أتهام اللاجئ بالسرقة من السيارة وتعذيبه

 

أتهام اللاجئ بالسرقة من السيارة وتعذيبه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الانسانية هي الصفة الجامعة بين البشر الذين تختلف الوانهم واديانهم ولغاتهم وثقافاتهم، الانسانية قيمة سامية واحاسيس وشعور واحترام لمشاعر  واحاسيس الأخرين، فاذا افتقد الانسان الشعور بإنسانيته  وانسانية غيره تحول الى وحش كاسر لذلك قال احدهم حينما هددوه بالصلب : خير لي أن اصلب جسداً لا أن يصلب معنى الانسان، ولذلك فالدين الاسلامي عالمي ولكنه يتنافى مع العولمة المتوحشة لذلك قال الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء(107)] فمن لم يشعر بأخيه الانسان فقد طغت عليه طبائع البهائم المتوحشة كما يقول الصوفية، على هذه الخلفية ينبغي النظر والتعامل مع اللاجئين الذين اضطروا أو اكرهوا على مغادرة بلدانهم، فالنظر الى اللاجئ على انه سارق أو مجرم والتعامل معه على هذا الأساس مخالف للشريعة والقانون والاتفاقيات الدولية وتكون المخالفة والجرم اعظم حينما يتم تعذيب اللاجئ لانتزاع اعتراف منه بجريمة لم يقترفها، لكن القضاء العادل هو ملاذ المظلومين وكهف المضطهدين حيث انتصر القضاء اليمني في الحكم محل تعليقنا لاحكام الدين ونصوص القانون والاتفاقيات الدولية، وهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/2/2010م في الطعن الجزائي رقم (36400) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع هذه القضية أن لاجئي من أحدى الدول الافريقية كان يقوم بغسل وتنظيف السيارات الواقفة بالقرب من أحد الاسواق وعند عودة أحد المواطنين إلى سيارته الواقفة اكتشف سرقة جنبيته الثمينة وهاتفه السيار ومبلغ مالي حيث أتهم الحاضرون في المكان اللاجئ الذي يقوم بغسل وتنظيف السيارات في ذلك الموقف فتم القبض عليه وتعذيبه حتى تم انتزاع الاعتراف منه بتلك التهمة فقام مأمور الضبط القضائي بإحالته إلى النيابة العامة التي احالته الى المحكمة بتلك التهمة، حيث قضت المحكمة الابتدائية بأدانة اللاجئ فقام باستئناف الحكم الابتدائي وأمام محكمة الاستئناف أطمئن اللاجئ حيث تراجع عن اعترافه وصرح بانه تعرض للضرب والتعذيب من ضابطين ذكر اسميهما أمام محكمة الاستئناف وقدم اللاجئ الادلة على واقعة التعذيب، وبعد ان سارت محكمة الاستئناف في إجراءات نظر القضية خلصت إلى الحكم بقبول استئناف اللاجئ والتقرير ببطلان إجراءات رفع الدعوى الجزائية وما ترتب عليها والغاء الحكم الابتدائي وإحالة الضابطين : 1-....2-.... إلى النيابة العامة للتحقيق معهما في واقعة ضرب اللاجئ .... وتقديم الضابطين للمحاكمة أمام محكمة ابتدائية اخرى غير المحكمة التي اصدرت الحكم المستأنف فيه بالاضافة إلى الحكم بتعويض اللاجئ مائتي الف ريال وإحالة اللاجئ إلى نيابة الجوازات للتحقيق معه بشأن عدم مشروعية أقامته في اليمن واعادة الملف الى النيابة العامة للتنفيذ) فلم يقبل صاحب الجنبية المسروقة بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أنه قدم طعنه بعد مضي الميعاد المقرر قانوناً للطعن بالنقض فلم تقبل المحكمة الطعن وقضت باعتبار الحكم الاستئنافي باتاً واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : اللاجئون الافارقة إلى اليمن وروابط القربى والجوار :

روابط القربى والجوار بين اليمن ودول القرن الافريقي ( اثيوبيا والصومال وارتيريا وجيبوتي ضاربة جذورها منذ فجر التاريخ حيث لا توجد فواصل بين الحضارات والدول التي قامت في اليمن وامتدت إلى تلك الدول فما زالت اللغة اليمنية القديمة واللغة الامهرية الاثيوبية خير شاهد وما زال التنازع بين اليمن واثيوبيا على نسبة الملكة بلقيس حتى اليوم، فظلت العلاقات بين اليمن وتلك الدول تحكمها روابط القربى والجوار حتى 1974م حين ارتفعت اسعار النفط وحدثت النهضة  الطفرة في دول الخليج حيث اتجهت انظار اليمنيين للعمل والغربة فيها وقبل ذلك كانت دول القرن الافريقي هي وجهة اليمنيين الذين عملوا فيها وجمعوا الثروات وتحول بعضهم إلى رجال الاعمال وكان اليمني يعمل في تلك الدول من غير ان يحمل حتى جواز السفر فكانت تلك الدول توفر لليمني حرية العمل والتنقل والتملك بخلاف الحال في دول الخليج العربية وهذه حقيقة لا يستطيع انكارها، قلت هذا تذكيراً بالجميل وتوطئة للتعليق على تعذيب اللاجئ الافريقي إلى اليمن.

الوجه الثاني : الوضعية القانونية للاجئ في القضية التي تناولها الحكم :

اللاجئ المشار اليه دخل البلاد بطريقة غير مشروعة لان اللاجئ لا يطلق عليه هذا المصطلح ولا يتمتع بالحقوق المقررة للاجئين الا اذا كان قد اجبر اواضطر الى مغادرة وطنه الأصلي نتيجة للاضطهاد العرقي أو الدين أو الحزبي  أو تهديد حياته وسلامته وغالباً ما يغادر اللاجئ وطنه دون أن تكون لديه وثائق أو موافقات أو تاشيرات لدخول الدول التي يعتزم  اللجوء اليها، كما أن اللاجئ المشار اليه ليس لديه  ترخيص أو اذن اقامة في الدولة والمدينة التي تم القبض عليه فيها حسبما يشترط قانون دخول واقامة الاجانب، كما ان ذلك اللاجئ كان يعمل منظفاً للسيارات، واللاجئ في هذه الحالة انسان يتمتع بكافة حقوق الانسان المكفولة في القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك حقه في حماية جسده من التعذيب وحمايته من الاضطهاد والتمييز، فالقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية تحرم وتجرم تعذيب اللاجئين، كما ان القانون الجنائي يحرم التعذيب ويعاقب مرتكبيه بصرف النظر عن جنسية المجني عليه الذي قد يكون وطنياً أو اجنبياً.

الوجه الثالث : الحكم بإحالة اللاجئ الى نيابة الجوازات :

قضى الحكم الاستئنافي بإحالة اللاجئ الذي تم القبض عليه الى نيابة الجوازات للتحقيق معه لانه دخل البلاد بطريقة غير مشروعية  إضافة الى انه بعد دخوله الى اليمن بطريقة غير مشروعة لم يقم بتوفيق وضعه كلاجئ وفقاً للقانون والاتفاقيات الدولية حتى يتمتع بحقوق اللاجئين المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية والحصول على بطاقة لاجئ تثبت حالته، وتبعاً لذلك فان اللاجئ لم يلجاء إلى مصلحة الجوازات والهجرة للحصول على ترخيص اقامة في اليمن مخالفاً بذلك قانون دخول وإقامة الاجانب في اليمن، واحالة اللاجئ الى نيابة الجوازات ليست ادانة للاجئ لان الاحالة تعني التحقيق معه من قبل النيابة المختصة للوقوف على دوافع لجوئه الى اليمن وظروف دخوله الى اليمن بصورة غير مشروعة واسباب عدم قيامه بتسجيل نفسه لدى الجهة المختصة ولدى مصلحة الجوازات والحصول على ترخيص الاقامة وفي ضوء نتائج التحقيق يتم تصرف النيابة.

الوجه الرابع : الحكم بإحالة الضابطين اللذين عذبا اللاجئ الى النيابة للتحقيق معهما:

قضى الحكم الاستئنافي بإحالة الضابطين اللذين ادعى اللاجئ انهما قاما بتعذيبه احالتهما إلى النيابة العامة للتحقيق معهما في واقعة ضرب اللاجئ وتعذيبه لانتزاع الاعتراف منه باعتبار تعذيب المتهم وضربه من ابشع الجرائم فالشريعة الاسلامية والدستور وقانون الاجراءات الجزائية يقرر صراحة عدم جواز تعذيب المتهم أو ضربه لانتزاع اقواله وان المتهم حر في الرد على اسئلة المحقق أو عدم الاجابة وانه لا يجوز حمله على الاجابة أو اكراهه على ذلك، فتعذيب المتهم جريمة جسيمة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات حسبما ورد في المادة (166) من هذا القانون التي نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام عذب اثناء تأدية وظيفته او استعمل القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الادلاء بأقوال أو معلومات في شأنها وذلك دون اخلال بحق المجني عليه في القصاص أو الدية أو الارش).

 

الوجه الخامس : عدم قبول الطعن بالنقض شكلاً يجعل الحكم الاستئنافي باتاً واجب النفاذ :

قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بعدم قبول طعن المدعي بالحق المدني في الحكم الاستئنافي لتقديمه الطعن بالنقض واعتبار الحكم الاستئنافي باتاً واجب النفاذ، وبموجب ذلك يجب تنفيذ الحكم الاستئنافي والعمل بموجبه وتنفيذ بنود منطوقه حسبما وردت في الحكم الاستئنافي. والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت /772877717