تحديد سعي الورثة

 

تحديد سعي الورثة

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

من الاشكاليات العملية التي يتكرر وقوعها كيفية واجراءات تحديد سعي الورثة في اموال التركة الشائعة, حيث تظل التركة شائعة بين الورثة من دون قسمة لفترة طويلة يسعى خلالها الورثة في اعمال مختلفة مرتبطة باموال التركة حيث يثمر سعي الورثة في تعظيم التركة الشائعة وزيادة اصولها وارباحها. ولكن سعى الورثة يختلف من وارث الى اخر بحسب اختلاف القدرات والامكانيات والخبرات التي يتفاوت فيها الورثة كما ان سعي الورثة يتفاوت من حيث عائداته واثره في نماء  التركةالشائعة, ولذلك تحدث خلافات ونزاعات عميقة وطويلة بين الورثة لقلة الوعي بهذه المسألة القانونية والشرعية الدقيقة, ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (41439) لسنة 1432هـ, وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ان شقيقين  وارثان  لأبيهما في تركة تركها والدهما بعد موته حيث تحولت تلك التركة الشائعة الى شركة فعلية بين الورثة لم تكن مكتوبة او تم الاتفاق عليها بين الورثة وانما فرضها الواقع بسبب عدم قسمة التركة المشاراليها حيث استمر هذا الوضع  لمدة طويلة حيث كان احد الشقيقين يعمل في محل والده في المدينة وكان الاخر يعمل ويسعي في الريف في  الاراضي الزراعية التي تركها والده وبعد حين ونتيجة لسعي الشقيقين لمدة طويلة وتعاونهما تعاظمت اموال التركة الشائعة وزادت كثيرا عن (الكرمة) وعندئذ بدأ الطمع يتسلل الى قلب الشقيق الذي يعمل ويسعى في المدينة حيث وجد ان العائدات التي تتحقق نتيجة سعيه  بالمدينة اكثر بكثير من تلك التي يحققها شقيقه في الريف وبعد مدة تطور الامر الى خلاف مستحكم بين الشقيقين وصل المحكمة الابتدائية ثم محكمة الاستئناف ثم المحكمةالعليا التي نقضت الحكم الاستئنافي واعادت ملف القضية الى الشعبة الشخصية التي حكمت بتعديل الحكم الابتدائي بحيث يتضمن منطوق الحكم؛: ان يتم حصر تركة والد الشقيقين على حدة ثم  حصر المستفاد او المكتسب من قبل الشقيقين وقسمته فيعطى للتركة حصتها من المستفاد ويضم الى التركة وتتم قسمته بين الورثة بحسب الفرائض الشرعية وما تبقى من المستفاد بعد اخراج ما خص التركة تتم قسمته بين الشقيقين كل بحسب سعيه على ان يتم تقدير حصة التركة وحصة الشقيقين مقابل سعيهما بواسطة عدلين خبيرين ثم تقسم التركة مع حصتها المضافة اليها من المستفاد بعد اخراج ما خص التركة تتم قسمته بين الشقيقين كل بحسب سعيه على ان يتم تقدير حصة التركة وحصة الشقيقين مقابل سعيهما بواسطة عدلين خبيرين ثم تقسم التركة مع حصتها المضافة اليها من المستفاد على الورثة بحسب الفرائض الشرعية. فلم يقنع الشقيق  المقيم بالمدينة بالحكم  الاستئنافي الصادر للمرة الثانية حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم امام المحكمة العليا مؤكد على ان ما تحت يده من اموال هي ملك خاص به.الاان الدائرة الشخصية اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها (بان ما اثاره الطاعن في طعنه بالنقض مسألة موضوعية قد سبق له ان اثارها امام محكمة الموضوع التي ناقشتها وبناء على ذلك اصدرت حكمها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الاول : الكرمة والمستفاد :

ورد في الحكم محل تعليقنا مصطلحا الكرمة والمستفاد. وذلك يقتضي الاشارة الى هذين المصطلحين باعتبار ذلك مدخلا الى التعليق, فنقول ان الكرمة هي المال الاصلي او التركة التي تركها المورث. وتسمى الكرمة  لأنها منتجة للأرباح والغلال التي تزيدها وتنميها فتكون كالام الولادة او تشبيه اصل التركة بكرمة العنب المنتجة لعناقيد الخير كثيرة العدد, وهذا التعريف هام لمعرفة كيفية تحديد سعي الورثة  ومقدار ما يستحقونه نظير ذلك, فينبغي احتساب عائد او نتاج الكرمة مثلما يتم احتساب عائد سعي الورثة, اما مصطلح المستفاد او المكتسب او النماء او الزيادة او المستطلع فهي مسميات للعائد او النماء الذي يزيد على الكرمة اواصل  التركة وهو الذي ينبغي تقسيمه بين عنصري انتاجه العمل او السعي والمال او بمعنى اخر تقسيمه على عنصر المال وهي الكرمة او اصل التركة وعنصر العمل وهو السعي. وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى ذلك .

الوجه الثاني : ماهية السعي او عناصره وتقديرالمستحق عنه :

يطلق مصطلح السعي على العمل او الجهد الذي يبذله الورثةاو بعضهم في سبيل زيادة اصول واموال التركة عما كانت عليه حين موت المورث, والسعي يختلف باختلاف الاشخاص السعاة واختلاف مهاراتهم  وخبراتهم وقدراتهم, وكذا يختلف السعي  باختلاف مدة السعي والجهد المبذول في السعي  والعائد الذي يتحقق منه, ويمكن تلخيص ذلك كما يأتي :

1- العائد المتحقق من السعي : وهذا العنصر يكاد ان يكون اهم عناصر السعي التي يتم  الاعتماد عليها في تقدير السعي , حيث ينبغي النظر الى العائد الذي تحقق من سعي الوارث, فينبغي تقدير ما يستحقه من مقابل نظير سعيه اعتمادا على هذا العنصر عملا بقوله تعالى (وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى ) .

2- مدة السعي : حيث ينبغي النظر عند تقدير مقابل سعي الورثة او الشركاء الى المدة التي قضاها كل واحد منهم في السعي, ويتم العمل بموجب هذا العنصر عند تساوي السعاةك من حيث العائد المتحقق من سعيهم فعندئذ يكون الوارث الذي عمل لمدة اكبر قد حقق عائد اكبر .

3- الجهد المبذول في اثناء السعي : وهذا العنصر مثل سابقهك عنصر مفاضلة عند تساوي الورثة في العائد المتحقق من سعيهم فاذا كانوا قد حققوا عائدات متساوية فعندئذ ينبغي النظر عند المفاضلة الى عنصر الجهد المبذول من كل واحد منهم .

4-  سعي المثل : وهو عنصر من عناصر تحديد مقابل السعي فالوارث يستحق المقابل الذي يستحقه مثله في السعي .

الوجه الثالث : كيفية تحديد ما يستحقه اصل التركة (الكرمة) :

العائدات لا تتحقق الا عند التقاء عنصر راس المال بعنصر العمل او السعي, ولذلك فان كل عنصر من هذين العنصرين ينبغي ان يكون له نصيب من العائدات, وبموجب احكام الشريعة الاسلامية يكون نصيب راس المال 50% والعمل 50% من الارباح وذلك في شركات او اعمال المضاربة الشرعية, الا انه بالنسبة للتركة ينبغي ان يتم تقدير نصيب اصل التركة على اساس اسهام اصل مال التركة في تحقيق الارباح حسبما قرر الحكم محل تعليقنا فقد يكون اسهام راس المال في تحقيق الارباح اكثر من اسهام رأس المال والعكس صحيح .

الوجه الرابع : تقدير الخبراء العدول لمقابل السعي ومقابل الكرمة اواصل التركة :

قرر الحكم محل تعليقنا بان يتم تقدير مقابل السعي ومقابل مال التركة بواسطة خبيرين عدلين, وكان الاولى ان يكون الخبراء واحد اوثلاثة حتى اذا اختلف الخبراء كان هناك اغلبية يتم الركون اليها, كما يشترط في الخبراء في هذه الحالة ان يكونوا  من العارفين بالنشاط او السعي الذي بذله الورثة في سعيهم لنماء التركة وان يكونوا من العارفين بأحوال وشؤون الورثة السعاة وان يكونوا من العارفين بحال الاموال في اثناء حياة المورث قبل ان تتحول الى تركة وان يدركوا الفارق الذي حصل بين الحالين, كما ينبغي ان يكون الخبراء من اهل العدالة والامانة، والله اعلم.