آثار غلق الحساب الجاري
أ.د عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعه صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/2/2012م في الطعن التجاري رقم (51082) لسنة 1434هـ وخلاصة
أسباب هذا الحكم أنه ( من خلال دراسة الدائرة لأوراق القضية بما فيها عريضة الطعن
بالنقض فقد وجدت الدائرة أن الطاعن قد ذكر في الطعن سببين الأول:ان الحكم المطعون
فيه لم يحتسب له الفوائد المركبة إعتماداً على التقرير المحاسبي الذي أعده المحاسب
المكلف من محكمة الموضوع ، مع أن المطعون ضده قد استلم تكليفاً بالوفاء من قبل
الطاعن وقد تضمن هذا التكليف مبلغ الدين مع الفوائد المركبة ولم يعترض على المبالغ
المثبتة في ذلك التكليف حيث قام المطعون ضده بالتوقيع على ذلك التكليف دون إعتراض
على المبلغ المثبت فيه المتضمن الفوائد المركبة ، وهو المبلغ الذي ادعى به البنك
الطاعن ، وأردف الطاعن بالقول أن الحكم المطعون فيه قد خالف المادة (38) تجاري
التي تجعل دفاتر التاجر المنتظمة حجة ضد خصمه ، فقد تضمنت دفاتر البنك وحساباته
المديونية التي بذمة البنك شاملة الفوائد المركبة فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه
قد خالف الأعراف المصرفية المتبعة في المصارف والبنوك التي جرت على الإستمرار في
إحتساب الفوائد على المديونية حتى تاريخ قيام المدين بالوفاء بالمديونية ، كما أن
الإتفاق المبرم فيما بين البنك الطاعن والمطعون ضده قد أجاز الاستمرار في إحتساب الفائدة
حتى تاريخ قيام المدين بالوفاء ، والدائرة تجد أن هذه الأسباب مردود عليها بأن
المستند الذي أشار إليه الطاعن بأنه عبارة عن إقرار من المطعون ضده بكامل
المديونية التي بذمته للطاعن بما فيها الفوائد التي استمر البنك في إحتسابها على
المطعون ضده بعد غلق الحساب، فقد وجدت الدائرة ان هذا المستند عبارة عن تكليف
بالوفاء صادر من البنك الطاعن الى المطعون ضده المدين يكلفه بسداد رصيده المدين في
تاريخ التكليف وإلا فأن البنك سيضطر لإتخاذ الاجراءات القانونية ضد المطعون ضده
حيث أن البنك ينظر الى استلام المطعون ضده للتكليف وعدم اعتراضه يعد مصادقة من
المطعون ضده على صحة الحساب ، وهذا القول
محل نظر ، لأن القانون التجاري نظم أحكام الحساب الجاري ومن ذلك انه يتم غلق
الحساب الجاري في المواعيد المتفق عليها بين الطرفين وفي نهاية كل سنة مالية على
الأكثر ويستخرج رصيده الدائن والمدين حسبما ورد في المادة (377) تجاري وقد جرى
العمل في البنوك أنها تحصل على مصادقة مكتوبة من العميل على رصيد حسابه نهاية كل
سنة مالية ، لما لهذه المصادقة من فائدة ، فالمصادقة المكتوبة تعد إقرار من العميل
ويكون الإقرار حجة قاطعة على المقر وملزمة له وفقاً للمادة (87) إثبات ، ومن ثم
فلا يُقبل من البنك الطاعن الجدل خارج متطلبات القانون حيث لم يبرز أمام محكمة
الموضوع ما يثبت المبلغ الذي يدعي به في دعواه ، ومن جهة أخرى تنص المادة (379)
تجاري على أسباب غلق الحساب الجاري ومنها عدم تحرك الحساب مدة سنة من آخر قيد ،
ويترتب على غلق الحساب توقيف احتساب الفوائد بحكم القانون حسبما ورد في المادة
(380) تجاري وعندئذ يكون للبنك مطالبة صاحب الحساب أمام القضاء لا أن يركن إلى
إستمرار إحتساب فوائد غير قانونية على حساب مغلق ، وتأسيساً على ما سبق واستناداً
الى المادتين 292 و 300 مرافعات وبعد المداولة فإن الدائرة تصدر الحكم الآتي:
1-
رفض الطعن موضوعاً.
2-
مصادرة مبلغ الكفالة.
3-
يتحمل الطاعن مصاريف المطعون ضده عن مرحلة النقض
مبلغ قدره عشرون ألف ريالاً.
4- إعادة الأوراق الى الشعبة التجارية لارسالها الى محكمة اول درجة لإعلان
كل طرف بنسخة من هذا الحكم والعمل بموجبه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب
الأوجه التالية:
الوجه الاول: الاساس القانوني للحكم محل تعليقنا:
قرر الحكم محل تعليقنا أن الحساب الجاري يتم اغلاقه بحكم القانون اذا
انقضت سنة من تاريخ آخر قيد وكذا عدم جواز احتساب فوائد من وقت اغلاق الحساب ، واستند
الحكم في اغلاق الحساب الجاري الى المادة (379) تجاري التي نصت على أنه (يغلق
الحساب الجاري لأحد الأسباب الآتية:
1)
انتهاء المدة المحددة للحساب ويجوز اغلاقه قبل
إنتهاء هذه المدة باتفاق الطرفين.
2) بناء على طلب صاحب الحساب أو البنك اذا كان الحساب مفتوحاً لمدة غير
محددة مع مراعاة الإخطار المتفق عليها فإذا لم يتفق على ميعاد وجب إجراء الإخطار
قبل اسبوعين.
3)
موت المواطن أو إخضاعه للتصفية أو إعتباره عديم
أهلية الأداء أو ناقص أهلية الأداء أو إنتهاء الشخص الاعتباري صاحب الحساب.
4)
عدم تحرك الحساب مدة سنة من آخر قيد)
ومن خلال استقراء هذا النص نجد أن الحكم قد استند الى الفقرة (د) في
إمتناع احتساب الفوائد وهي حالة عدم تحرك الحساب لمدة سنة من آخر قيد أو حركة في
الحساب سواء بالإيداع أو السحب ، حيث ثبت لدى محكمة الموضوع أن الحساب الجاري
للمطعون ضده كان قد توقف منذ مدة طويلة ومع ذلك ظل البنك الطاعن يحتسب الفائدة مع
أن الحساب قد تم إغلاقه بحكم القانون ، كما أستند الحكم محل تعليقنا في تقريره منع
احتساب الفوائد عندما يكون الحساب مغلقاً أستند الى المادة (380) تجاري التي نصت
على أنه ( 1- يترتب على غلق الحساب الجاري اعتبار دين الرصيد حالاً وتوقف الفوائد
من تاريخ غلق الحساب ما لم يتبين غير ذلك من الاتفاق أو الظروف 2- يتقادم دين
الرصيد وفوائده طبقاً للقواعد العامة) فهذه المادة صريحة في أنه يترتب على غلق
الحساب الجاري لأي سبب وقف احتساب الفوائد إلا إذا كان هناك اتفاق أو ظروف تدل على
أن البنك والعميل قد اتفقا على استمرار احتساب الفائدة حتى لو تم إغلاق الحساب
وبناءً على ما تقدم فإن الحكم محل تعليقنا قد جاء موافقاً للقانون ، لأن الحساب
الجاري للمطعون ضده كان قد توقف قبل مدة طويلة ولذلك فإنه يعد مغلقاً بحكم
القانون.
الوجه الثاني : الآثار المترتبة على غلق الحساب
الجاري :
إذا تحقق سبب من اسباب غلق الحساب الجاري المحددة في المادة (379) تجاري
السابق ذكرها فان الحساب يعلق بحكم القانون ، ويترتب على غلق الحساب الآثار
الآتية:
1-
صيرورة رصيد الحساب حال الأداء:
فعند قفل الحساب يتم استخلاص نتيجة الحساب لتحديد الدائن والمين ومقدار
الدين ، لأن مفردات الحساب قبل غلقه تكون وحدة واحدة لا تتجزأ ، حيث نصت الفقرة(2)
من المادة (369) تجاري على أن ( تكون المفردات المقيدة في الحساب الجاري بمجموعها
غير قابلة للتجزئة قبل غلق الحساب وإستخراج الرصيد) فبعد إستخراج الرصيد يصير مبلغ
الرصيد ديناً حال الاداء يتوجب بحكم القانون على المدين به أن يسدده فوراً إلى
الدائن ، وقد أشار الحكم محل تعليقنا الى انه كان يتوجب على البنك الدائن بمجرد
غلق حساب المطعون ضده أن يطالبه بالوفاء بطريقة ودّية أو عن طريق القضاء حسبما ورد
في الحكم محل تعليقنا.
2-
توقف احتساب الفوائد:
فبمجرد غلق الحساب الجاري لأي سبب من الأسباب السابق ذكرها فيجب على
البنك ايقاف احتساب الفوائد الا اذا كان قد سبق له الاتفاق مع صاحب الحساب على
الإستمرار في إحتساب الفوائد حتى ولو تم إغلاق الحساب أو كانت هناك قرائن تدل على
الرضاء والموافقة على الإستمرار في إحتساب الفوائد كأن يقوم البنك بموافاة صاحب
الحساب بكشف حسابه بعد قفله متضمناً الفوائد فلا يعترض على ذلك خلال مدة معقولة
حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.
3-
تقادم الرصيد والفوائد:
فبمجرد غلق الحساب الجاري لأي سبب من الأسباب السابق ذكرها يبدأ تاريخ
تقادم الرصيد الناتج عن غلق الحساب الجاري مع الفوائد ، وهذه نتيجة منطقية لأن
الرصيد مع فوائده يكون حال الأداء وقت غلق الحساب ، ومدة تقادم دين الرصيد وفوائده
يتم احتسابها بحسب مدد التقادم المذكورة في قانون الإثبات حيث نصت المادة (23) من
هذا القانون على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار
ولم يرد ذكرها في المواد الأربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق مع
عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق الأداء من يوم ثبوته ما لم يضرب له أجلاً للسداد
فلا يعتبر مستحقاً إلا بعد انقضاء الأجل) وتنقطع مدة التقادم بالمطالبة حسبما ورد
في المادة السابقة سواء كانت المطالبة ودّية أو قضائية ، وقد تكون المطالبة
الودّية عن طريق تكليف أو إخطار إو إعلان بالوفاء كما قد تكون عن طريق موافاة
المدين بكشف حساب.
الوجه الثالث: أهمية إشعار صاحب الحساب الجاري بغلق
حسابه:
عند مطالعة المادة (379) تجاري التي حددت أسباب غلق الحساب الجاري لم تشر
هذه المادة الى مدة وكيفية إشعار صاحب الحساب بقفل حساب بسبب توقف الحساب مدة سنة
من آخر قيد ، وربما أن القانون لم ينص عليها على أساس أن من آثار قفل الحساب
إعتبار دين الرصيد حال الأداء فعند مضي سنة من آخر قيد في الحساب الجاري فإن البنك
يبادر حفظاً لدينه بمخاطبة المدين صاحب الحساب بالوفاء بدين الرصيد مع الفوائد وقد
أشار الحكم محل تعليقنا لهذه المسألة ، ولبيان أهمية هذا الإشعار والآثار المترتبة
عليه فمن المناسب الإشارة بإيجاز الى حكم صادر عن محكمة النقض في المغرب والتي قضت
بأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ألغت الحكم المستأنف القاضي برفض الدعوى
للتقادم وحكمت من جديد على المدعيين بدفع مبلغ ..... درهماً لبنك المغرب مع
الفوائد القانونية بعلة أن المدعين لم يعلما بتاريخ بدء مدة التقادم بعد قفل
الحساب ، وهذا يستوجب على البنك إشعار العميل بقفل الحساب إذا لم يتحرك لمدة سنة ،
فالبنك ملزم بالإشعار للتعبير عن إرادته قفل الحساب فلا يمكن للبنك استنتاج إرادة
العميل من سكوته لأنه لا يُنسب إلى ساكت قول ، وأنه ما دام ثبت للمحكمة أن البنك
لم يقم بإبلاغ عميليه المدعين الا بتاريخ 11/11/2005م وأن الدعوى تم تقديمها
بتاريخ 22/4/2008م فإن الدعوى تكون غير متقادمة لعدم مضي مدة التقادم في حين أقر
البنك بموجب مذكرته المقدمة في جلسة 14/9/2010م أن الحساب قد تم قفله في يناير
1997م وأنه قام بتوجيه عدة إنذارات ودية الى المدعين أولها بتاريخ 16/1/2001م وهو
ما يفيد أن المحكمة أخطأت في تحديد تاريخ بدء احتساب أمد التقادم من يوم القفل
الحقيقي حيث اعتبرت أنه كان بتاريخ 11/11/2005م ورتبت عليه عدم تقادم الدعوى وبذلك
جاء قرارها غير مستند على أساس قانوني سليم وعرضةً للنقض ، ولأنه قد ثبت عدم اشعار
البنك للمدعين بقفل الحساب وإنما أنذرهما بسداد المديونية فإن دعوى المدعين غير
متقادمة)
الوجه الرابع : متى يكون التكليف بالوفاء إشعاراً
بغلق الحساب؟ ومتى يفهم منه موافقة صاحب الحساب على الاستمرار باحتساب الفوائد بعد
غلق الحساب؟
أشار الحكم محل تعليقنا بأن التكليف بالوفاء الصادر عن البنك والمتضمن
رصيد الدين عند غلق الحساب بالإضافة الى الفوائد المركبة التي استمر البنك في
احتسابها بعد غلق الحساب ، وأن صاحب الحساب قد استلم التكليف ولم يعترض على احتساب
الفوائد بعد قفل الحساب ، وقد رفض الحكم محل تعليقنا استدلال البنك بهذا التكليف
لأن المبلغ الذي تضمنه التكليف لم يكن حساباً تفصيلياً يبين رصيد الحساب عند قفله
والفوائد المحتسبة بعد قفل الحساب وإنما ذلك الإخطار تضمن مبلغاً إجمالياً لم
يُشار فيه إلى رصيد الدين عند غلق الحساب والفوائد المحتسبة بعد ذلك حتى يكون صاحب
الحساب على بينة من أمره فيوافق عن علم أو يعترض عن علم.
كما أن التكليف بالوفاء لا يكون إخطاراً بتاريخ قفل الحساب الجاري إلا
إذا كان قد تضمن افادة صاحب الحساب بأنه آخر حركة في حسابه كانت بتاريخ كذا ، وأن
الحساب قد تم إغلاقه بتاريخ كذا ، والله أعلم.
الأسعدي للطباعة ت /772877717