تصرف الغير في ارض الوقف باطل

 

تصرف الغير في ارض الوقف باطل

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

يلجأ بعض الاشخاص الى وسائل وحيل للاستيلاء على اموال الوقف بحيل شتى منها التواطؤ على بيع الوقف اكثر من مرة حتى تظهر اراضي الوقف بعد عدة تصرفات كما لو انها ليست من اموال الوقف حيث يتواطأ البائع مع المشتري على بيع ارض الوقف وبموجب وثيقة البيع يقوم المشتري ببيعها الى اخر حتى تظهر مستندات عدة تثبت ان الارض ليست من الاوقاف, وقد ذكرنا ان اكثر الاوقاف عرضة للاستيلاء عليها  هي رهق الوقف, وفي حالات كثيرة يتم التصدي لهذه المحاولات فتنكشف المؤامرات على الاستيلاء على ارض الوقف, وعندئذ يحكم القضاء بأن تلك التصرفات باطلة مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 25/12/2010 في الطعن الشخصي رقم (40186) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع هذه القضية في ان شخصا قام ببيع مساحة من رهق ارض الوقف في مدينة ثانوية فشرع المشتري بالبناء على الارض فقام مدير الاوقاف بالمديرية برفع دعوى مدنية امام المحكمة الابتدائية وابرز امام المحكمة الوقفية التي تثبت ان الارض الملاصقة للأرض المبيعة من رهق ارض الاوقاف بموجب الوقفية وبناء على ذلك فان الرهق الملاصق لأرض الوقف تابع للأرض الموقوفة فرد البائع الذي تم ادخاله في الدعوى بان الرهق ليس تابع للأرض الموقوفة وانها ارض مستقلة عن رهق الوقف وانها ملكه  وبعد حين افاد بان تلك الارض وقف خاص وان الواقف لها هو جده وانه الناظر على ذلك الوقف الا انه لم يقدم الادلة التي تدل على ذلك فقامت المحكمة الابتدائية بالمعاينة للأرض محل النزاع وتطبيق الوقفية على الواقع حيث وجدت المحكمة ان الوقفية شاملة لأصل الوقف والرهق وان الوقفية قد حددت مساحة الرهق التابع  للأرض الموقوفة وتم تطبيق الوقفية بحدود الارض الموقوفة وتبين ان الارض التي شرع المشتري  بالبناء فيها من الرهق التابع لأرض الوقف وبموجب ذلك حكمت المحكمة الابتدائية (بقبول دعوى مدير الاوقاف وابطال عقد بيع الارض الواقعة في رهق الوقف والزام المشتري الذي شرع بالبناء في الارض باستئجار تلك الارض التي بنى عليها من وزارة الاوقاف اذا سمحت الوزارة بذلك) وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (وعند انتقال المحكمة الى الارض محل النزاع فقد تبين من خلال الوثائق المقدمة من الاطراف ومن خلال النظر بان المدعى عليه قد اشترى الارض محل النزاع من البائع له مساحة 30×60 متر  ارض بناء في مراهق ارض الوقف المذكورة في مسودة الاوقاف بعد ان تم تطبيق مسودة الاوقاف بحدودها الاربعة على الواقع ) فلم يقبل البائع والمشتري بالحكم الابتدائي حيث قاما باستئناف الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف التي رفضت الاستئناف وقضت (بتأييد الحكم   الابتدائي وتقرير كيدية الخصومة وتغريم المستأنفين بمبلغ خمسين الف ريال مصاريف تقاضي للأوقاف واعادة الاوراق الى المحكمة الابتدائية للتنفيذ المعجل) وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان المستأنفين عجزا عن اثبات خلاف ما ورد في مسودة الاوقاف ومن الدليل على الكيد والتحايل بين البائع والمشتري ان البيع والشراء جرى على مساحة رقمية 30×60 وعدم ذكر نوع الارض المبيعة وقف ام حر وكيف صارت الى البائع الذي ادعى لاحقا ان الارض وقف خاص وان النظارة له) فلم يقتنع البائع والمشتري فقاما بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (كان الاطلاع على ملف القضية حيث تبين ان الطاعن يصف الحكمين الابتدائي والاستئنافي بالبطلان في اجراءاتها لبنائهما على دعوى مجهولة جهالة فاحشة وذلك لعدم تحديد المدعى به من الجهات الاربع, والدائرة : تجد ان ما ذكره الطاعن قد سبق له اثارته امام محكمة الاستئناف التي ردت عليه في اسباب الحكم الاستئنافي  بان القول : بعدم صحة الدعوى من الاوقاف لعدم تعيين المدعى به تثبت ان المستأنفين لم يستطيعا اثبات خلاف ما ورد في مسودة الاوقاف زد على ذلك تحريرهما وثيقة شراء ارض بمساحتها الرقمية وعدم ذكر نوع الارض ثم الادعاء بان الارض حر ثم القول بانها وقف خاص وان النظارة للبائع بعد ان ادعى البائع قبل ذلك بان الارض ملكه, ولذلك فان تعليل الحكم الاستئنافي في محله فهو عين الصواب) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : بطلان بيع ارض الوقف :

من اركان عقد البيع ان يكون البائع مالكا للمال الذي يبيعه حسبما هو مقرر في الشريعة والقانون وحيث ان المالك للوقف هو الله سبحانه وتعالى وحيث ان الواقفين يقررون في وقفياتهم بان المال الموقوف منهم ملك لله سبحانه وتعالى وان هذا المال لا يباع ولا يشترى وانه موقوف ومحبوس عن البيع والشراء حتى يرث الله الارض ومن عليها, ولذلك فان بيع الوقف منعدم وليس باطل فحسب (الوقف, محمد ابو زهرة ص83)

الوجه الثاني : جريمة الاعتداء على ملك الوقف وعلاقتها ببيع مال الوقف :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المشتري كان قد شرع بالبناء في ارض الوقف وهذا الفعل يعد من قبيل جريمة الاعتداء على ملك الغير لان البناء في ارض الوقف يكون فيه هدم وحفر وغيرها وهذه الافعال تعد من افعال جريمة الاعتداء على ملك الغير بموجب المادة (321) عقوبات, والجاني في هذه الحالة هو الذي يقوم بالبناء او الاحياء في رهق الاوقاف, فبموجب هذا النص العقابي العام  فان التجريم قاصر على الشخص الذي يقوم باستحداث اية افعال في رهق الوقف فلا يمتد نطاق التجريم الى مجرد عملية البيع والشراء في ارض الاوقاف, ولذلك فان قانون الوقف الشرعي قد استدرك هذا القصور في التعديلات التي جرت على القانون عام.   2008 م   حيث تم استحداث المادة 87 مكرر التي نصت على انه (مع مراعاة احكام المسئولية المدنية ومع عدم الاخلال باي عقوبة اشد ينص عليها قانون اخر يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ثلاث سنوات ولاتزيد عن سبع سنوات كل من تصرف تصرفا ناقلا لملكية عين من الاعيان الموقوفة ببيعها حرا او غيره من التصرفات او ساهم بكتابة عقد او محرر عن علم بذلك في غير حالات الاستبدال المنصوص عليها في هذا القانون)فبمقضي هذا النص القانوني صار التصرف في مال الوقف جريمة يعاقب عليها القانون بل انه يعاقب على مجرد قيام الامين الشرعي او الكاتب بتحرير اية وثيقة تتضمن المساس بملكية الوقف ؛ وقد احسن المقنن  حينما استحدث هذه المادة حتي يتم ردع  كل من تسول له نفسه التصرف بمال الوقف.

الوجه الثالث : الزام المعتدي باستئجار الارض التي اعتدى عليها :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي قد قضى بان يقوم المشتري الذي شرع بالبناء في ارض الوقف باستئجار تلك الارض من الاوقاف فلم يلزمه  الحكم بإزالة البناء الذي احدثه في ارض الوقف باعتباره معتديا, لان المعتدي سيء النية, والقانون يقرر ان المعتدي على ارض الغير بالبناء يجب عليه ان يزيل البناء الذي احدثه على نفقته, فلا يجوز في القانون الابقاء على البناء المحدث في الارض الا اذا كان الباني حسن النية لا يعلم ان الارض ليست ملك البائع, وربما ان الحكم قد اعتبر المشتري حسن النية لأنه ظل الى نهاية  مراحل التقاضي معتقد ان الارض ملك البائع, ولكن من وجهة نظرنا ان المشتري كان سيئا النية بعد ان علم بان الارض وقف وتأكد له ذلك بصدور الحكم الابتدائي، والله اعلم.