تناقض القانون في اشتراط طلب اولياء الدم القصاص

 

تناقض القانون في اشتراط طلب اولياء الدم القصاص

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صناء

من المسلم به أن قتل المسلم المعصوم يجتمع فيه الحق العام والحق الخاص وهو حق أولياء الدم ،وذلك يقتضي أن يقوم كل صاحب برفع دعوى للمطالبة بحقه أمام محكمة أول درجة حتى لا تفوت درجة من درجات التقاضي، وهناك إشكالية دقيقة في مطالبة النيابة العامة بإعدام القاتل من غير أن يطالب أولياء الدم بالقصاص لموقف القانون المتناقض في هذا الشان إضافة إلى أن القصاص عقوبة بمقتضى قانون العقوبات، ولذلك فان النيابة تتولى التحقيق وتقديم أدلة إثبات القصاص ،ولذلك نجد أن غالبية أولياء الدم يقولون أمام المحكمة بأنهم ينضموا إلى النيابة ويطلبون الحكم بالقصاص، فهذه المسائل وغيرها تحتاج إلى الاشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2013م في الطعن الجزائي رقم (43911) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن أحد الاشخاص قام بالقاء قنبلة على منزل اخيه فنجم عن ذلك مقتل الزوجة وأبن اخيه وإصابة أبنتي اخيه بعاهات مستديمة وهي فقدان  البنتين  لعينيهما اليسرى وبتر رجل احداهما وإصابة الاخ  صاحب المنزل باصابات بليغة، وبناءً على ذلك فقد قدمت النيابة المتهم بالقاء القنبلة وتفجيرها إلى المحكمة بتهمة تفجير قنبلة في منزل مأهول بالسكان مما تسبب في مقتل شخصين وإصابة شخصين اخرين بعاهات مستديمة وإصابة ثالث وقد طلبت النيابة في قرار الاتهام معاقبة المتهم بالعقوبات المقررة في المواد (16 و 137 و 141 و 242 و 243) عقوبات، ولم يطلب أولياء الدم من المحكمة الابتدائية إجراء القصاص، وقد سارت المحكمة الابتدائية في إجراءاتها حتى توصلت إلى الحكم بحبس المتهم عشر سنوات في الحق العام أما الحق الخاص فقد ورد في الحق العام:انه لم يحضر أولياء الدم للمطالبة  بالقصاص، فلم تقبل النيابة بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه وذكرت في استئنافها أن محامي أولياء الدم قد طلب القصاص وأن قول الحكم الابتدائي بان وكالته لم تصرح أو تتضمن توكيله في المطالبة بالقصاص ليس صحيحا، ولذلك طلبت النيابة إعدام المتهم قصاصاً وتعزيراً  لبشاعة جريمته وتسببها بمقتل اكثر من شخص وإعاقة طفلين، وبعد جلسات كثيرة واستدعاءات بالحضور حضر اولياء الدم وطلبوا إجراء القصاص من المتهم وقدموا استئنافهم للحكم الابتدائي وقد توصلت الشعبة الاستئنافية إلى الحكم بالغاء الحكم الابتدائي  وإعدام المتهم رمياً بالرصاص لان محامي أولياء الدم كان قد طلب القصاص أمام محكمة أول درجة، كما أن اولياء الدم حضروا أمام الشعبة فطلبوا القصاص، فلم يقبل المحكوم عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (لما كانت محكمة الاستئناف قد فصلت في القضية وباشرت النظر فيها بناء على استئناف النيابة العامة ثم حضر لديها أولياء الدم  وطلبوا القصاص الشرعي، وحيث عابت محكمة الاستئناف في حكمها على محكمة أول درجة اشتراطها  للحكم بالقصاص  طلب اولياء الدم لذلك،  في حين انه كان يجب عليها قانوناً أن تعيد القضية إلى محكمة أول درجةً للفصل في طلب القصاص لا أن تتصدى محكمة الاستئناف وتقبل طلب القصاص ابتداء وتقضي بالإعدام قصاصاً لان ذلك خروج عن اختصاصها المنصوص عليه في المادة (232) إجراءات كمحكمة ثاني درجة وفيه حرمان للمحكوم عليه درجة من درجات التقاضي وهو ما لا يجوز قانوناً ويوصم الحكم المطعون فيه بالبطلان ويوجب نقضه والإعادة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : طلب القصاص أمام محكمة الاستئناف :

من المبادئ القانونية المستقرة في القوانين كافة مبدأ التقاضي على درجتين الذي يقتضي تمكين اطراف الدعوى من عرض طلباتهم ودفوعهم ودفاعهم وادلتهم أمام درجتين من درجات التقاضي لمناقشة هذه الأدلة  لضمان حُسن التقدير والمناقشة لها فضلاً عن مواجهة الخصوم بالطلبات والادلة المتبادلة في متسع من الوقت بما يمكن محكمة الدرجة الثانية والخصوم في آن واحد من استدراك ما فات عرضه أو مناقشته أمام محكمة أول درجة، ومبدأ التقاضي على درجتين من أهم مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة لاسيما عندما تكون العقوبة هي الإعدام التي يتعذر تداركها أو تلافي أوجه الخطأ في الحكم بها (الحق في التقاضي على درجتين أقرب للعدالة، عمر رمضان صبرة، ص75). ولذلك وجدنا حكم المحكمة العليا محل تعليقنا قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي الذي حكم بإعدام المتهم قصاصاً بناءً على دعوى رفعها أولياء الدم بداية أمام الشعبة الجزائية.

الوجه الثاني : النظرة الفقهية للقصاص :

لا إشكالية في الشريعة الاسلامية التي قررت القصاص وجعلته حقاً لأولياء الدم أو للمجني عليه في حالة القصاص فيما دون النفس حيث ينظر الشرع الإسلامي إلى أن القصاص حق لاولياء الدم ، الا انه عقوبة  من نوع خاص، حيث ذهب غالبية الفقه الإسلامي الى أن دور السلطة العامة أن تنظم طريقة تمكين أولياء الدم من الوصول إلى حقهم في إجراء القصاص أو العفو عن الجاني، وفي هذا السياق يقرر الفقه الإسلامي وجوب قيام جهاز الشرطة بالقبض على القاتل وجمع الأدلة حتى لا يفوت حق أولياء الدم في القصاص، لان مهمة الدولة حفظ الحقوق ومنها الحق في القصاص، كما أن القصاص ليس حقاً محضاً للعبد وإنما حق أولياء الدم فيه غالب على حق الله أو ما يسمى بالحق العام ولذلك  شرعت الكفارة في القتل الخطأ وشبه العمد ويذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الكفارة في القتل العمد جبراً لحق الله تعالى، علاوة على أن القصاص فيه حق للمجتمع من جانب اخر لان فعل القتل أو الجرح يحدث فزعاً وخوفاً ويقلق الأمن العام والسكينة العامة ،ولذلك ذهب الفقه الإسلامي الى تقرير الإعدام تعزيراً حتى لو سقط القصاص بأي مسقط (عقوبة الإعدام، أ.د عبد المؤمن شجاع الدين، ص62) وعلى هذا الأساس فأن القصاص في الفقه الإسلامي له وضعية خاصة وأن كان عقوبة بل قسم من أهم أقسام العقوبة بالمفهوم الفقهي.

الوجه الثالث : تناقض القانون اليمني فيما يتعلق بطلب القصاص وتوصيتنا للمقنن اليمني :

ذكر قانون الجرائم والعقوبات في المادة (13) القصاص ضمن الجرائم التي قرر القانون عقوباتها وذكر انها حق للعباد، كما ذكر القانون ذاته القصاص ضمن العقوبات الاصلية (1- الإعدام حداً أو قصاصاً أو تعزيرا 4- القصاص فيما دون النفس) وبما أن القصاص عقوبة على هذا النحو فأنه من الواجب أن يقوم مأمور الضبط القضائي بمباشرة إجراءات التحري والضبط وجمع الأدلة في جرائم القتل والإعتداء الموجب للقصاص، كما أن ذلك يستلزم مباشرة النيابة العامة لإجراءات التحقيق الابتدائي في الجرائم الموجبة للقصاص والتصرف فيها، ومقتضى ذلك أن لا قيد أمام النيابة العامة في مباشرة إجراءات التحقيق وتحريك الدعوى ولاسيما وأن القتل الموجب للقتل لم يرد ذكره ضمن الجرائم التي لا تباشر النيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية فبها الا بناءً على شكوى المجني عليه، وهذا الوضع هو المتبع حالياً في الواقع العملي، وفي السياق ذاته تجيز المادة (50) عقوبات للنيابة العامة المطالبة بالقصاص حيث نصت هذه المادة على أن (القصاص هو حق المجني عليه في حياته ثم ورثته الشرعيين بعد وفاته ويكفي للحكم به طلبه من احد الورثة أو من يقوم مقامه قانوناً ومن النيابة العامة بما لها من الولاية العامة في رفع الدعوى الجزائية فاذا امتنع المجني عليه أو ورثته لأي سبب اكتفى للحكم به بطلب النيابة العامة على أن تراعي الأحكام الخاصة بتنفيذ أحكام القصاص الواردة في هذا القانون) إلا أن قانون الجرائم قد ناقض ما ورد في هذه المادة حينما اشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم حيث نصت المادة (234) على أنه (ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوفر دليله الشرعي فاذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو اذا امتنع القصاص او سقط بغير عفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات ويجوز أن يعدل التعزير إلى الحكم بالإعدام اذا كان الجاني معروفاً بالشر أو إرتكب القتل بوسيلة وحشية... ألخ) ومن خلال المقارنة بين ما ورد في المادتين (50 و234) عقوبات نلاحظ التناقض الصارخ فيما يتعلق باشتراط مطالبة أولياء الدم بالقصاص ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بإزالة هذا التناقض، والله اعلم.