عمل العامل بدون عقد عمل مكتوب
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من الإشكاليات
الواقعية ان غالبية عمال اليمن يعملون لدى القطاع التجاري غير المنظم الذي ليس
لديه نظم أو لوائح أو حتى عقود عمل تنظم وتبين حقوق وواجبات العاملين لديه، حيث
تؤدي هذه الوضعية إلى نزاعات فيما بين العامل وصاحب العمل بشأن إثبات حقوق
والتزامات الطرفين وكذا الإلتزامات المقررة على عاتق اصحاب الأعمال للجهات الحكومية، وقد اشار الحكم محل تعليقنا
إلى هذه الإشكالية، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 31/3/2013م في الطعن رقم (47145)، وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان العامل تقدم بدعوى امام اللجنة التحكيمية مضمونها أنه
عمل لمدة تسع سنوات في مخبز المدعى عليه الذي انتقل إليه من والده وطلب الزام صاحب
المخبز بدفع مكافأة نهاية الخدمة وبدل الإجازة عن تسع سنوات قضاها في العمل حيث
كان يعمل طوال اليوم في المخبز، وقد اصدرت اللجنة التحكيمية قرارها بالزام صاحب
الفرن بدفع مكافأة الخدمة وبدل إجازة عن خمس سنوات فقط ، وقد سببت اللجنة قرارها
:بان عدم وجود عقد عمل لا يعني ان العامل لا يستحق حقوقه كما ان إدانة العامل
بسرقة 40 كيس من الدقيق لا يصادر حقوق العامل وكذلك الحال فان إنتقال المخبز من
الأب إلى الأبن لا يعفي صاحب المخبز الحالي المدعى عليه من دفع حقوق العامل، فقام صاحب المخبز باستئناف
الحكم حيث قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بإلغاء قرار اللجنة التحكيمية لان
اللجنة قد قامت بتقدير مدة خدمة العامل وراتبه الشهري جزافاً كما انه قد ثبت
للشعبة ان هناك حكم جزائي قد صدر بإدانة العامل
بسرقة الدقيق وانه قد تنازل عن الطعن في الحكم إضافة إلى ان صاحب المخبز
قدم للشعبة حكماً قضى بأن المخبز قد انتقل إليه كنصيبه من تركة أبيه بعد ان تخارج
من بقية الورثة، فلم يقبل العامل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، غير
ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة ان ما
ينعي به الطاعن على الحكم الاستئنافي هي مناع في غير محلها فلا سند
لها من القانون حيث ان محكمة الاستئناف قد سببت حكمها تسبيباً كافياً فقد كان الأساس
الذي قام عليه حكمها هو ان قرار اللجنة التحكيمية لم يكن قائماً على سند من
القانون حيث لم يثبت المدعي بأي دليل خدمته ولا مقدار راتبه الشهري كما يدعي،
ولذلك فقد كان قرار اللجنة التحكيمية قائماً على تقدير جزافي لمدة الخدمة ومقدار
الراتب حيث كان قرار اللجنة معيبا، فتقدير اللجنة لم يؤسس على سند أو دليل اذ انه
لم يثبته وهو مما يستوجب رفضه موضوعا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين
في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : خلفية عدم وجود عقود عمل مكتوبة في القطاع التجاري غير المنظم :
يحتل القطاع التجاري
غير المنظم المرتبة الأولى داخل القطاع التجاري من كافة النواحي من حيث كثافة
العمال في هذا القطاع ومن حيث راس المال المستثمر في هذا القطاع ومن حيث تأثيره في
النشاط التجاري والاقتصادي، ونقصد بالقطاع التجاري غير المنظم هي المؤسسات
والمحلات والمهن التي ليس لديها نظم ولوائح وتعليمات وأدلة تنظم العمل فيها وتبين
حقوق وواجبات العاملين فيها، والتي يعمل فيها العمال بدون ان يتم التعاقد معهم
بموجب عقود مكتوبة، ويرجع سبب عدم قيام هذا القطاع بتنظيم العمل فيه إلى خشية
التجار العاملين في هذا القطاع من ان يكون هذا التنظيم مدخلا لإبتزاز الموظفين
الفاسدين في جهات الجباية (ضرائب + زكاة + تأمينات + الصناعة والتجارة ...الخ) لان التنظيم يعتمد على التوثيق
المستندي للأعمال والانشطة والحسابات التي يباشرها المحل أو المؤسسة) ولذلك فحصول
الموظفين الحكوميين على البيانات والمعلومات والمستندات الخاصة بأعمال أصحاب العمل
وانشطتهم سيجعلهم عرضة للإبتزاز والتهديد
من اولئك الموظفين الذين يطالبون لانفسهم اتاوات تفوق بكثير المطالب القانونية
المقررة لجهاتهم، ولذلك فان غالبية المؤسسات التجارية لا تجروا على وضع لوحة تبين
اسمها في المقر الذي تباشر عملها التجاري فيه.
الوجه الثاني : الوضعية القانونية للعامل بدون عقد عمل مكتوب :
صرح قانون العمل بان
العامل الذي يعمل بدون عقد عمل يعد عاملاً مثله في ذلك مثل العامل الذي يعمل بموجب
عقد عمل مكتوب،لان العامل قد ألتحق بالعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد شفوي ،فعدم
وجود عقد عمل كتابي لايعني عدم وجود اتفاق على العمل بين صاحب العمل والعامل ،فدور
الكتابة هو إثبات علاقة العمل بين الطرفين فعدم وجود العقد لاينفي وجود العلاقة
بين الطرفين، وتبعاً لذلك فان أحكام قانون
العمل تسري على العامل الذي يعمل بدون عقد عمل مكتوب ويتمتع بكافة الحقوق
والضمانات المقررة في قانون العمل، وفي هذا المعنى نصت المادة (2) من قانون العمل
في تعريف العامل بانه : (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت ادارته ولو كان
بعيداً عن نظارته لقاء اجر ووفق عقد مكتوب او غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء
والأحداث ومن كان قيد الاختبار والتدريب) وتطبيقاً لهذا النص فان أحكام قانون
تتدخل لتنظيم العلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل وتحديد حقوق وواجبات والتزامات
الطرفين حيث تحل احكام قانون العمل بدور عقد العمل فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين
الطرفين ، ولا يدرك الكثير من اصحاب
الاعمال هذه الحقيقة القانونية حيث يخيل لهم ان عدم إبرام عقد مكتوب مع العامل
يحرم العامل من صفة ووصف العامل وينفي مسئولية صاحب العمل عن الوفاء بحقوق
العامل، ومن جهة ثانية فقد عرف قانون
العمل في المادة (2) صاحب العمل بانه (كل شخص
طبيعي او اعتباري يستخدم عاملاً أو اكثر لقاء اجر في مختلف قطاعات العمل المختلفة
الخاضعة لأحكام هذا القانون) ولذلك فان أحكام قانون العمل تسري على العامل وصاحب
العمل بصرف النظر عن العمل او النشاط الذي يباشره صاحب العمل كالمخابز والمطاعم
والمحلات التجارية وغيرها بصرف النظر عن حجم نشاطها فكل من يعمل لديها فهو عامل
يتمتع بكافة الحقوق والضمانات المنصوص عليها في قانون العمل احكام، فلا تستثنى من الخضوع لأحكام العمل الا الفئات
المحددة في المادة(3)من قانون العمل وهم موظفوا الجهاز الاداري للدولة والقطاع
العام والقضاة والدبلوماسيين ومنتسبي المؤسسات العسكرية والامنية والأجانب
المعارون للدولة أو العاملون بموجب اتفاقيات دولية وكذا العاملون فياعمال عرضية
مؤقتة واقرباء اصحاب العمل الذي يعولهم
بالفعل وخدم المنازل والذين يعملون في الرعي والزراعة،والخلاصة أنه في حالة عدم
وجود عقد عمل مكتوب فان ذلك لايعني عدم وجود علاقة اوعقد عمل فيما بين صاحب العمل
والعامل لأن دور العقد المكتب اثبات العقد ولذلك فان العامل يستطيع اثبات عقد
العمل بكافة طرق الاثبات المقررة قانونا كالشهادة والاقرار والقرائن المختلفة.
الوجه الثالث : سرقة العامل وتأثيرها على حقوقه لدى صاحب العمل المسروق منه:
اشار الحكم محل
تعليقنا ان سبب فصل العامل من عمله هو إرتكابه لجريمة سرقة الدقيق من المخبز
وادانته بهذه الجريمة بحكم نهائي تنازل العامل عن الطعن فيه حسبما ورد في اسباب
الحكم الاستئنافي، ولا شك ان فصل العامل لهذا السبب تصرف قانوني بموجب قانون العمل
وقانون الجرائم والعقوبات ولا يخل فصل العامل في هذه الحالة من قيام الدولة بتوقيع
عقوبة السرقة التعزيرية على السارق وهي الحبس، غير انه لا تجوز مصادرة حقوق العامل
السابقة على واقعة السرقة بذريعة إرتكابه
جريمة السرقة لعدم وجود أية علاقة فيما بين السرقة التي ارتكبها العامل وبين حقوقه
السابقة المستحقة لدى صاحب العمل، فيجب على صاحب العمل تسديد حقوق العامل.
الوجه الرابع : إنتقال المخبز إلى احد الورثة وتأثيره على حقوق العامل :
تقتضي نظرية الحلول
ان يحل الخلف العام أو الخلف الخاص الذي يؤول اليه المخبز او المحل التجاري او
غيره فيما يتعلق بالوفاء بحقوق العامل في المخبز او المحل، لان المحل وفقاً لنظرية
الحلول ينتقل إلى الخلف العام أو الخلف الخاص مثقلاً بكافة الالتزامات القائمة
عليه عند انتقاله وبالمقابل فان المحل تؤول اليه كافة الحقوق والامتيازات التي
كانت مقررة للمحل حينما كان ملكاً للسلف.
الوجه الخامس : توصية إلى الجهات المعنية بدراسة اوضاع القطاع التجاري غير المنظم :
اشرنا فيما سبق
بإيجاز بالغ إلى الإشكاليات التي يفرزها القطاع التجاري غير المنظم، ولذلك فان هذا
القطاع يحتاج إلى دراسات متخصصة تشخص إشكاليات هذا القطاع الواسع وتبين اسباب هذه
الإشكاليات والتوصيات اللازمة لمعالجة تلك الإشكاليات، باعتبار ان هذه المسألة من
أهم معوقات النشاط الاقتصادي في اليمن، ولا ريب ان معالجة هذه الإشكاليات سوف تسهم
في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى الامام نظرا لحجم القطاع غير المنظم
واتساعه وتأثيره، والله اعلم.