تخفيض اجر العامل مع تخفيض ساعات عمله

 

تخفيض اجر العامل مع تخفيض ساعات عمله

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

طوال اكثر من احدى عشرة سنة حدثت في البلاد احداث جسام ترتب عليها التأثير على النشاط الاقتصادي والتجاري وتقليصه وانكماشه ونجمت على ظروف وازمات اقتصادية خانقة، وفي مواجهة ذلك  اتخذت الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية الخاصة إجراءات وتدابير عدة  لمواجهة تلك الظروف الاقتصادية والتقليل من خسائرها ومن ذلك نخفيض عدد العمال وتسريح اعداد كبيرة منهم في حين قامت شركات ومجموعات تجارية بتخفيض ساعات عمل العمال وفي الوقت ذاته تخفيض اجورهم بقدر ساعات عملهم  ، وقد صدرت دراسات وابحاث قانونية وغيرها بشأن مدى قانونية وشرعية تلك التدابير التي اتخذها القطاع الخاص خاصة فيما يتعلق بتخفيض اجور العمال مع تخفيض ساعات عملهم بحيث يستحق العامل اجراً مساوياً للساعات التي يعمل خلالها، وقد كانت هذه المعالجة بديلاً للمعالجة المقررة في قانون العمل وهي تخفيض عدد العمال بحيث لا يبقى من العمال في العمل إلا العدد الذي يحتاج له بالفعل صاحب العمل، وقد تناول هذه المسألة المهمة والملحة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/8/2017م في الطعن رقم (59261) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عاملاً تقدم أمام اللجنة التحكيمية العمالية مدعياً بان الجهة التي كان يعمل بها قامت بفصله تعسفياً وقبل ذلك كانت قد قامت بتخفيض راتبه، وقد طلب العامل في دعواه بفوارق مرتباته التي  سبق لصاحب العمل ان قام بتخفيضها  رواتب العمال وذلك مقابل تخفيض ساعات العمل  وذلك بحجة الظروف والازمة الاقتصادية السائدة في البلاد التي قلصت نشاطه التجاري، وقد توصلت اللجنة العمالية إلى اصدار قرارها بالزام صاحب العمل بدفع فوارق مرتبات العامل المدعي بحسب ما كان مقرراً قبل تخفيضها، وقد ورد ضمن أسباب قرار اللجنة العمالية ان تخفيض راتب العامل غير جائز وفقاً لقانون العمل الذي اجاز لصاحب العمل تخفيض عدد العمال بدلاً من تخفيض رواتبهم، وقد أيدت الشعبة المدنية قرار اللجنة التحكيمية واضافت في اسباب حكمها بان عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل الذي يحدد اجر العامل يجب على صاحب العمل الالتزام به، فلم يقبل صاحب العمل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( وبعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة أن ما ورد في عريضة الطعن بالنقض عبارة عن وقائع قد سبق للطاعنة طرحها أمام محكمتي الموضوع التي ناقشتها نقاشاً واسعاً وثبت لديها صواب قرار اللجنة التحكيمية، وحيث ان المعتبر في القانون وجوب الوفاء بالعقود وما يترتب عليها من الالتزامات، وحيث لم يرد في الطعن بالنقض ما يؤثر في صحة وسلامة ما قضى به الحكم المطعون فيه فقد تعين رفض الطعن موضوعاً وإقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول: ماهية تخفيض اجر العامل وتخفيض ساعات عمله :

المقصود بذلك هو اتفاق العامل او العمال أو النقابة التي تمثلهم مع صاحب العمل على تخفيض ساعات عمل العمال  بحسب الاحتياج الفعلي للمشروع وفي الوقت ذاته يتم الاتفاق على استنزال وخصم اجر الساعات التي تم تخفيضها، فاذا كانت ساعات العمل المحددة في عقد العمل الاصلي ثمان ساعات وتم الاتفاق على تخفيضها إلى أربع ساعات فان العامل يستحق فقط نصف  الاجر الذي كان يستحقه قبل التخفيض،ويتم اللجو إلى هذا التخفيض بدلا عن تخفيض عدد العمال أو تسريح بعضهم أو كلهم،ويتم هذا التخفيض بمبررات شرعية واخلاقية وانسانية اهمها اعادة توزيع الضرر أو الغرم على جميع العمال وعلى صاحب العمل بدلا من أن يتحمل الضرر أو الغرم العمال الذين يتم تقليصهم وتسريحهم.

الوجه الثاني : موقف قانون العمل من تخفيض راتب العامل مقابل تخفيض ساعات العمل :

لم يصرح القانون بموقفه من هذه المسالة إلا أنه بالمقابل اجاز لصاحب العمل تنقيص عدد العمال لأسباب اقتصادية أي اذا طرأت ظروف أو أزمة اقتصادية كان من شانها تقليص نشاط صاحب العمل واستدعت هذه الظروف تقليص صاحب العمل نفقاته وتكاليف الانتاج بما في ذلك انقاص  اليد العاملة حسبما ورد في الفقرة (ج) من المادة (36) من قانون العمل، ومقتضى هذه المادة انه يجوز لصاحب العمل صرف أو تسريح العمال لأسباب اقتصادية، غير ان القانون سكت عن تخفيض رواتب العمال مقابل تخفيض ساعات عملهم اذا استدعت ذلك أسباب اقتصادية مقنعة بدلا من تسريحهم .

الوجه الثالث : تخفيض الراتب مقابل تخفيض ساعات العمل من غير موافقة العامل وتوصيتنا للمقنن :

العامل الذي تم الحكم له بموجب الحكم محل تعليقنا كان قد تم تخفيض راتبه مقابل تخفيض ساعات عمله من غير موافقة ذلك العامل حيث قضى الحكم محل تعليقنا بان الواجب على صاحب العمل الالتزام بعقد العمل المبرم مع العامل الذي يحدد اجر العامل وساعات عمله، وان قانون العمل لم ينص على معالجة نتائج الظروف الاقتصادية الصعبة عن طريق تخفيض  الراتب وتخفيض ساعات العمل، ولذلك فان هذه المعالجة لا سند لها من القانون أو عقد العمل،ولان معالجة تخفيض ساعات العمل مع تخفيض الاجر اكثر عدالة وانصافا للعمال جميعا بدلا من  تسريحهم كلهم أو بعضهم فإننا نوصي المقنن باعتماد هذه المعالجة ضمن فقرات المادة المادة (36) من قانون العمل إلى جوار معالجة تنقيص عدد العمال.

الوجه الرابع : اتفاق العامل أو نقابة العمال مع صاحب العمل على تخفيض الرواتب مقابل تخفيض ساعات العمل :

اذا كان عقد العمل جماعيا وقامت نقابة العمال بالاتفاق مع صاحب العمل على تعديل عقد العمل الجماعي وذلك في محضر يتم توقيعه بين الطرفين يتضمن تخفيض الاجور مقابل تخفيض ساعات العمل فان هذه المعالجة جائزة، لان التعديل في العقد يجعل التخفيض بنداً من بنود عقد العمل، فيكون سند هذه المعالجة هو عقد العمل الجماعي باعتبار العقد شريعة المتعاقدين، وكذلك الحال بالنسبة لعقد العمل الفردي اذا تم الاتفاق مع العمال فرادى أو جماعات على تعديل عقودهم بحيث يتم تخفيض  رواتبهم مقابل تخفيض ساعات عملهم نظراً للظروف أو الازمات الاقتصادية التي تحد من نشاط صاحب العمل، وقد اثبتت هذه المعالجة ناجحا باهرا  في الشركات الكبيرة  حيث حافظت على عمالها واستطاعت تجاوز الازمة الاقتصادية التي كانت تحيط بها وقد كانت هذه المعالجة محل رضاء العمال واصحاب العمل.

الوجه الخامس : مدى موقف قانون العمل من الاتفاق بين صاحب العمل والعمال على التخفيض  :

تقرر المادة (7) من قانون العمل في الفقرة (1) على انه لايجوز أن يتضمن عقد العمل تنازل العامل عن حقوقه، وهذا النص يوحي  بان الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على تخفيض الراتب وتخفيض ساعات العمل عبارة عن تنازل من العامل عن جزء من اجره، ولكن الحقيقة ان صاحب العمل بدلاً من ان يصرف بعض العمال أو غالبيتهم أو كلهم نظرت الظروف الاقتصادية كما حدث في شركات ومؤسسات كثيرة بحيث يخسر العمال كل رواتبهم فان الاتفاق على بقائهم جميعاً في العمل مع تخفيض اجورهم وتخفيض ساعات عملهم افضل من المعالجة المقررة في القانون وهي تسريح العمال عن العمل وانتهاء عملهم، وبما ان التخفيض افضل من الصرف فانه جائز بمقتضى الفقرة (2) من المادة (7) عمل التي تنص على انه يجوز الاخذ بالمعالجة الافضل للعمال ولو لم ينص عليها قانون العمل، والله اعلم.