تصحيح الخطأ المادي في الحكم


تصحيح الخطأ المادي في الحكم

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

من الاشكاليات الواقعية اشكالية تصحيح الخطأ المادي في الحكم خاصة اذا تم بدون علم الخصوم  بالاضافة الى اشكاليات بشان مفهوم الخطأ المادي واجراءات تصحيحه وكيفية التصحيح في متن الحكم عن طريق تعديل الكلمات والارقام واختلاف نسخ الحكم بعد التصحيح؛ وذلك يستدعي التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/2/2011م في الطعن المدني رقم (40781) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم ان المحكمة الابتدائية اصدرت حكما حصل فيه خطأ مادي عند كتابة تواريخ ثلاثةمحررات  استند اليها حيث اختلف تاريخ تلك المحررات المثبت في  الحكم عن تاريخها الصحيح المثبت في تلك المحررات ذاتها المرفقة بالحكم  ؛ وبعد ان تم تحرير الحكم المتضمن ذلك الخطا المادي قام  الخصوم جميعهم باستلام نسخة من ذلك الحكم ؛ وبعد فترة اكتشف احد الخصوم  وجود  ذلك الخطأ في تاريخ المحررات فطلب من المحكمة تصحيح ذلك الخطا فقامت المحكمة بتصحيح الخطا عن طريق تعديل تواريخ الثلاثة المحررات في متن الحكم كما قامت المحكمة بإعلان الخصم الاخر بإعادة نسخة الحكم المتضمنة الخطأ المادي التي سبق له استلامها واستبدالها بالنسخة المصححة  الا انه لم يتجاوب مع المحكمة, وعندما شرعت المحكمة  الابتدائية بإجراءات التنفيذ بموجب نسخة الحكم المصححة في مواجهة الخصم الذي رفض اعادة النسخة المتضمنة الخطا المادي ادعى ذلك الخصم  امام المحكمة بان نسخة الحكم المصححة التي يجري التنفيذ بموجبهاغير صحيحة وان ليس هناك طلب بتصحيحها ولم يصدر باجراء التصحيح  كما لم يتم اعلانه بذلك  واضاف بان النسخة التي يجري التنفيذ بموجبها غير مطابقة للنسخة الموجودة لديه وانه لا علم له ولا دراية بإجراءات التصحيح وانه قد تم التلاعب بنسخة الحكم , وقد قضت المحكمة الابتدائية بان نسخة الحكم التي يجري التنفيذ بموجبها هي  الصحيحة المصححة وان النسخة التي بيد المنفذ ضده ملغية وانه كان يتوجب عليه تسليمها الى المحكمة واستلام النسخة المصححة بدلا عنها, فقام المنفذ ضده باستئناف القرار وذكر المستأنف في عريضة الاستئناف ان الحكم سند التنفيذ قد تضمن اضافات وتغيير وكشط في تواريخ المستندات التي تضمنها الحكم ولا يوجد في ملف القضية قرار باجراء التصحيح في الحكم وانه لم يرد في ملف القضية طلب باجراء التصحيح يبين مواضع الخطأ المادي المراد تصحيحه ولا يوجد ختم المحكمة على تلك الاضافات, ولكن محكمة الاستئناف رفضت الطعن بالاستئناف وايدت قرار المحكمة الابتدائية وجاء في اسباب الحكم الاستئنافي ان المستأنف لم يقدم المحررات او المستندات المتضمنة التواريخ التي تدل على ان تلك المحررات غير تلك التي تم تصحيح تواريخها في الحكم سند التنفيذ حيث ثبت لمحكمة اول درجة ولمحكمة الاستئناف ان المستندات هي ذاتها وانما تم في الحكم سند التنفيذ ما هو الا تصحيح للخطأ المادي الذي وقع في تواريخ تلك المستندات , الا ان المستأنف لم يقنع بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي اصدرت حكمها محل تعليقنا الذي قضى  بانه (من حيث الموضوع فان الدائرة تجد بعد الرجوع الى الاوراق مشتملات ملف القضية عدم صحة سبب الطعن لأنه متعلق بسلطة المحكمة في تصحيح الخطأ المادي الوارد في الحكم وهو نعي غير مقبول لعدم تعلقه بالحكم المطعون فيه الامر يقتضي معه رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية تصحيح الخطأ المادي في الحكم واجراءاته :

بينت ذلك المادة (253) مرافعات التي نصت على ان (تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من اخطاء مادية بحتة كتابية او حسابية بقرار تصدره من تلقاء ذاتها او بناء على طلب احد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على صورة الحكم الاصلي ويوقع هو ورئيس الجلسة) ومن خلال استقراء هذا النص تظهر ماهية الخطأ المادي في الحكم  واجراءات تصحيح ذلك الخطأ, ونلخص ذلك على النحو الاتي :

اولا : ماهية الخطأ المادي :

يقول الفقيه (ليبمان) الخطأ المادي هو الخطأ في التعبير وليس الخطأ في التفكير أي ان القاضي في التعبير عن تقديره قد استخدم اسماء او ارقام غير تلك التي كان يجب ان يستخدمها للتعبير عما في ذهنه من افكار ولهذا لا يجوز الالتجاء الى التصحيح بشأن خطأ في تقدير القاضي او تكوين هذا التقدير, ويستوي ان يقع الخطأ المادي في منطوق الحكم او في جزء اخر من الحكم مكمل للمنطوق, على ان هذا الخطأ يجب ان يكون واضحا من خلال بيانات الحكم نفسه او من خلال مقارنة منطوق الحكم ببيانات الحكم الاخرى اومن خلال المقارنة مع محضر الجلسة او من خلال مقارنة ما ورد في الحكم مع مستندات القضية التي تم ابرازها اثناء سير اجراءات المحاكمة مثلما حصل عند اكتشاف  الخطأ المادي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد ظهر ان تواريخ المستندات المثبتة حقيقة  في تلك المستندات  غير تلك المكتوبة في الحكم, ومن امثلة الخطأ المادي ان يرد في اسباب الحكم حساب للمبالغ المستحقة للمدعي وفي المنطوق يتم جمع تلك المبالغ خطأ او ان يذكر اسم المدعي او المدعي عليه خطأ او يقع الخطا في اسم القاضي (الوسيط في قانون القضاء المدني, د. فتحي والى ص651) .

ثانيا : اجراءات تصحيح الخطأ المادي :

بينت المادة (253) مرافعات السابق ذكرها هذه الاجراءات؛ ويمكن تلخيصها كما يأتي :

1-     امكانية الطعن في الحكم او الطعن فيه بالفعل لا يمنع من تصحيحه: لان تصحيح الحكم يختلف عن الطعن فيه من حيث جهة الاختصاص ومن حيث هدف كل منهما  فالتصحيح تختص به المحكمة التي اصدرت الحكم والطعن تختص به المحكمة الاعلى كما ان الطعن يستهدف تقويم العمل الفكري للقاضي في حين يستهدف التصحيح تصويب الخطأ المادي .

2-     طلب تصحيح الحكم : وهو عبارة عن مذكرة يقوم بتقديمها الخصم الى القاضي الذي اصدر الحكم وينبغي ان يتضمن هذا الطلب بيان مواضع الخطأ المادي واوجه الخطأ والبيانات الصحيحة التي ينبغي اعتمادها في تصحيح الخطأ والادلة على ذلك كما ينبغي ان يبين الخصم في مذكرة الطلب اسمه وصفته وتوقيعه وتاريخ تقديم الطلب, وطلب التصحيح لا يكون الا في الحالة التي يتم التصحيح بناء على طلب الخصم, على انه يحق للمحكمة من تلقاء ذاته ان تقوم بالتصحيح من غير ان يطلب الخصوم منها ذلك .

3-     عدم الحاجة الى المرافعة : اجراء التصحيح المادي للحكم وصدور قرار التصحيح لا يحتاج الى مرافعة بمعنى ان تقديم طلب التصحيح لا يحتاج الى ان يرد عليه الخصم الاخر كما ان هذا الاجراء لا يحتاج الى ان تقوم  المحكمة بعقد جلسات ليتداعى او يترافع فيها الخصوم, لان التصحيح لا يكون الا في حالة الخطأ المادي الواضح البين الذي لا خلاف بشأنه فلا يحتاج الى مرافعة بين الخصوم حتى يظهر الحق .

4-     وجوب صدور قرار من المحكمة بإجراء التصحيح : حيث اوجب النص القانوني السابق ذكره ان تصدر المحكمة او القاضي الذي صدر منه الحكم المتضمن خطأ مادي ان يصدر قرار يصرح فيه بانه قد ثبت لديه وجود خطأ مادي بحت في الحكم الذي سبق له ان اصدره وان يبين هذا القرار وجه الخطأ المادي وعبارة التصحيح له وان يتضمن قرار التصحيح اسم وصفة طالب التصحيح وما اذا كانت المحكمة قد قررت اجراء التصحيح من تلقاء ذاتها علاوة على تضمين قرار التصحيح تاريخ صدور قرار التصحيح, كما ينبغي ان يتم ارفاق قرار التصحيح بالحكم المطلوب تصحيحه حتى يتم التصحيح بموجب القرار واستنادا اليه, والحكمة من وجوب صدور القرار اثبات وجود الخطأ المادي وبيان وجه الخطأ ووجه الصحيح حتى لا يتم تغيير الاحكام من غير موجب بذريعة التصحيح .

5-     تنفيذ قرار اجراء التصحيح : حيث يتم اجراء التصحيح على صورة الحكم الاصلي حسبما ورد في المادة (253) السابق ذكرها والتصحيح في صورة الحكم الاصلي يعني تعديل البيانات او الارقام المغلوطة حتى تكون صحيحة وذلك يعني الحذف والاضافة والحشر في صورة الحكم الاصلي؛ وحدد النص القانوني ان الذي يقوم بهذه المهمة هو كاتب المحكمة ويتم التوقيع على هذه التعديلات من قبل الكاتب والقاضي المختص حسبما ورد في النص القانوني المشار اليه, واجراء التصحيح على هذا النحو يبدو ان المقصود الوضع السابق حينما كانت الاحكام تحرر بخط كاتب المحكمة وتوقيع القاضي اما الان فقد صارت الاحكام مطبوعة, ولذلك نوصي بان يتم اعادة النظر في النص القانوني المشار اليه لاستيعاب المتغيرات المترتبة على استعمال الحاسوب في الطباعة سواء فيما يتعلق بتحديد نسخة الحكم الاصلية او فيما يتعلق بتصحيح الخطا المادي في هذه النسخة .

وعند تطبيق اجراءات تصحيح الخطأ المادي حسبما هو مقرر في المادة (253) مرافعات على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان المنفذ ضده كان ينعي على حكم محكمة الموضوع عدم وجود طلب باجراء التصحيح او قرار بإجراء التصحيح للخطأ المادي اوان التصحيح قد تم عن طريق الحذف والاضافة الذي جعل البيانات المفترض تصحيحها اكثر غموضا نتيجة الحذف والاضافة وان الكاتب الذي قام بإجراء التصحيح والقاضي المختص لم يقوما بالتوقيع على تلك التصحيحات بما يفيد ان تلك التصحيحات قد تمت من قبلهما .

الوجه الثاني : تصحيح الخطأ المادي في غيبة الخصوم :

سبق القول ان المحكمة تملك تصحيح الخطأ المادي في حكمها من تلقاء ذاتها او بناء على طلب احد الخصوم, فاذا قامت المحكمة بإجراء التصحيح في غيبة الخصوم جميعا او احدهم فعندئذ ينبغي اعلان الغائب منهم حتى يسلم نسخة الحكم التي سبق استلامها لتصحيح ما ورد فيها, وفي هذا المعنى نصت المادة (254) مرافعات على انه (اذا تم التصحيح في غيبة الخصوم او بناء على طلب احدهم في غيبةالاخر بعد تسليم صور من الحكم لهم يعلن الغائب منهم عن طريق قلم كتاب المحكمة او الخصم طالب التصحيح للحضور ومعه صورةالحكم المسلمة اليه لإثبات التصحيح عليها وتعتبر صورة الحكم التنفيذية غير صالحة للتنفيذ بها فيما يتعارض مع التصحيح) ويفهم من استقراء هذا النص ان  التنفيذ لا ينبغي ان يتم الا بموجب النسخة المصححة وانه لا يشترط ان يتم اثبات التصحيح في كافة نسخ الحكم التي تكون بيد الخصوم مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث تم التنفيذ بموجب النسخة المصححة في حين كانت نسخة الحكم الاخرى التي بيد المنفذ ضده خالية من تلك التصحيحات ؛ وقد اقر الحكم محل تعليقنا وجوب تنفيذ الحكم المتضمن التصحيح ولو كانت النسخة التي بيد الخصم الاخرى لم تتضمن تلك التصحيحات.

الوجه الثالث : استئناف قرار تصحيح الخطأ المادي :

سبق القول ان هناك فرق كبير بين تصحيح الخطأ المادي في الحكم وبين الطعن في الحكم ذاته وان التصحيح لا يكون الا اذا كان الخطأ المادي واضحا لا لبس فيه ولا خلاف, ولكن قد تتجاوز المحكمة تصحيح الخطأ المادي الى ادخال تعديلات في الحكم وليس تصحيح الاخطاء المادية ؛ولا ريب في هذه الحالة من اعتبار هذا التعديل تجاوز من المحكمة ينبغي الطعن فيه, ولذلك نصت المادة (255) مرافعات على انه (يجوز استئناف القرار الصادر بالتصحيح استقلالا اذا تجاوزت المحكمة الحدود المنصوص عليها في المادة (253) اذا كان الحكم قابلا للاستئناف اصلا, اما القرار برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه استقلالا) والله اعلم.