اثر نقص قيمة النقود على الشفعة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
المعلوم في الشفعة ان الشفيع يدفع ثمن الأرض المشفوعة بحسب الثمن المذكور في وثيقة
بيع الأرض المشفوعة إلا أن الشفيع قد يتأخر في طلب الشفعة توفي دفع القيمة إلى وقت
يتغير فيه سعر العملة وقوتها الشرائية حيث تنقص قيمة العملة وقوتها الشرائية، وفي
هذه الحالة قضى الحكم محل تعليقنا بانه
ينبغي تقويم ثمن الارض بسعر وقت دفع الثمن إلى المشفوع منه وليس بالثمن المذكور في بصيرة شراء المشفوع
منه، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 29/1/2008م في الطعن رقم (29129) وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان الشفيع طلب الشفعة الا انه ظل يماطل في دفع الثمن إلى
المشفوع منه،وقد قضت المحكمة الابتدائية بالزام الشفيع بدفع ثمن الأرض المشفوعة
وتوابعه المذكور في بصيرة شراء المشفوع منه ، فقام المشفوع منه باستئناف الحكم
وذكر في استئنافه أن الثمن المذكور في البصيرة لم تعد له قيمة في وقت صدور
الحكم،فقضت الشعبة المدنية بتعديل منطوق الحكم الابتدائي بحيث يكون المنطوق :الزام
الشفيع بدفع الثمن إلى المشفوع منه بحسب قيمة الأرض في وقت دفع الشفيع للثمن إلى
المشفوع منه او بحسب سعر الدولار في تاريخ شراء المشفوع منه، فلم يقبل الشفيع بذلك
فقام بالطعن بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي،
وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وعليه فان ما اثاره الطاعن في عريضة الطعن
في غير محله، حيث تبين للدائرة ان الحكم الاستئنافي قد اضاف إلى الحكم الابتدائي
احتساب ثمن القصبة وقت التنفيذ أو بسعر
الدولار وقت التنفيذ، فذلك عين الصواب لصحة ما استند اليه الحكم المطعون فيه وهو
نص المادة (1280) مدني، فالطاعن هو المتسبب فيما صار اليه قضاء الحكم الاستئنافي لإهمال الطاعن وتراخيه في طلب الشفعة ثم
امتناعه عن دفع الثمن بعد طلبه الشفعة لعدة سنوات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : السند
القانوني للحكم بإحتساب ثمن الأرض المشفوعة بسعر تاريخ تسليم المبلغ للشفيع :
استند الحكم محل
تعليقنا في ذلك إلى المادة (1280) مدني التي نصت على انه (اذا تأخر طلب الشفعة إلى
وقت نقصت فيه او زادت قيمة النقود التي جرى التعامل بها غير الذهب والفضة لزم ان
يؤدي مقدار قيمة العوض ويستعان في التقدير بالمقومين العدول ولا اثر للزيادة في
قيمة العين المشفوعة أو نقصانها) حيث يفهم من هذا النص استحقاق المشتري المشفوع
منه للفارق في سعر العملة خلال الفترة ما بين شرائه للأرض واستلامه لثمنها من
الشفيع.
الوجه الثاني :
المقصود بتأخر الشفيع عن دفع ثمن الأرض حين شراء المشفوع منه لها :
المقصود بالتأخير هو
التأخير الذي لا يسقط الحق في طلب الشفعة كأن لايعلم الشفيع بالشراء الا بعد مضي
مدة طويلة، أي أن يكون التأخير بسبب تأخر
علم الشفيع بالبيع كما قد يكون التأخير راجعاً إلى تقاعس الشفيع عن دفع ثمن الأرض
المشفوعة إلى المشفوع منه وقت طلبه الشفعة، كما لو ماطل الشفيع أو تقاعس عن دفع
الثمن كما قد يتحقق التأخير بالامربن معا مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم
محل تعليقنا، فأي تأخير من الشفيع حتى لو كان مقبولا قانوناً يجعل المشفوع منه
مستحق للعوض الناتج عن التأخير.
الوجه الثالث : تقدير
العوض المستحق للمشفوع منه نتيجة تأخر الشفيع عن دفع الثمن في حينه :
النص القانوني السابق
ذكره وهو المادة (1280) مدني صرحت بان تقدير هذا العوض يتم عن طريق عدول من اهل
الخبرة والاختصاص في مجال بيع وشراء الأراضي، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى
معيارين ضابطين لهذا التقدير وهما معيار قيمة الأرض المشفوعة ذاتها خلال الفترة
مابين قيام المشفوع منه بشرائها وقيمتها في
تاريخ قيام الشفيع بسداد المبلغ بالفعل،وهذا المعيار اكثر عدلا وانضباطا، والمعيار
الثاني الذي اشار إليه الحكم محل تعليقنا هو معيار نسبة التغير في سعر الدولار ما
بين تاريخ شراء المشفوع منه وقيام الشفيع بدفع الثمن بالفعل، ولذلك لاحظنا ان
الحكم محل تعليقنا قد قضى بان يدفع الشفيع مبلغ اربعة مليون ريالا عن كل قصبة في
حين كانت قيمة الأرض المبيعة كاملة في تاريخ شراء الشفيع هي مائة الف ريال فقط.
الوجه الرابع : نطاق
تطبيق الزام الشفيع بدفع عوض التأخير :
من خلال مطالعة نص
المادة (1280) مدني ومطالعة الحكم محل تعليقنا يظهر نطاق تطبيق عوض التأخير، فعوض
التأخير لا يتم تطبيقه اذا كان التأخير في الدفع راجعا إلى المشتري المشفوع منه فاذا
لم يسلم بالشفعة المستحقة شرعاً وقانوناً حين طلبها من الشفيع ونازع في ذلك وطال
امد النزاع حتى ارتفعت قيمة الأرض فلايحق للمشتري المشفوع منه المطالبة بعوض
التأخير لان سبب التأخير يرجع اليه، كما ان مجرد ارتفاع سعر الأرض المشفوعة بعد
تاريخ شرائها لا يبرر المطالبة بالفارق حسبما صرحت المادة (1280) مدني، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717