تقدير الإيجار على أساس منفعة العين
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
ليس هناك إشكاليات
حينما يتفق المؤجر والمستأجر على تقدير الإيجار في عقد الإيجار الطويل الاجل ولكن
الإشكاليات تظهر حينما يحدد المؤجر والمستأجر مدة الإيجار الطويلة من غير تحديد
كيفية تقدير زيادة الإيجار في السنوات القادمة وكذلك تقدير زيادة الايجار عندما لا
يتفق المؤجر والمستأجر على مدة الإيجار فيتجدد عقد الايجار ويستمر لمدة طويلة
فيحدث الخلاف بين الموجر والمستاجر على مقدار الزيادة في الايجار،وتكون هذه
الاشكاليات اكثر ظهورا في ايجار الاراضي لاقامة مشاريع استثمارية طويلة الاجل مثلً
تأجير الأرض لإقامة مشروع استثماري عليها كمصنع او قاعة افراح أو غيرها فقد يتم الاتفاق على الإيجار الشهري للسنوات
الاولى وبعد ذلك يطالب المؤجر زيادة الإيجار خاصةيكون الايجار بالعملة المحلية
التي تنخفض قيمتها وبالمقابل تتعاظم ارباح
المستاجر المستثمر فعندئذ يحدث الخلاف بشأن المعايير التي يتم اعتمادها في تقدير
زيادة الإيجار، ولا ريب أن هناك معايير يتم اللجوء اليها في تقدير الإيجار في هذه
الحالة كمعيار إيجار المثل، ولكن الحكم محل تعليقنا تضمن اجتهادا جديدا موفقا
اضاف معياراً شرعياً وقانونياً جديداً في
تقدير زيادة الإيجار عند عدم الاتفاق المسبق عليها وهو تقدير الإيجار او الزيادة
فيه على أساس المنفعة التي يحصل عليها المستأجر من العين، ولأهمية هذا المعيار فقد
اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 18/1/2011م في الطعن المدني رقم (40486) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم أن ورثة قاموا بتأجير أرضهم لمصنع كبير أقام عليها
بعض منشأته وقد اتفق الورثة مع المصنع على قدر الإيجار الشهري ولكنهم لم يتفقوا
على مدة الإيجار أو كيفية زيادة الإيجار في السنوات القادمة، وبعد مضي سنوات من عقد
الايجار طالب الورثة من المحكمة الابتدائية المختصة الزام المصنع باخلاء العين
وبعد أن نظرت المحكمة في القضية توصلت المحكمة إلى اصدار حكماً من أفضل أحكام
القضاء في اليمن تضمن اجتهاداً يحسب للقضاء اليمني ومفاد هذا الحكم: (لزوم استمرار
عقود الإيجار المشار اليها في سياق الحكم لعدم وجود ما يقتضي الحكم ببطلانها
وللمؤجرين الاجرة المناسبة مع المنفعة التي تحققها الشركة من المساحة المؤجرة
حسبما يقدر ذلك خبيران عدلان تعينهما المحكمة عند الاختلاف ولا شيء في المصاريف)
ولان الحكم على هذا النحو من الانصاف فقد أيدته محكمة الاستئناف واقرته المحكمة
العليا فصار سنداً تنفيذياً، وعند تنفيذ هذا الحكم بنظر المحكمة الابتدائية اختار
المؤجرون عدلاً عنهم واختار المصنع عدلاً عنه لتقدير الإيجار بحسب المنفعة التي
يحققها المصنع من الأرض المؤجرة فقدم كل عدل تقريره منفرداً فقامت المحكمةباختيار
عدل مرجح،ً فقرر العدل المرجح أن المساحة أربعمائة قصبة وأن إيجار القصبة الواحدة
في ضوء المنفعة هو خمسمائة ريال فيكون إجمالي الإيجار مأتي ألف ريال شهرياً
والمحكمة ترى أن تقرير المرجح هو الأقرب للصواب ويتفق مع الحكم السند التنفيذي
الذي قضى بزيادة الإيجارات بما يتناسب مع المنفعة التي تحققها الشركة من استخدام
العين المؤجرة كبيارات لتجميع المياه الخارجة من المصنع كما أن هذه الزيادة تتناسب
مع ما فات على المؤجرين من منفعة لو ظلت العين المؤجرة على أصلها وظلت أرضاً
زراعية ولذلك تأمر المحكمة الشركة صاحبة المصنع بمحاسبة المؤجرين بالإيجار مبلغ
مائتين ألف ريالاً شهرياً) فلم يقبل الطرفان بالقرار التنفيذي للمحكمة الابتدائية
فقاموا باستئنافه فقبلت الشعبة الاستئنافية ذلك وقضت بالغاء القرار التنفيذي
وإعادة الأوراق إلى المحكمة الابتدائية لتنفيذ الحكم سند التنفيذ الذي قضى بقيام
المحكمة ذاتها باختيار عدلين لتقدير الإيجار بحسب منفعة المصنع من الأرض، وقد جاء
في أسباب الحكم الاستئنافي أن محكمة التنفيذ خالفت الحكم سند التنفيذ عندما قررت
تكليف الاطراف باختيار العدل وقامت باختيار مرجح ثالث في حين أن الحكم السند
التنفيذي قد قضى بقيام المحكمة باختيار العدلين، فلم يقبل المؤجرون بالحكم
الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت
الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (والدائرة بعد الرجوع إلى
الأوراق مشتملات ملف القضية وجدت أن ما نعى به الطاعنون غير ذي تأثير لان قرار
المحكمة الابتدائية محكمة التنفيذ بتكليف الاطراف باختيار العدول لايوافق ما ورد
في السند التنفيذي الذي صرح بان المحكمة ذاتها هي التي تقوم باختيار العدلين،
ولذلك فانه يتعين إرجاع الأوراق إلى محكمة التنفيذ للسير في إجراءات التنفيذ بتعيين
عدلين خبيرين لتقدير الأجرة المستحقة وفقاً لما قرره الحكم السند التنفيذي) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : معيار زيادة الإيجار على أساس إيجار المثل :
يقرر قانون تنظيم
العلاقة فيما بين المؤجرين والمستأجرين على أحقية المستأجر البقاء في العين المعدة
للإيجار طالما والمستأجر يقوم بالوفاء بالتزاماته وطالما والموجر يريد زيادة
الايجار، ويقرر القانون أن الزيادة تكون بحسب إيجار المثل أي العين المماثلة صفة
ومساحة في الشارع ذاته خاصة القريبة منها، وكذا يقرر القانون المدني وقانون الوقف
على ان إيجار الوقف لا يقل عن إيجار المثل، كما أن الشرع والقانون يقررا الزام
الغاصب للعين بدفع اوفر الإيجار وهو أعلى إيجار أو غلة للعين المماثلة للعين
المغصوبة، وخلاصة القول أن معيار إيجار المثل من أهم المعايير المقررة في القانون
والعرف لتقدير الإيجار او زيادته عند عدم
الاتفاق المسبق عليه أو عند زيادة الإيجار بعد انتهاء مدة الإيجار المتفق عليها في
البداية، الا ان هذا المعيار ينظر الى العين الموجرة المماثلة بصرف النظر عن
منفعتها.
الوجه الثاني : معيار زيادة الإيجار على أساس قيمة المنفعة الإيجارية :
وهذا
المعيار هو الاجتهاد الذي توصل اليه الحكم محل تعليقنا وهو الذي قضت المحكمة
العليا بوجوب الالتزام به حسبما توصل اليه القاضي حيث أوجب حكم المحكمة العليا
قيام محكمة التنفيذ بانتداب خبيرين عدلين لتقدير مقدار الزيادة في الإيجار على
أساس المنفعة التي ينتفع بها المصنع من الأرض المؤجرة، وهذا الاجتهاد للقضاء
اليمني موافق لطبيعة عقد الإيجار وتكييفه وتعريفه، على أساس أن عقد الايجار تمليك
منفعة كما أنه يتفق مع غالبية أحكام الاجارة ومنها نقصان قيمة إيجار العين بقدر
نقصان المنفعة، وإضافة إلى ما سبق فأن هذا المعيار مناسب في حالة عقود الإيجار
الطويلة الاجل التي تتغير فيها منفعة العين بالزيادة المفرطة عما كانت عليه في
بداية العقد مثل عقود إيجار الأراضي لمصانع أو قاعات الأفراح أو المطاعم
الكبيرة وغيرها من المشاريع الاستثمارية باعتبار الأرض عنصر من عناصر الانتاج والاستثمار،
علاوة على أن هذا المعيار أكثر عدالة من معيار (إيجار المثل) لان الإيجار يتم
تقديره على أساس قيمة المنفعة التي يحصل عليها المستأجر فعلا من العين المؤجرة،
وهذه المنفعة تختلف من عين الى اخرى وأن تماثلتا، فهناك محالات تجارية متماثلة
ومتجاورة ولكن مقدار منافعها تختلف من مستأجر إلى مستأجر بحسب نوع النشاط الذي
يباشره المستأجر في المحل،ولذلك فان معيار تقدير الايجار بحسب المنفعة اكثر
عدالةمن غيره.
الوجه الثالث : قيام محكمة التنفيذ بتعيين الخبراء العدول بحسب ما قضى به الحكم سند التنفيذ:
كانت محكمة التنفيذ قد خالفت الحكم سند التنفيذ حينما كلفت الاطراف بتعيين الخبراء العدول وقامت المحكمة باختيار مرجح للخبيرين،في حين ان الحكم السند التنفيذي قد قضى بان تتولى محكمة التنفيذ ذاتها تعيين العدلين لمعرفة مقدار او قيمة المنفعة التي يحصل عليها المصنع من الارض المؤجرة وتقدير الزيادة في الايجار في ضوء ذلك ،وليس كما صنع العدول المختارون من الاطراف حيث ذهب كل عدل في تقريره الى نصرة الطرف الذي اختاره بل ان الخبير المرجح قد فسر منفعة الارض بالنسبة للمؤجر!!!!!على اساس المنفعة التي كان المؤجرون يحصلون عليها لو لم يقوموا بتاجيرها للمصنع وهي الزراعة،في حين ان المقصود بالمنفعة حسبما ورد في الحكم سند التنفيذ هي المنفعة التي تعود على المصنع من الارض المؤجرة له لان الايجار مقابل المنفعة وليس العكس، والله اعلم.