التحجر في المراهق العامة للدولة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
المراهق
العامة هي الجبال والآكام والمنحدرات والسوائل العظمى وغيرها حسبما نص قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة
(2)كما
ان القانون يقرر حق جميع المواطنين في الإنتفاع المشترك بها كالرعي والاحتطاب
وغيرهحسبما ورد في المادة (44) ويعرف القانون المدني التحجر بانه وضع
جدران أو زرب أو علامات أو خندق يحيط بالأراض الموات بما يظهر لبقية المواطنين
اختصاص المتحجر بتلك الارض دون غيره من عموم المواطنين أي ان التحجر حبس منفعة
المراهق العامة على المحتجر وحده ومنع غيره من المواطنين من الإنتفاع بالأرض التي
احتجرها لنفسه ، وللأسف الشديد ان القانون المدني لم يدرك الآثار المترتبة على
التحجر في المراهق العامة، وتكمن القيمة العلمية والقضائية للحكم محل تعليقنا في
تناوله لهذه المسألة المهمة، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/4/2013م في الطعن رقم
(47106) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان ثلاثة مواطنين اختلفوا
فيما بينهم بشأن الإنتفاع بالرعي والحطب من المنحدرات الجبلية وهي من المراهق
العامة للدولة حيث قام احدهم بعمل سياج (حوش) على مساحة كبيرة من المنحدر الجبلي
واستأثر به بالإنتفاع به دون غيره بالرعي فقام مواطنان بمنازعته في ذلك والادعاء
بأحقيتهما في الانتفاع بالرعي في المنحدر الذي قام المدعى عليه بوضع السياج عليه،
فقامت المحكمة الابتدائية بإدخال مكتب هيئة الأراضي الذي أدعى بان الأرض محل
النزاع هي عبارة عن مراهق عامة (منحدر جبلي) وفقاً للقانون، وقد توصلت المحكمة
الابتدائية إلى الحكم بثبوت ملكية الدولة ممثلة بالهيئة العامة للأراضي ملكيتها للارض محل النزاع واحقية المدعين والمدعى عليه وغيرهم من المواطنين
بالرعي في الأرض محل النزاع، وقد ايدت محكمة الاستئناف الفقرتين من منطوق
الحكم الابتدائي المتعلقة بملكية الدولة
للارض محل النزاع واحقية المواطنين في الإنتفاع بها بالرعي وغيره ، فلم يقنع
المتحجر للارض بالحكم فقام بالطعن فيه بالنقض غير ان الدائرة المدنية رفضت الطعن
وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم
الاستئنافي قد جاء موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون لما علل به واستند اليه
لقضائه بتأييد والغاء وتعديل منطوق الحكم الابتدائي على النحو الثابت في اسباب
ومنطوق الحكم الاستئنافي مع قضائه بحق الانتفاع للأطراف بالرعي في موضع النزاع
بحسب ما كان عليه اسلافهم، اما القول بان الحكم قد قضى لمن لم يكن طرفاً وخصماً
ولم يمثل تمثيلاً صحيحاً وهو الهيئة العامة لأراضي الدولة فما جاء في هذا السبب لا
صحة له فقد مثلت هذه الهيئة تمثيلاً صحيحاً امام محكمة الدرجة الأولى وحكم لها ولم
يطعن أي طرف ضدها امام الشعبة الاستئنافية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية التحجر في القانون المدني وغرضه :
التحجر
مأخوذ من الحجارة التي تتخذ جداراً او علامات تبين ان الأرض الواقعة فيما الحجارة
او الجدران من حق المتحجر وحده دون غيره وهناك من يذهب الى ان التحجر ماخوذ من
الحجر أي المنع أي منع الناس من الدخول أو الانتفاع بالأرض المحتجرة، ومن ذلك قوله
تعالى ( حجرا محجور) حيث نصت المادة 1251مدني على ان (يكون التحجر بوضع الأعلام
في جوانب الارض اما بنصب احجار متفرقة أو باتخاذخندق غير عميق او ربط اغصان الشجر
ببعضها إلى بعض) كما يقع التحجر بوضع سياج او زرب يحيط بالأرض بالأرض
المحتجرة حسبما اشار الحكم محل تعليقنا،
والغرض من التحجر هو التمهيد لإحياء الأرض خلال مدة ثلاث سنوات فتكون الأرض
المحتجرة بعد الاحياء ملكاً خاصاً وخالصاً للمحتجر فأن لم يقم بالإحياء فان التحجر
يسقط خلال ثلاث سنوات حسبما قرر القانون المدني.
الوجه الثاني : الأرض التي يتم التحجر فيها :
طبعاً
التحجر يقع على أراضي الدولة بما فيها المراهق العامة والأراضي البور والصحرواية
والجزر والشواطئ...الخ حسبما هو ظاهر في المادة (1242) مدني التي نصت على أنه يجوز
احياء او تحجر الأرض الموات المباحة للكافة وهي التي لم يملكها احد ولا تحجرها احد
ولا تعلق بها حق عام أو خاص وفقا لما هو منصوص عليه في القانون المدني وقانون
المراهق والمرافعات العامة والخاصة.
الوجه الرابع : التحجر والبسط على أراضي الدولة :
اشترطت
المادة (1243) مدني عند الاحياء في الأراضي الموات وهي من أراضي الدولة وفقاً لما
نص عليه قانون أراضي الدولة اشترط القانون المدني صدور اذن رئيس الدولة قبل الاحياء في حين لم يشترط
القانون ذاته صدور هذا الاذن بالنسبة للتحجر، وعندما نتأمل ماهية التحجر المبينة
في الوجه الأول من هذا التعليق نجد ان التحجر يتم بوضع علامات أو زرب او حجارة
تمنع الاخرين من الانتفاع بأرض الدولة بما فيها هيئة اراضي الدولة لان القانون
المدني قد اعترف بأحقية المتحجر في الاحتجار من غير اذن الدولة، وعلى هذا المعنى
فان التحجر المقرر في القانون المدني هو شرعنة واضحة للبسط على أراضي الدولة ومنع
بقية المواطنين من الانتفاع بالارض المحتجرة، مع ان قانون أراضي الدولة يجرم البسط
على أراضي الدولة ويمنع أي تصرف من التصرفات في أراضي الدولة إلا بإذن هيئة أراضي
وموافقتها حسبما هو مقرر في المواد (4 و 17 و47) من قانون أراضي الدولة.
الوجه الخامس : التحجر ومنع المواطنين من الانتفاع المشترك بالمرافق العامة :
للمراهق
العامة وظيفة هامة وحيوية لاسيما في اليمن حيث انها توفر لكل المواطنين الانتفاع
المشترك بالمراهق العامة كالرعي والاحتطاب وغيره، فالمراهق العامة تحقق مصالح عامة
لعامة الشعب بدون استثناء أو اختصاص لبعض المواطنين دون غيرهم ،ولذلك فان المادة(44)
من قانون اراضي الدولة تنص على ان (يظل الحق في الإنتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقررا
للكافة سواء بالرعي او بالاحتطاب أو غيره ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق إلا
لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة) وفي ضوء ذلك يظهر ان التحجر تعبير عن روح أنانية
متطلعة للاستفراد والاستئثار بالمراهق العامة والاختصاص بها وحرمان عامة الشعب
من الانتفاع المشترك بها، والله اعلم.