تقادم مطالبة العامل بحقوقه عن اصابات العمل

 

 تقادم مطالبة العامل بحقوقه عن اصابات العمل

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

كفل قانون العمل حقوق العامل إلا انه ينبغي على العامل المطالبة بحقوقه قبل المدة المحددة للتقادم، وربما يكون الامر واضحاً بالنسبة لغالبية حقوق العامل إلا ان تكاليف وقيمة العلاج والتعويض عن إصابات العمل له يشوبه الغموض  لان قانون العمل احال تقادم الدعاوي والطلبات العمالية الى احكام  التقادم العامة المنصوص عليها في القوانين النافذة ؛ ولهذا فان هذه المسالة تحتاج الى بيان موقف القضاء اليمني فيها وكيفية تطبيقه لاحكام التقادم في هذه المسالة ؛ ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/10/2010م في الطعن المدني رقم (43971) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان احد العمال قام برفع دعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية طلب فيها إلزام صاحب العمل بدفع تكاليف علاجه من الإصابات التي حدثت فيه وهو يعمل لدى صاحب العمل بحسب التقارير الطبية وفواتير العلاج وكذا إلزام صاحب العمل بدفع اجور المدعي لانه اصيب في اثناء العمل فقام صاحب العمل المدعى عليه بتقديم دفع مفاده : عدم قبول الدعوى وفقا للمادةً (136) من قانون العمل التي نصت على انه (لا تقبل الدعاوي العمالية بعد مرور الفترة الزمنية المحددة في القوانين النافذة) وقد بينت المادة (22) من قانون الإثبات هذه المدة حيث نصت على انه (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الاستحقاق في حقوق العمال وذكر صاحب العمل في دفعه بانه قد قام بسداد نفقات علاج المدعي حتى سافر من المدينة وانقطعت اخباره ، وقد رد العامل المدعي على الدفع بانه ما زال تحت العلاج ولذلك فان مطالبته لم تتقادم وان المادة (22) إثبات لا تنطبق على دعواه لانها متعلقة بحقوق التجار والصناع واصحاب الفنادق والمطاعم فيما يتعلق بأجر الاقامة وعن الطعام حسبما ورد غي رد المدعي، وبعد ان سارت المحكمة في إجراءات نظر القضية توصلت الى الحكم بالدفع استقلال حيث حكمت برفض الدفع ، وقد ورد في اسباب قرار اللجنة التحكيمية (ولما كان المدعى عليه الدافع قد استند في دفعه للمادة (22) إثبات في حين ان نص هذه الفقرة لا ينطبق على الدعوى لان هذه الفقرة تناولت اجرة العمل وليس إصابة العمل غير ان المادة (800) مدني نصت على انه ( لا تسمع الدعوى المتعلقة بالعمل بانقضاء سنة من وقت انتهاء عقد العمل الا فيما يتعلق باستيفاء الاجر أو بالعمالة أو المشاركة في الارباح .... وبهذا فان احكام تقادم الدعاوى العمالية تسري على دعاوي  العامل وصاحب العمل على حد سواء وحيث ان  المدعى عليه قد ضمن دفعه رداً على الدعوى حيث ذكر انه قد قام بالوفاء بقيمة علاج المدعي وهو ما يقتضي الإثبات) فلم يقبل صاحب العمل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه الا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم الابتدائي فقام صاحب العمل بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فما كان من الدائرة المدنية الا إقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( فقد تبين للدائرة أن ما أورده الطاعن في عريضة اسباب الطعن قد اتسم بالعمومة والاطلاق والخوض في التفاصيل الموضوعية التي ليس لها محل في هذا المقام طالما قد اقتصر الحكم محل الطعن على الفصل في الدفع استقلالاً ومن ثم فان عريضة الطعن قد تمت صياغتها بالمخالفة لنص المادة (292) مرافعات التي حددت حالات الطعن بالنقض؛ على ان الدائرة قد لاحظت ان محكمتي الموضوع قد أطالتا أمد النزاع لقضائهما بالفصل في الدفع استقلالاً دون أي مقتضى لان القانون لم يوجب على المحكمة الفصل في الدفع بعدم قبول الدعوى لانقضاء الحق بالتقادم استقلالاً بل كان يجب عليها السير في الإجراءات واصدار حكم منه للخصومة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية إصابة العمل ومركزها القانوني :

عرف قانون التأمينات الاجتماعية اصابة العمل بانها (الاصابة باحد الامراض المهنية المبينة بالجدول رقم (1) الملحق بهذا القانون أو الاصابة نتيجة حادث بسبب العمل أو اثناء تأديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للمؤمن عليه خلال فترة ذهابه لمباشرة العمل أو الى أي مكان حدده له صاحب العمل أو عودته منه أيا كانت وسيلة المواصلات غير الممنوعة بشرط ان يسلك الطريق الطبيعي دون توقف أو تخلف او انحراف مالم يكن ذلك بغير ارادته) وتنص المادة (36) من القانون ذاته على ان (تشمل حقوق المصاب في هذا التأمين -1-التعويض والمعاش في حالة العجز المستديم -2- المعاش في حالة وفاة المؤمن عليه، ويتولى صندوق التأمين الصحي علاج المصاب ورعايته طبياً وصرف تعويض العجز المؤقت ومصاريف الانتقال الى ان يشفى أو يثبت عجزه وللمؤسسة الحق في ملاحظة المصاب حيثما يجري علاجه) فوفقاً للمادة (52) من القانون ذاته يجب على العامل المصاب باصابة العمل ابلاغ صاحب العمل بالاصابة وعلى صاحب العمل ابلاغ المؤسسة والجهات المعنية عن الحادث الذي أصيب فيه العامل، كما انه وفقاً للمادة (53) من القانون ذاته لا يمنح العامل بهذا الحق الا اذا كان مسجلاً لدى مؤسسة التأمينات، ومن خلال عرض هذا النصوص نجد ان صاحب العمل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لم يكن مشتركاً لدى مؤسسة التأمينات والا لتكفلت المؤسسة بمطالبة العامل المصاب، كما انه يلاحظ ان اصابات العمل لا يتم احتساب تقادمها على اساس تاريخ وقوعها لان الالتزام بمعالجة المصاب يظل قائماً حتى يشفى أو يثبت عجزه الجزئي أو الكلي أو وفاته، وهذا ينطبق على قول العامل المصاب في القضية بانه ظل يعالج خلال الفترة السابقة على دعواه، ومن خلال استقراء النصوص المشار اليه يظهر ان مطالبة العامل المصاب بقيمة العلاج والتكاليف والتعويض هي حقوق من حقوق العامل ولكنها ليست اجرة العامل.

الوجه الثاني : تقادم الدعاوى العمالية :

قررت المادة (136) عمل ان الدعاوى العمالية عامة تخضع لأحكام التقادم ولكنها لم تحدد مدة معينة لذلك واحالت تحديد هذه المدد الى القوانين النافذة حيث نصت الفقرة (5) من المادة (136) عمل على انه (لا تقبل الدعوى العمالية بعد مرور الفترة الزمنية المحددة في القوانين النافذة) أي أن الدعاوى العمالية كافة تخضع لأحكام التقادم العامة المنصوص عليها في قانون الاثبات والقانون المدني مثل الدعاوي العمالية في ذلك مثل غيرها من الدعاوى.

الوجه الثالث : تقادم المطالبة بالتعويض وتكاليف العلاج عن اصابة العمل :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الخلاف الذي كان فيما بين العامل وصاحب العمل كان بشأن مدى انطباق المادة (22) إثبات على دعوى مطالبة العامل بتعويضه عن اصابة العمل ودفع قيمة العلاج وتكاليفه فقد تمسك صاحب العمل في مواجهة العامل بالتقادم المنصوص عليها في المادة (22) إثبات في حين تمسك العامل بأن التقادم المنصوص عليه في تلك المادة لا ينطبق على مطالبته لان التقادم في  تلك المادة قاصر على تقادم اجرة العامل دون التعويض عن الاصابة وقيمة العلاج وتكاليفه، ومن خلال استقراء نص المادة (22) اثبات  سوف يظهر نطاق تطبيقها حيث نصت هذه المادة في الفقرة (3) على انه (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الاستحقاق في الاحوال الاتية: -3- حقوق العمال والخدام والاجراء من اجور يومية وغير يومية أو ثمن ما قاموا به من توريدات لخدمتهم) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه خاص بتقادم اجور العامل عامة فلا تدخل فيها مطالبات العامل من غير الاجور وبناءً على ذلك فان مطالبة العامل بتعويضه عن إصابة العمل وتكاليف العلاج ليس من الاجور وتبعاً لذلك لا تسري عليه أحكام التقادم المنصوص عليها في هذه المادة، وهذا ما قرره الحكم محل تعليقنا وهو قضاء سديد، وإضافة الى المادة (22) إثبات فقد حددت المادة (800) مدني مدة تقادم الدعاوي المتعلقة بالعمل حيث نصت هذه المادة على انه (لا تسمع الدعاوي المتعلقة بالعمل بانقضاء سنة من وقت انتهاء عقد العمل الا فيما يتعلق باستيفاء الاجر أو العمالة والمشاركة في الارباح والنسبة من جملة الايراد أو الانتاج أو ما شاكل ذلك فان المدة لا تبدأ فيها الا من الوقت الذي يسلم فيه صاحب العمل الى العامل بياناً بما يستحقه طبقاً لأخر جرد ولا يسري الحكم المنصوص عليه فيما تقدم على الدعاوى المتعلقة بإنتهاك حرمة الاسرار الصناعية والتجارية أو بتنفيذ نصوص عقد العمل التي ترمي الى احترام هذه الاسرار) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه اكثر شمولاً من المادة (22) اثبات حيث انه يشمل كل الدعاوى العمالية وانه قد حدد مدة تقادم الدعاوي العمالية جميعاً بمدة سنة تحتسب بدايتها من تاريخ انتهاء عقد العمل في حين يبدأ حساب مدة سنة التقادم لدعاوى الاجر  أو العمولة أو المشاركة في الارباح والنسبة من الايراد أو الانتاج من الوقت الذي يسلم فيه صاحب العمل للعامل بياناً بما يستحقه، وقد استند الحكم محل تعليقنا على هذا النص في احتساب مدة التقادم بالنسبة لمطالبة العامل بتعويضه عن اصابة العمل وقيمة العلاج وتكاليفه وذكر الحكم ان مطالبة العامل المصاب لم تتقادم لان صاحب العمل لم يسلم العامل كشف حساب كما انه لم يتم ابرام مخالصة فيما بين العامل وصاحب العمل، فكشف الحساب تحتسب على اساسه مدة التقادم اذا رفض العامل المخالصة.

الوجه الرابع: اهمية اشتراك الموسسات والشركات واصحاب العمل في موسسة التامينات:

اظهر الحكم محل تعليقنا اهمية وجدوى الاشتراك في موسسة التامينات بالنسبة للشركات والموسسات فلو كان صاحب العمل في هذه القضية مشتركا في موسسة التامينات لتولت الموسسة معالجة هذه القضية بيسر وسهولة وخبرة لان معالجة هذه المسائل تحتاج الى تخصص وخبرة وامكانيات مالية وبشرية لاتتوفر الا لدى موسسة التامينات .

الوجه الخامس: ملاحظة حكم المحكمة العليا بشان الفصل في بعض الدفوع استقلالا:

صرح حكم المحكمة العليا بذلك وذكر بان ذلك سبب اطالة اجراءات التقاضي؛ وهذه الملاحظة وجيهة لان الدفوع الكيدية تعد من اهم واخطر اسباب اطالة اجراءات التقاضي لاسيما وقد صارت الدفوع في اليمن موضة يواجهه بها الخصوم الدعاوي المرفوعة ضدهم فقد اخبرني من اثق به من كبار المحامين ان الخصوم يحضرون الى  مكاتبهم  فيطلبون منهم مباشرة ان يعدوا لهم مذكرة الدفع بدلا عن الرد ؛ فصار من النادر جدا ان يتم الرد على الدعوى فيتم الفصل في القضية بسرعة ويسر وسهولة؛ وقد اوصينا في كتابنا (تطور وتطوير القضاء في اليمن ) اوصينا الجهات المعنية بدراسة هذه الظاهرة  وقد ذكرنا في كتابنا المشار اليه بعض التوصيات للاستئناس بها؛ والله اعلم.





الأسعدي للطباعة ت /772877717