تأثير نقل القضاة على الحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
تستدعي نقل القضاة اعتبارات لسنا بصدد الحديث عنها لأن مجال تعليقنا هو تأثير هذا النقل على الحكم القضائي لاسيما أن قانون المرتفعات لم يصرح بكيفية معالجة تاثير نقل أعضاء هيئة الحكم كاملة أو بعضها على الحكم القضائي، ولذلك فقد أرشد الحكم محل تعليقنا إلى كيفية معالجة هذه الاشكالية، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم؛
الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/3/2014م في الطعن رقم (54425) الذي قضى بأنه (بالرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة ان حاصل السبب الأول من أسباب الطعن هو تخطئة الطعن للحكم بعدم سلامة اجراءاته من حيث تحريره واصداره ، ولذا فان الدائرة تقرر ان القاعدة المتبعة في حالة صدور حركة قضائية شملت جميع اعضاء هيئة الحكم وفي حالة أنهم قاموا جميعا بالتوقيع على مسودة الحكم فعندئذ يلزم ان تنطق بالحكم الهيئة الخلف وتؤشر بما يفيد صدوره من الهيئة السلف قياساً على ما ورد في المادة (228) مرافعات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: تأثير نقل القاضي الفرد بعد توقيعه على مسوّدة الحكم
تصرح المادة (13) مرافعات على أنه لا تأثير لنقل القاضي بعد حجزه للقضية للحكم فيها أو اعداده للمسوّدة وتوقيعه عليها ولو لم ينطق بالحكم ،حيث نصت هذه المادة على أنه (لا يجوز للقاضي ان يحكم بعد انتهاء ولايته عدا ما سبق له حجزه من قضايا للحكم قبل صدور قرار نقله أو ندبه أو احالته للتقاعد وعليه انجاز تلك القضايا والتوقيع على كاملها وتسليمها الى خلفه للنطق بها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار والا تعرض للمحاسبة وفقاً لقانون السلطة القضائية) فهذا النص تناول نقل القاضي الفرد وتأثيره على القضايا التي كان القاضي الفرد قد حجزها للحكم فيها ، كما حدد هذا النص الإجراءات الواجب على القاضي الفرد المنقول اتباعها في هذه الحالة حيث يجب على القاضي إنجاز القضايا التي حجزها والتوقيع على احكامها وتسليمها للقاضي الذي يخلفه للنطق بها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ قرار نقله،وعندئذ ينبغي على القاضي الخلف أن ينطق بها وان يوشر في ادناها بأن القاضي السلف قام بالتوقيع على هذه الاحكام وأن القاضي الخلف قام بالنطق بها فقط كما ينبغي على القاضي الخلف أن يقوم باستكمال اجراءات اصدار تلك الاحكام مثل الختم عليها وتسليمها للخصوم أو اعلانهم بها.الوجه الثاني: تأثير نقل هيئة الحكم كلها بعد حجزها للقضية للحكم فيها
المادة (13) مرافعات السابق ذكرها بينت كيفية معالجة الحكم القضائي عند نقل القاضي الفرد فلم تتناول هذه المادة كيفية معالجة الحكم القضائي في حالة نقل هيئة الحكم كاملة بعد حجزها للحكم، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه ينبغي القياس على حالة نقل القاضي الفرد حيث ينبغي تطبيق ماورد في المادتين (13) و (228) مرافعات على نقل هيئة الحكم كاملة بعد حجزها للقضية للحكم قياساً على نقل القاضي الفرد بعد حجزه للقضية للحكم، حيث قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على الهيئة التي سبق لها ان حجزت القضية للحكم ان تقوم خلال الاشهر الثلاثة التالية لقرارها بالحجز ان تقوم بإنجاز الأحكام في القضايا المحجوزة وان تقوم بالتوقيع عليها وتسليمها للهيئة الخلف للنطق بها، وان تقوم الهيئة الخلف بالتأشير في ادنى الحكم ان الهيئة السلف قد قامت بالتوقيع على الحكم وان الهيئة الخلف قامت بالنطق به علناً في جلسة كذا وبعد ذلك تقوم الهيئة الخلف باستكمال اجراءات اصدار تلك الاحكام كختمها واعلانها.الوجه الثالث: أثر نقل بعض اعضاء هيئة الحكم
لم يصرح قانون المرافعات بكيفية معالجة هذه المسألة الا أنه يمكن الاستئناس والقياس على حالة وفاة القاضي أو مرضه مرضاً يعقده عن العمل أو احالته للتقاعد بعد توقيعه على مسوّدة الحكم، حيث تنص المادة (288) مرافعات على ان (3- موت القاضي أو مرضه المعقد لا يؤثر على وجود وصحة الحكم الذي وقع على مسودته فاذا كان القاضي فرداً فتحرر نسخة الحكم الأصلية وتذيل باسمه وعلى خلفه ان يحرر ادنى ذلك ما يفيد صدور الحكم اعلاه عن سلفه ثم يوقع على ما حرره ويختمه بختم المحكمة اما اذا كان القاضي المتوفي أو المقعد عضواً ضمن هيئة فيتم توقيع نسخة الحكم من بقية اعضاء الهيئة شريطة ان لا يقل عددهم عن الاغلبية المطلوبة فاذا جاء الخلف لذلك العضو واكتمل تشكيل الهيئة فيذكر أدنى ذلك سبب خلو الحكم من توقيع العضو ويختم كل ذلك بتوقيع الهيئة الجديدة وختم المحكمة) اما اذا تم نقل بعض اعضاء الهيئة قبل توقيعهم على مسوّدة الحكم فيتم فتح باب المرافعة لتمكين العضو أو الاعضاء الجدد من الاستماع إلى المرافعة والمشاركة في المداولة ومن ثم النطق بالحكم.الوجه الرابع: الحكمة من عدم تأثر الحكم بنقل القاضي بعد توقيعه على مسوّدة الحكم
المسوّدة هي: عبارة عن اخراج الحكم القضائي من ذهن القاضي وكتابة الحكم على الورق، فالحكم كان قبل كتابة المسوّدة مجرد افكار في ذهن القاضي وضميره، فكتابة المسوّدة عبارة عن اثبات وجود الحكم القضائي خارج ذهن القاضي، كما أن توقيع القاضي على المسوّدة دليل قاطع على صحة نسبة الحكم الى القاضي الذي قام بالاستماع إلى المرافعة والمشاركة في المداولة وإنما قصده القاضي في كتابته للمسودة هو اخراج الحكم الى الواقع والتأكيد على أن القاضي نفسه هو الكاتب المسوّدة وانه بتوقيعه عليها قد نسب الحكم اليه، ولذلك فان كتابة المسوّدة والتوقيع عليها من قبل القاضي إثبات لوجود الحكم خارج ذهن القاضي فلم يبق الا اشهار هذا الحكم والنطق به في جلسة علنية حتى تترتب عليه اثاره القانونية، والله اعلم.