تحويل المبلغ المحكوم به إلى دولار
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تطول
إجراءات التقاضي في اليمن إلى سنوات كثيرة تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثين سنة،
ويكون موضوع النزاع مبلغاً من العملة
الوطنية وخلال هذه الفترة الطويلة تفقد العملة الوطنية قيمتها وقوتها الشرائية حتى
يصير المبلغ المحكوم به لا يساوي شيئاً ،وعندئذ يكون القاضي أمام امتحان صعب عند
تنفيذ الحكم واقتضاء المبلغ المحكوم به الذي لم تعد له قيمة، والحكم محل تعليقنا
يكشف جانباً من هذه المشكلة، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/1/2011م في الطعن المدني رقم (40655) لسنة 1430هـ
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد العمال في أحدى الشركات
الحكومية أصيب بمرض مهني فقامت الشركة بإسعافه إلى المستشفى التابع لها، وفي اثناء
علاجه في المستشفى ارتكب الطبيب المعالج خطًأ طبيًا تسبب في تدهور صحة العامل
المريض، حيث استدعت حالته المرضية سفره للعلاج في بريطانيا، وقد تكلفت الشركة
بنفقات علاج العامل المريض إلا أن العامل قدم في بداية عام 1982 للشركة فواتير رسمية
تثبت انه مازال في ذمة الشركة مبلغ خمسة الاف دينارا يمنيا، وكان هذا المبلغ في
ذلك الحين كبيراً ،فرفضت الشركة دفع المبلغ إلى العامل الذي تقدم بدعواه إلى
القضاء في ذلك الحين (1982) حيث حكمت المحكمة الابتدائية بأن تدفع الشركة نصف
المبلغ على أن يدفع الطبيب المعالج الذي إرتكب الخطأ الطبي نصف المبلغ وأن تدفع
الشركة النصف الأخر، وقد أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم ثم أقرت المحكمة العليا
الحكم الاستئنافي، وقد استغرقت مراحل التقاضي
وقتاً طويل مايقارب ثلاثين سنة حتى
قامت الوحدة اليمنية واصبحت العملة الموحدة هي الريال ،واثناء إجراءات تنفيذ الحكم
طلب طالب التنفيذ تحويل المبلغ (خمسة الف دينار يمني) إلى ما يعادله بالدولار في
تاريخ الحكم به، لان الشركة كانت المتسببة طوال هذه الفترة التي قاربت ثلاثين سنة ،فقامت المحكمة الابتدائية بمخاطبة
البنك المركزي لتحديد سعر الدولار في تاريخ الحكم الابتدائي الموضوعي (1982م)
فأفاد البنك المركزي بان سعر الخمسة الاف دينار في ذلك الحين ما يعادل تسعة الاف
دولار أمريكي، وبناءً على ذلك فقد قرر قاض التنفيذ الزام الشركة والطبيب بدفع
المبلغ بالدولار مناصفة بينهما، فقام الطبيب والشركة باستئناف القرار على أساس ان
القرار التنفيذي قد مس الحكم الموضوعي الذي حكم بالدينار وليس بالدولار ،في حين ان التنفيذ بالدولار إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف
وأيدت القرار التنفيذي مسببة حكمها بأسبابها أهمها أن المبلغ كان مستحقاً للعامل
عام (82) وكان ذلك المبلغ في ذلك العام
يعادل تسعة دولار وقد كان هذا المبلغ
مستحقا بموجب حكم قضائي وفواتير رسمية لا خلاف بشأنها إلا أن الشركة أمتنعت
على سداد المبلغ في حينه، وان القرار التنفيذي حينما قرر دفع المبلغ بالدولار لم
يمس موضوع الشيء المحكوم، لان الامر قد كان مجرد صرف للمبلغ المستحق بحسب سعر الزمان بحسب التسعيرة الرسمية للبنك المركزي وبحسبما هو قضى به الحكم سند التنفيذ ، فلم
يقبل الطبيب والشركة بالقرار التنفيذي الابتدائي فقاما باستئناف القرار التنفيذي
إلا أن محكمة الاستئناف رفضت الاستئنافين وأيدت القرار التنفيذي الصادر عن المحكمة
الابتدائية، فلم يقنع الطبيب والشركة بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض،
إلا أن الشعبة المدنية رفضت الطعن وأقٌرت الحكم الاستئنافي، وقد حدد في أسباب حكم
المحكمة العليا (والدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات ملف القضية وجدت أن
الطعن غير مؤثر في القرار المطعون فيه، فالأسباب المثارة في الطعن موضوعية والقرار
الحاصل تنفيذه قد استنفذ طرق الطعن العادية وغير العادية ،ولذلك فالطعن لا محل له) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : إطالة إجراءات التقاضي واثارها الجسيمة على العدالة :
العدالة
البطيئة ظلم لان الحق يصير شيئاً تافهاً بمضي الوقت الطويل مثلما حصل في القضية
تلتي تناولها الحكم محل تعليقنا ،فما قيمة الخمسة الاف دينار التي كانت مستحقة عام
1982م بعد مضي مايقارب ثلاثين سنة حينما
يقضي القضاء باستيفائها جبراً عام 2011م أي بعد ما يقارب من ثلاثين سنة !!! هذا
مظهر يدل مظالم العدالة البطيئة، يا ترى
كم أنفق العامل المغلوب على أمره من مال وجهد ووقت للوصول إلى هذا المبلغ في
اروقة المحاكم لما يقارب من ثلاثين سنة
؟!!! وماهي القيمة الفعلية لهذا المبلغ حتى لو كان بما يعادله بالدولار اي تسعة
الاف دولار، ضعف الطالب والمطلوب، فالعدالة البطيئة هي التي جعلت المبلغ المستحق
للعامل لا يساوي شيئاً في حين أنه كان في تاريخ استحقاقه يساوي اشياء كثيرة،
العدالة البطيئة هي التي اجبرت قاضي التنفيذ على تحويل المبلغ المحكوم إلى دولار
لعل ذلك يجبر كسر العامل المسكين، والله العظيم أني اعرف اعداد معدودة من اصحاب
الحقوق يحجمعون عن المطالبة بها قضاء لطول
إجراءات التقاضي والدفوع والتظلمات والاعتراضات والاشكالات، حيث يقوم بعضهم بحمل
السلاح للوصول إلى حقه وبعضهم يوكل حقه إلى الله الحاكم العدل.
الوجه الثاني : تحويل المبلغ المحكوم به من دينار إلى دولار في القرار التنفيذي :
لاحظنا
أن المنازعات التنفيذية فؤ القضية تلتي تناولها الحكم محل تعليقنا قد كان اساسها ومحورها مدى جواز تحويل المبلغ
المحكوم به في السند التنفيذي من الدينار اليمني إلى الدولار الامريكي، وهل يعد
ذلك مساساً بأصل الحق المقضي به في السند التنفيذي، حيث تضمن القرار التنفيذي
تحويل المبلغ المحكوم به بالدينار من عملة الدينار إلى عملة الدولار بحسب اسعار
الصرف المقررة في البنك المركزي في تاريخ الحكم
بالمبلغ ، وقد أيدت محكمة الاستئناف ذلك كما أقرت المحكمة العليا الحكم
الاستئنافي ولا تثريب عليها فيما ذهبت اليه لان الحكم السند التنفيذي قد حدد قيمة
المبلغ المستحق للعامل وقد امتنعت الشركة والطبيب عن سداد المبلغ طوال فترة تقارب
ثلاثين سنة عن دفع المبلغ من أن الحق كان واضحاً.
الوجه الثالث : أولوية السلطة القضائية ينبغي أن تكون مواجهة ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي :
للقضاء أولويات لكن مكافحة ومواجهة ومحاربة ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي هي أولوية الأولويات بالنسبة للقضاء، فهذه الظاهرة هي مكمن الضرر والخطر، وهي مصدر سهام دعوات المظلومين التي ستصيب اهدافها ولو بعد حبن ، والله اعلم.