جرائم التزوير التي تختص بنظرها المحاكم الجزائية المتخصصة

جرائم التزوير التي تختص بنظرها المحاكم الجزائية المتخصصة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

بعض جرائم التزوير تكون ذات خطورة على المجتمع كالتزوير في مستندات الملكية والتزوير في الجوازات والبطاقات الشخصية، ولان جرائم التزوير في هذه الحالة تشكل خطرا على المجتمع فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان هذه الجرائم تختص بنظرها المحاكم الجزائية المتخصصة وفقاً لقرار انشاء هذه المحاكم الذي نص في المادة (35) على اختصاص المحكمة الجزائية بنظر الجرائم ذات الخطر العام. 
والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/6/2011م في الطعن رقم (430001)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان النيابة الجزائية المتخصصة قامت باتهام احد الموظفين بتزوير محررات بقصد الحصول على جواز سفر خاص من وزارة الخارجية باسم غير اسمه، فحكمت عليه المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة بالحبس لمدة سنة وإتلاف المحررات المزورة، فقام المتهم باستئناف الحكم دافعاً بعدم اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة بنظر القضية لانها من قضايا التزوير فالاختصاص بنظرها ينعقد للمحاكم العادية ،وقد توصلت الشعبة الجزائية المتخصصة إلى تأييد الحكم الابتدائي ،وذكرت في اسبابها ان التزوير في الجوازات ذو خطورة على المجتمع ولذلك فجرائم التزوير في هذه الحالة تندرج ضمن الفقرة المضافة إلى المادة (35) من القرار الجمهوري رقم (391) لسنة 1999م بإنشاء محكمة جزائية متخصصة، فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم، إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا وجه له لسلامة التسبيب الذي استند اليه الحكم حيث اوضحت الشعبة سلامة الحكم الابتدائي فيما قضى به من الإدانة للطاعن لاستناده إلى قانون انشاء المحاكم الجزائية المتخصصة الذي ادخل الجرائم ذات الخطورة على المجتمع في اختصاصها في الفقرة المعدلة والمضافة إلى قرار إنشاء تلك المحاكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: قضايا التزوير التي تدخل ضمن الجرائم ذات الخطورة على المجتمع:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بان جريمة تزوير محررات رسمية من شانها الحصول على جواز خاص صادر من الخارجية بإسم شخص آخر غير صاحب الوظيفة يعد من الجرائم التي تشكل خطورة على المجتمع لان حصول شخص على جواز شخص باسم غير اسمه يمكن حامل الجواز الخاص من السفر باسم غير اسمه واستعماله على خلاف العرض الذي ابتغاه القانون كما أن ذلك يمكن الجاني من الامتيازات المقررة لحاملي الجوازات الخاصة وهم من كبار الموظفين (مدراء العموم) وفي حكم التزوير في الجوازات تزوير بطاقات الهوية (البطاقة الشخصية والعائلية والعسكرية) وكذا تزوير المؤهلات العلمية كشهادات الليسانس والماجستير والدكتوراة وتقليد اختام الدولة وتوقيعات كبار المسئولين وتزيبف العملات وغيرها من الوثائق التي تمكن صاحبها من استعمالها في اغراض او اعمال او تصرفات من شأنها ان تشكل خطراً على المجتمع ومن هذا المنطلق فقد تمت في الاونة الاخيرة إحالة قضايا التزوير في محررات الملكية (البصائر) إلى المحكمة الجزائية المتخصصة لنظرها باعتبار التزوير في وثائق الملكية جرائم تهدد السلم والأمن المجتمعي لما يترتب على التزوير فيها من صراعات ونزاعات تسفر عن جرائم اخرى كالقتل والاعتداء.

الوجه الثاني: عمومية الجرائم ذات الخطر على المجتمع وتوصيتنا:

يذهب الفقيه الايطالي (فيري) إلى ان هناك تماهي فيما بين جرائم الخطورة الإجرامية والخطورة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق فان كل الجرائم تشكل خطراً على المجتمع وإلا لما تم تجريمها وفرض العقاب على مرتكبيها (نظرية التجريم في القانون الجنائي، د.رمسيس بهنام، صـ254) ومن هذا المنطلق فان النص في قرار إنشاء المحاكم الجزائية المتخصصة على اختصاصها بنظر الجرائم ذات الخطر على المجتمع سيفتح الباب واسعاً امام الاجتهادات والتفسيرات الفردية لإلحاق أية جريمة واعتبارها ذات خطر على المجتمع، ولذلك فاننا نوصي بإعادة صياغة هذا النص وان يتم تحديد وتعداد الجرائم الخطرة على المجتمع التي تختص بها المحاكم الجزائية المتخصصة وعدم الاكتفاء بذكر مفهومها العام (الجرائم ذات الخطر العام على المجتمع) والله اعلم.
جرائم التزوير التي تختص بنظرها المحاكم الجزائية المتخصصة
جرائم التزوير التي تختص بنظرها المحاكم الجزائية المتخصصة.