حكم المبالغ خارج الحساب الجاري

 

حكم المبالغ خارج الحساب الجاري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تفصل الأحكام في نزاعات بين الأشخاص بشأن حسابات أو تتم المخالصة فيما بين الأشخاص لانهاء الحسابات والمطالبات بينهم، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان أية مبالغ لم يرد ذكرها في الحسابات التي حسمتها الأحكام أو المخالصات لا تعد تلك الأحكام او المخالصات فاصلة فيها، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/1/2013م في الطعن رقم (47101) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً تقدم بدعوى إلى المحكمة الابتدائية مفادها ان المدعى عليه مدين له بمبلغ فلما حضر المدعى عليه دفع بعدم جواز قبول الدعوى لانه قد تم حسم كافة المعاملات المالية والحسابية بحكم قضائي سابق، فعقب المدعى عليه بان المبلغ المدعى به لم يرد ذكره في الحسابات التي فصل فيها الحكم السابق، فقضت المحكمة الابتدائية برفض الدفع والحكم للمدعي بالمبلغ على أساس انه قد ثبت للمحكمة ان المبلغ ثابت بذمة المدعى عليه وانه قد ثبت أيضاً ان المبلغ لم يذكر في الحساب الذي تم الفصل فيه بموجب الحكم السابق، وقد قضت الشعبة المدنية بتأييد الحكم الابتدائي، وكذا أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وما اشار اليه الطاعن من ان السند المؤرخ ... موضوع الدعوى قد تم حسم  الخلاف بشانه حيث أن ذلك السند قد دخل في الحسابات بين الطاعن والمطعون ضده الصادر بذلك حكم مقر من المحكمة العليا،فما ذكره الطاعن  مردود عليه بما اشارت اليه المحكمة في حيثياتها بأنها قد اطلعت على الحكم السابق  الذي يحيل الطاعن عليه من ان المليون المدعى به في السند قد شملته الحسابات امام المحكمة عند نظرها الدعوى  السابقة المشار اليها ولكن المحكمة لم تجد في الحكم السابق المشار اليه ما يفيد دخول المبلغ المدعى به في مفردات الحساب الصادر بشأنها الحكم السابق مما يتعين معه رفض الطعن موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : مفردات الحساب الجاري بين الأشخاص :

وفقاً لأحكام الحساب بين الأشخاص الذي اشار اليه الحكم محل تعليقنا التي نظمها القانون التجاري بمسمى الحساب الجاري بين الأشخاص، فوفقاً للنصوص القانونية المنظمة لهذا الحساب فانه يتكون من مفردات الحساب وهي عبارة عن قيود محاسبية من جانبين دائن ومدين، فهذه القيود توثق المبالغ المدفوعة والمستلمة من قبل طرفي الحساب الجاري الدائن والمدبن حيث يبين الحساب مقدار المبلغ المدفوع والمستلم وتاريخه، ويظهر هذا الحساب تاريخ بدء التعامل وتاريخ انتهاء الحساب وحصيلة الحساب التي تبين الدين والدائن والمدين، ويسمى هذا الحساب بالحساب الجاري لانه يظهر المعاملات المالية الجارية بين الطرفين وعملياتها الحسابية التي جرت خلال فترة معينة، والقيود المحاسبية المدونة في كشف الحساب الجاري يتم قيدها بموجب مستندات أصولية تكون محفوظة لدى الشخص الذي يعد كشف الحساب، فهو المسئول قانوناً عن إثبات صحة هذه القيود الحسابية أو المفردات.

الوجه الثاني : الشخص الذي يعد الحساب الجاري :

في بعض الحالات يتفق الشخصان او الاشخاص على تحديد الشخص الذي يقوم بإعداد كشف الحساب الجاري وغالباً ما يكون هو الشخص الذي يتولى دفع المصاريف وإستلام المبالغ مثل الشخص الذي تناوله الحكم محل تعليقنا حيث كان المسئول عن ادارة مشروع الكهرباء المشترك فيما بينه وبين المدعى عليه حيث كان يتولى إستلام المبالغ المستحقة للمشروع كما كان يقوم بدفع المبالغ المستحقة للغير على المشروع حيث يقوم بقيد عمليات الصرف والاستلام أولا باول، وفي بعض الحالات يكون هناك حساب جاري مشترك بين الأشخاص مزدوج حيث يقوم كل واحد منهما بإعداد كشف حساب بالمبالغ المستلمة والمصروفة من قبله وتتم المقابلة بين كشوفات الحساب المشترك للتأكد من تطابق الكشوفات والحسابات المشتركة لاستخلاص الحصيلة النهائية  وبيان الدائن والمدين ومقدار الدين.

الوجه الثالث : المصادقة على كشف الحساب الجاري والاعتراض عليه :

يقوم الشخص الذي يعد كشف الحساب الجاري بموافاة الشخص أو الطرف الاخر افي الحساب كأن يكون شريكاً أو وارثاً يقوم بموافاته بكشف الحساب المشار اليه لمطالعته ومن ثم المصادقة عليه او الاعتراض عليه أو طلب تصحيح بعض القيود أو طلب الاستفسار عن بعض العمليات، وينبغي ان يتم ذلك خلال مدة معقولة يحددها مقدم الحساب ويحبذ ان تكون هذه المدة خمسة عشر يوما وان تدون  في نهاية الحساب ملاحظة مضمونها انه (في حالة عدم الاعتراض على الحساب خلال مدة اسبوعين فسيكون ذلك بمثابة موافقة او مصادقة من قبله على ما ورد في كشف الحساب دون حاجة إلى أي اجراء أخر)، وتترتب على المصادقة صيرورة كشف الحساب نهائياً، اما اذا اعترض على كشف الحساب فيجب عليه ان يبين أوجه اعتراضه وان يقدم المستندات المؤيدة للاعتراض.

الوجه الرابع : تصفية الحساب والمخالصة :

من مبادئ الحساب الجاري مبدأ وحدة الحساب أي ان الحساب يكون وحدة واحدة وان كانت القيود او العمليات قد تعددت فيما بين طرفي عقد الحساب خلال فترة معينة إلا أنها تندمج حيث تتم  المقاصة بين العمليات التي يتضمنها كشف الحساب دائم ومدين حتى ينتج عن ذلك الحصيلة النهائية للحساب ببيان الدائن والمدين ومقدار الدين بصفة عامة، ولذلك فان تصفية الحساب الجاري تتم  في بعض الحالات بغرض إنهاء العلاقة او التعامل بين الطرفين حيث يقوم المدين بعد تصفية الحساب  بسداد مديونيته بموجب مخالصة نهائية، فتنتهي بذلك العلاقة بين الطرفين بانتهاء أو تصفية الحساب والعلاقة معا، ونطاق حجية التصفية في هذه الحالة يكون قاصراً على مفردات الحساب الواردة في الكشف، فاذا ظهرت أية عملية أخرى لم يتم ادراجها في الكشف فيحق لصاحب الحق المطالبة بحقه الثابت في تلك العملية أو المعاملة لانها لم تكن واردة ضمن مفردات الكشف الذي تمت تصفيته، اما اذا تمت المخالصة بين الطرفين على أساس انهاء الطلبات والدعاوي المتبادلة بينهما فيقر الطرفان بان العلاقة بينهما قد انتهت وانه لم يعد لأي منهما لدى الأخر أي حق أو دعوى أو طلب فذلك إقرار من الطرفين بان كل واحد منهما قد اقتضى كل حقوقه من الطرف الاخر، وتبعاً لذلك لا يجوز لاي منهما تقديم دعوى أو طلب بعد المخالصة النهائية التي قطعت العلاقة وقطعت الحسابات والطلبات والحقوق، والله اعلم.