص الانتفاع به فيما أعد  له طبقاً للقانون وما عدا ذلك من المال فهو مال خاص سواء تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو تملكه احاد الناس) ونلاحظ ان تعريفات قانون أراضي وعقارات الدولة غير منضبطة، فمثلاً تعريف الأراضي الزراعية بانها الأراضي المهيأة للزراعة فهذا المصطلح (التهيئة) بحاجة إلى تعريف وكذلك الحال بالنسبة لتعريف الأراضي البور بانها  الأراضي الزراعية المهملة أو المتروكة فلم يجدد وقت الترك أو الاهمال حيث يتيح هذا المصطلح لاحفاد الملك شمر يهرعش وغيره من الاقوام القديمة المطالبة بالأراضي التي ترك زراعتها  اولئك الاقوام القديمة,وكذلك الحال بالنسبة لتعريف الأراضي الصحراوية، ولذلك فان مصطلح الأراضي الموات كان الانسب والأكثر انضباطاً إضافة إلى ان هذا المصطلح شامل لكل الأراضي غير الزراعية، ومن خلال ما تقدم من نصوص يظهر أنها تقرر ملكية الدولة للأراضي الصحراوية والأراضي الموات كما صرح قانون أراضي وعقارات الدولة في الفقرة (د) من المادة (6) على ان الأراضي البور ملكاً للدولة ايضا حيث نصت الفقرة المشار اليها على انه (تعد من أراضي الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما يلي :-د- الأراضي البور والأحراش والغابات مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد).

أما الفقه الاسلامي فهو يستعمل للمراهق العامة مصطلح منضبط وهو مصطلح  (الأراضي الموات) فهذا المصطلح أكثر شمولاً من مصطلحات الأراضي الصحراوية أو الأراضي البور أو الجبال والاكام والمنحدرات وغيرها، فالأراضي الموات في تعبير الفقهاء هي الأراضي الموات بطبيعتها كالأراضي المالحة التي لا تزرع أو تلك التي انحسر البحر عنها أو الاراضي الصحراوية أو الجبال والمنحدرات وغيرها من المراهق العامة كما يندرج ضمن الأراضي الموات في مصطلح الفقهاء الاراضي التي ترك زراعتها اصحابها بدون زراعة كأراضي قوم عاد وسبأ وغيرهم من الاقوام ولهذا المفهوم يقسم الفقهاء الاراضي الموات إلى حمى عام وحمى خاص فالحمى الخاص يكون مخصصا لللقرى كالمحاطب والمراعي  الحمى الخاص بالمصالح كالسدود والابار حيث يكون هذا الحمى مخصصا لتلك القرى أو المصالح أما الحمى العام فيكون للامة كلها (تفسير آيات الأحكام، القطائع أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ275).

الوجه الثاني : ملكية الأراضي البور أو الصالبة :

سبق القول بان قانون أراضي الدولة قد عرف الأراضي البور في المادة (2) بأنها : الأراضي الزراعية المهملة أو المتروكة، ونص القانون ذاته في المادة (6) على أنه : تعد من أراضي الدولة الأراضي البور والأحراش والغابات مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد، وبناءً على التعريف الوارد في القانون للأراضي البور نجد أنه ينطبق على الأراضي الزراعية الصالبة التي ترك اصحابها زراعتها أو اهملوا أو تركوا زراعتها إلا أن المادة (6) قد حددت ما يعد من الأراضي البور أو الصالبة من أراضي الدولة وما يعد ملكاً للأفراد حيث نصت على أن الأراضي البور لا تكون ملكاً للدولة إلا اذا لم يتعلق بها ملك ثابت لأحد الأفراد، وبناءً على ذلك فان الأراضي الصالبة التي توجد وثائق ملكية تحكي ملكيتها لأصحابها لا تكون من أملاك الدولة وإنما ملك لاصحابها المذكورين في وثائق ملكيتها، اما الأراضي البور أو الصالبة التي ليست ملكيتها ثابتة للأفراد بمستندات فأنها تكون من أراضي الدولة.

الوجه الثالث : الحيل المتبعة للاستيلاء على الأراضي الصحراوية والبور :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى تكرار وتسلسل التصرفات وتقارب تواريخها، حيث يعمد الباسطون والمتهبشون على اراضي الدولة وغيرها بغرض الاستيلاء على الأراضي الصحراوية والبور وغيرها إلى إجراء تصرفات متكررة ومتقاربة على الأرض التي يستولوا عليها،فمثلا يقوم المتهبش  بالاستيلاء على أرض الدولة ثم يقوم ببيعها إلى آخر فيقوم الآخر ببيعها إلى غيره وهكذا كما قد يقوم المتهبشون  على الأراضي البور بتأجير الأرض إلى شخص وبعد مدة يقوم المتهبش بتأجيرها على غيره ،وفي بعض الأحيان يقوم المتهبشون على الأراضي بافتعال نزاع بينهم بشان الأرض التي يستولوا عليها ثم يقوم باللجو إلى محكم او القضاء للحصول على احكام باحقيتهم للأرض التي تهبشوا عليها ،  فبمرور المدة تظهر الأرض بانها ملك ثابت للمتهبش في حين انها في الأصل من الأراضي الصحراوية أو البور المملوكة للدولة، كما يعمد بعض البساطين والمتهبشين إلى وضع اشياء في الأراضي البور أو الصحراوية تثبت حيازتهم كوضع حجارة أو سيارة تالفة أو بناء شعبي وغير ذلك مما يستدل به على حيازة المتهبشين، وبعد ذلك يقول المتهبش : انه ثابت على الأرض  التي استولى عليها نابت فيها، ومما يستدل به على هذه التصرفات المفتعلة بقصد الاستيلاء على أراضي الدولة والغير هو تقارب تواريخ هذه التصرفات، وصدورها من أشخاص أو عصابات معروفة ومشهورة بالاستيلاء على أراضي الدولة وغيرها.

الوجه الرابع: سبب نقض الحكم الاستئنافي:

قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم الاستىنافي لأنه متناقض، فقد قضى بتاييد الفقرة التي قضت ببراءة المتهمين جميعا من الاعتداء على أرض الدولة وهذا يعني أن الأرض ليست أرض الدولة، وفي الوقت ذاته قضى الحكم الاستئنافي بأن قسم من الأرض محل النزاع هى أرض الدولة وهذا تناقض مبطل للحكم ،والله اعلم. 



الأسعدي للطباعة ت : 772877717