تسليم الأرض المبيعة والتعرض للمشتري
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تثير
عملية تسليم الأرض المبيعة إلى
المشتري وتعرض الغير واعتدائهم على الأرض بعد تسليمها للمشتري تثير اشكاليات كثيرة
تحتاج إلى الاشارة إلى موقف القضاء اليمني منها وكيف ينظر اليها وكيف يحكم في هذه
المسائل لما لذلك من أهمية، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/1/2013م في الطعن
المدني رقم (46936) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان احد الاشخاص
قام ببيع عشر لبن إلى شخص اخر بموجب
البصيرة المحررة من قبل الأمين الشرعي المختص وعندما باشر المشتري الحفر والبناء
على الأرض تعرض له مجموعة من المدعين حيث قاموا بتهديم البناء ومنع المشتري من
مواصلة البناء وقد ترتب على ذلك دخول المشتري
في منازعات مع المتعرضين تكبد بسببها مبالغ طائلة، ولذلك فقد تقدم المشتري
بدعواه إلى المحكمة الابتدائية مطالباً البائع بتسليم ثمن الأرض بسعر الزمان
والمكان مع فارق سعر الصرف فاجاب البائع على الدعوى بأنه باع إلى المشتري الارض
واستلم المشتري الأرض التي كانت في حيازة البائع لمدة طويلة وان البائع استلم
الثمن وان المشتري شرع في الحفر والبناء على الأرض وانه بعد تاريخ البيع بثلاث
سنوات حضر اليه المشتري مدعياً بان هناك شخص يدعي ملكية الأرض فقام البائع بمساعدة
المشتري في حسم القضية عن طريق التحكيم حيث صدر حكم تحكيم فيما بين المشتري والشخص
المتعرض قضى بعدم احقية المتعرض وتم تشريف الحكم من الطرفين، وقد توصلت المحكمة
الابتدائية إلى رفض الدعوى لان المشتري قد تسلم المبيع في حينه من غير معارض في
وقت التسليم وخلال المدة التالية لذلك وان التعرضات والاعتداءات على الارض لم تكن
بسبب يرجع الى البائع المدعى عليه حسبما ورد في اسباب الحكم. فقام المشتري
باستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة المدنية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم
الابتدائي، فلم يقنع المشتري فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن
الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم
المحكمة العليا ( بعد الاطلاع على الأوراق
مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة أن الطعن قد بني على أسباب واهية لا تندرج تحت اية
حالة من حالات الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات لذلك فهي غير
مؤثرة في صحة الحكم المطعون فيه كما ان الحكم المطعون فيه قد جاء موافقا للشرع والقانون حيث بني على اسباب سائغة
مبنية على اساس صحيح حيث ورد في أسباب الحكم المطعون فيه ان معارضة الغير للمشتري
ان صحت لا ترجع إلى فعل البائع المدعى عليه او تواطؤه مع الغير فالمدعى عليه لم
يكن له يد في ذلك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : إشكالية تسليم الأرض في اليمن وتوصيتنا للجهات المختصة :
من القواعد المستقرة
في الشرع والقانون ان تمام البيع هو التسليم أي استلام البائع الثمن واستلام المشتري
الأرض، فقد كان هذا التسليم يتم تدوينه في البصيرة وثيقة البيع للتأكيد على تمام
البيع، فذلك يعني أن البائع والمشتري والأمين الشرعي والمهندس المختص قد قاموا
بمعاينة الأرض ومساحتها، وتسليم الأرض في الفقه الإسلامي يتحقق بالتخلية الشرعية
وهي تخلي البائع عن الأرض المبيعة للمشتري وقوله للمشتري (دونك هذه الأرض أو قد
صارت لك هذه الارض من غير معارضة) اما في القانون فقد ابتكر رجال القانون
قاعدة ان (التسجيل للعقار يقوم مقام تسليمه) وهو التسجيل العيني او التسجيل
العقاري او الشهر العقاري الذي يتضمن التأشير في السجلات الرسمية بانتقال العين
المبيعة إلى المشتري الجديد حيث يكون لهذا التسجيل الحجية الكاملة في مواجهة
الكافة بخلاف البصيرة غير المسجلة التي تكون حجيتها قاصرة على طرفيها اي البائع
والمشتري فقط، لكن الاشكالية في اليمن تكمن في حداثة الشهر العقاري وقلة العقارات
المسجلة، ولذلك فان تسليم الأرض في اليمن يتم عن طريق تعليق عملية البيع على
التسليم الفعلي للأرض حيث يقوم البائع بإيداع وثائق الملكية لدى الأمين ويقوم
المشتري بإيداع الثمن او جزء منه لدى الأمين الشرعي ثم يقوم المشتري بالحفر على
الأرض أو تسويرها فاذا تم ذلك من غير اعتراض او مشاكل يتم تحرير عقد البيع، ومع
ذلك تحدث اشكاليات لا حصر لها بعد هذه العملية بأيام أو باشهر وفي بعض الاحيان
تحدث بعد سنوات، ولذلك فليس هناك بديل افضل واسلم من تسليم الأرض عن طريق التسجيل
العيني او التسجيل العقاري وبناء على ما تقدم اذا اتفق المشتري
والبائع على ان يتم تسليم الأرض المبيعة بطريقة قيام المشتري بجرح الأرض أو البناء
عليها فان هذا الاتفاق يقلص من ضمان التعرض الذي يقع بعد استلام الأرض بهذه
الطريقة، وفي هذا الشأن نصت المادة (547) مدني على أنه (يجب على المشتري عند تسلمه
المبيع (قبضه ) ان يتحقق من حالته بمجرد ان يتمكن من ذلك وفقاً للمألوف في التعامل
فاذا كشف عيباً مما يضمنه البائع وجب عليه أن يخطره به خلال مدة معقولة يتمكن فيها
من اخطاره فان لم يفعل اعتبر قابلاً للمبيع) علما بان اكثر مشاكل الاراضي في اليمن
تحدث بسبب عدم نظامية تسليم الاراض عند بيعها ،ولذلك نوصي الجهات المختصة باتباع
طريقة التسليم عن طريق التسجيل العقاري بدلا عن التسليم غير النظامي.
الوجه الثاني : ضمان التعرض للمشتري بعد استلامه للأرض :
لا شك ان البائع يضمن
للمشتري عدم تعرضه هو وكذا عدم تعرض الغير
للمشتري اذا كان ذلك التعرض ناتج عن تصرف البائع للغير، كما يضمن البائع استحقاق
المبيع للغير اذا ظهر ان المبيع ملك غير البائع بحكم شرعي حسبما ورد في المادتين
(537 و 538) مدني كما لا يضمن البائع التعرض المادي للغير، وبتطبيق ما ورد في هذه
النصوص على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان التعرض للمشتري لم يكن
من البائع كما أنه لم يتم استحقاق العين بحكم قضائي شرعي،ولذلك لم يقبل الحكم محل
تعليقنا دعوى الضمان المرفوعة من المشتري ضد البائع، والله اعلم.