تناقض منطوق الحكم

 

تناقض منطوق الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قضى الحكم محل تعليقنا بان تناقض منطوق الحكم يبطله وان محكمة الاستئناف اذا ما قضت بإلغاء الحكم الابتدائي بكل فقراته فإنها عندئذ لاتملك   ان  تحكم  بأي فقرة طالما وقد قضت بالغاء الحكم  الابتدائي بكل فقراته ، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2015م في الطعن رقم (56254) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عاملة في بنك رفعت دعواها أمام اللجنة التحكيمية العمالية مدعية: بان البنك الذي كانت تعمل فيه قد قام بفصلها تعسفيا،ً فأجاب البنك بان المدعية متهمة أصلاً في قضية جنائية (اختلاس) والقضية رهن التحقيق وان البنك قد قام بفصلها على خلفية هذه القضيةالجنائية، وقد توصلت اللجنة التحكيمية إلى القرار بان المدعية تستحق كل المبالغ التي طلبتها في دعواها بما في ذلك عدم جواز فصل المدعية قبل انتهاء التحقيق والتصرف فيه طبقاً للقانون واستحقاق المدعية لنصف الراتب حتى يتم  التحقيق والتصرف فيه، فقام البنك باستئناف قرار اللجنة التحكيمية أمام الشعبة المدنية التي توصلت إلى الحكم في الفقرة الأولى من المنطوق بإلغاء قرار اللجنة التحكيمية بكل فقراته وفي الفقرة الثانية قضت بإلزام البنك بدفع نصف راتب المدعية حتى يتم الانتهاء من التحقيق في التهمة المنسوبة لها، فلم يقبل البنك بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض جزئيا في الحكم الاستئنافي في الفقرة الخاصة بالزام البنك بدفع نصف راتب العاملة حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن الجزئي  وقضت بنقض الفقرة محل طعن البنك وهي الحكم للمدعية بالاستمرار بصرف نصف راتبها، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فان الدائرة تجد ان ما نعى به الطاعن في طعنه الجزئي من تناقض منطوق الحكم المطعون فيه بعضه مع بعض حيث قضى بإلغاء قرار اللجنة التحكيمية بكل فقراته وذلك في الفقرة الأولى من منطوق الحكم الاستئنافي ثم قضى في الفقرةالثانية بالزام الطاعن بدفع نصف راتب للمطعون ضدها، فالدائرة تجد ان هذا النعي في محله وله سنده في الأوراق والقانون، لان الثابت من الحكم المطعون فيه ان الشعبة الاستئنافية قضت ببطلان كل فقرات قرار اللجنة التحكيمية لانه تم النطق به من قبل الاقلية من هيئة اللجنة التحكيمية كما قضت الشعبة بإعادة ملف القضية الى اللجنة التحكيمية لتصحيح إجراءاتها شكلاً وموضوعاً ثم قضت الشعبة في الفقرة الثانية من منطوق الحكم المطعون فيه بالزام الطاعن بصرف نصف راتب المطعون ضدها وهي الفقرة محل الطعن الجزئي للطاعن وحيث ان ورود تلك الفقرة قد صار مناقضاً لبقية الفقرات الواردة في منطوق الحكم ومع الأسباب ومخالفاً للقانون إذ أن بطلان الحكم الصادر من اللجنة التحكيمية يقتضي إعادة القضية برمتها إلى اللجنة التحكيمية لتصحيح إجراءاتها شكلاً وموضوعا،ً ولذلك فان الشعبة لا تملك بعد ذلك ان تقضي بما قضت به في الفقرة الثانية من الزام الطاعن بدفع نصف راتب للمطعون ضدها )، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تناقض فقرات منطوق الحكم :

المقصود بتناقض منطوق الحكم هو وجود فقرة أو فقرات من منطوق الحكم يفهم منها انها تمنع من قيام فقرات اخرى (نظرية الأحكام، استاذنا المرحوم الدكتور أحمد أبو الوفاء صـ821) مثلما وقع في الحكم الاستئنافي الذي نقضه الحكم محل تعليقنا فقد ورد في الفقرة الأولى من الحكم الاستئنافي الغاء قرار اللجنة العمالية بكل فقراته بما فيها الفقرة التي كانت قد قضت بالزام البنك بتسليم العاملة نصف راتبها مادام انها لازالت رهن التحقيق وبعد هذه الفقرة قضت الفقرة الثانية من الحكم الاستئنافي بإلزام البنك بدفع نصف راتب للعاملة الموقوفة رهن التحقيق وهذا تناقض لان الفقرة الأولى مانعة من اعمال الفقرة الثانية لان قضاء الحكم الاستئنافي كان بإلغاء قرار اللجنة التحكيمية كلية فلا يستقيم مع هذا القضاء الحكم بإلزام البنك بدفع راتب العاملة ما دامت رهن التحقيق.لان الغاء الحكم الابتدائي كلية يقتضي اعادة القضية بكل تفاصيلها إلى المحكمة الابتدائية لنظرها من جديد وتصحيح الاجراءات التي لاتستطيع محكمة الاستئناف اصلاحها اصلا ,لان الحكم الابتدائي في هذه الحالة باطل غير قابل للتصحيح. 

الوجه الثاني : جزاء تناقض فقرات منطوق الحكم في قانون المرافعات :

يقرر قانون المرافعات البطلان جزاءً لتناقض الحكم سواء تناقض المنطوق مع بعضه أو  مع الأسباب، وفي هذا المعنى تنص المادة (221) مرافعات على أنه ( أ- يجب ان تكون الأحكام مسببة والا تتناقض الأسباب مع بعضها أو مع المنطوق والا كانت باطلة) وقد استند الحكم محل تعليقنا في إبطاله للحكم الاستئنافي  إلى  هذا النص.

الوجه الثالث : مصير راتب العامل اثناء التحقيق معه :

اذا كان التحقيق مع العامل في قضايا وقعت بسبب عمله فأنه يجوز إيقافه عن العمل وصرف 50% من اجره حتى  يتم الفصل في قضيته حسبما ورد في المادة (98) عمل، وهناك إشكالية واقعية يتكرر حدوثها بسبب اطالة اجراءات التحقيق الجنائي وطول مدتها حيث يكون العامل رهن التحقيق في حين يظل راتبه مستمرا من غير  أن يعمل  ، ولذلك يلجاء صاحب العمل في بعض الحالات إلى اجراء تحقيق اداري في القضية الجنائية المنسوبة العامل عملاً بمبدأ استقلال المسألة التأديبية أو الادارية عن المسألة الجزائية ،وبناء على ذلك يتوصل رب العمل إلى فصل العامل ادارياً قبل ان تنتهي النيابة من اجراءات التحقيق الجنائي،في حين  يتمسك العامل بان النص القانوني السابق ذكره قد قرر استمرار صرف راتب العامل الموقوف على ذمة التحقيق  حتى تنتهي النيابة من التحقيق،اما رب العمل فيتمسك بان التحقيق الاداري مستقل عن التحقيق الجنائي وكذا تستقل المسأئلة الجزائية عن المسائلة الادارية وبموجب ذلك يرى صاحب العمل أنه يحق له فصل العامل قبل ان تنتهي النيابة العامة من التحقيق الجنائي مع العامل المتهم،طالما وقد اثبت التحقيق الاداري المسئولية الادارية للعامل، والله اعلم.