اتفاق الخصوم على إجراءات التحكيم ملزم
للمحكمين
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
قضى
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
28/10/2018م في الطعن رقم (60283) قضى الحكم بانه يجب على المحكم الالتزام التام
بالإجراءات التي يتفق عليها الخصوم لسير اجراءات التحكيم وان المحكم اذا خالف تلك
الإجراءات يبطل حكم التحكيم، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
شريكين في محل تجاري اتفقا على تصفية المحل وذلك في محضر تضمن اجراءات التصفية وكيفية
ذلك والاجال اللازمة لذلك، وقد تضمن ذلك المحضر
تحكيم المحاسب القانوني القيام باجراءاتً تصفية المحل التجاري وفقاً
للإجراءات المحددة في المحضر وثيقة التحكيم حيث تضمنت وثيقة التحكيم الإجراءات
التي ينبغي على المحاسب المحكم القيام بها تفصيلاً وبمدد زمنية تم ذكرها في وثيقة
التحكيم وقد تم تسليم المحاسب الوثائق اللازمة للتصفية، وبالفعل قام المحاسب
المحكم بإجراءات التصفية وتحديد حقوق والتزامات كل شريك بحسب ما ورد في وثيقة
التحكيم واصدر حكمه في هذا الشأن، إلا أن احد الشريكين لم يقبل بحكم المحكم فقام بتقديم دعوى بطلانه أمام الشعبة التجارية
حيث ادعى ان حكم التحكيم باطل لانه لم يتضمن الدعوى والإجابة فقبلت الشعبة الدعوى
وقضت بإبطال حكم التحكيم، فلم يقبل بالحكم الاستئنافي الشريك الآخر الذي قام
بالطعن بالنقض في الحكم، فقبلت الدائرة التجارية الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن أسباب
حكم المحكمة العليا (فجوهر التحكيم في هذه القضية هو اقرب إلى اختيار خبير في مهنة
المحاسبة ومن خلال مراجعته حسابات الشراكة ان يحدد حصة كل شريك وفقاً لنتائج
المراجعة والتصفية ومن ثم قيام الطرف الأول بشراء حصة الطرف الثاني وخلوص ملكية
المحل التجاري للطرف الأول بعد الوفاء بحصة الطرف الثاني بحسب الإجراءات والآجال
التي اتفق عليها الطرفان في وثيقة الاختيار والتحكيم، ولعل من الضروري التنويه إلى
ان اتفاق التحكيم المشمول بالإجراءات التي اتفق عليها الطرفان على انجاز المحكم
لمهمته وفقاً للإجراءات المحددة في (12) بنداً لم تشر إلى موضوع محل ادعاء أو خلاف
بين الطرفين أو تناكر، فالمحكم وفقاً لهذا الاتفاق مهمته تصفية الشراكة وتحديد حصة
كل من طرفي التحكيم حيث التزم الطرف الأول بشراء حصة الطرف الثاني بعد ان يحددها
المحاسب المحكم، لذلك يضحى التعويل على عدم تقديم دعاوى مكتوبة والرد علبها لإبطال
حكم التحكيم يكون قد شابه الخطأ في الاستدلال لانه تكليف المحكم بما لم يكلفه
اتفاق الطرفين المحتكمين ويخالف إجراءات التحكيم التي اتفق عليها الطرفان
المحتكمان) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : رضائية
التحكيم وعلاقتها بإجراءات التحكيم التي يتفق عليها المحتكمون :
التحكيم عقد يقوم على
سلطان الارادة والتراضي بين اطرافه، ولذلك يحق للمحتكمين الاتفاق على الإجراءات
التي يجب على المحكم اتباعها عند نظره في الخصومة التحكيمية، فيجوز للمحتكمين ان
يتفقوا على إجراءات التحكيم شريطة ان لا تخالف هذه الإجراءات أحكام قانون التحكيم
وأحكام قانون المرافعات المتعلقة بالنظام العام حسبما نصت عليه المادة (32) تحكيم.
الوجه الثاني : وجوب
التزام المحكم بإجراءات التحكيم التي اتفق عليها المحتكمون :
يقرر قانون التحكيم
وجوب التزام المحكم بإتباع الإجراءات التي اتفق عليها المتحكمون، وفي هذا الشأن
نصت المادة (32) تحكيم على انه (يحق لطرفي التحكيم ان يتفقا على الإجراءات التي
يتعين على لجنة التحكيم اتباعها) وفي السياق ذاته تنص المادة (45) تحكيم على انه
(على لجنة التحكيم ان تفصل في النزاع استناداً إلى القواعد القانونية التي يتفق
عليها الطرفان) ووجوب التزام هيئة التحكيم بالإجراءات المتفق عليها من قبل
المحتكمين يرجع الى ان ولاية هيئة التحكيم مستمدة من ارادة واتفاق المحتكمين التي
ينبغي على هيئة التحكيم احترامها والعمل بمقتضاها.
الوجه الثالث : جزاء
مخالفة المحكم للإجراءات التي اتفق عليها اطراف التحكيم :
قد يصل هذا الجزاء
إلى بطلان حكم التحكيم حسبما ورد في المادة (53) تحكيم التي نصت على انه (لا يجوز
طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال التالية : -د- اذا تجاوزت لجنة التحكيم
صلاحياتها) ومفهوم التجاوز في هذا النص يثير جدلاً واسعاً ليس في اليمن فحسب بل
وفي العالم العربي حيث نجد اتجاهين، الاتجاه الأول : يذهب إلى ان مفهوم التجاوز
قاصر على قيام هيئة التحكيم بإجراءات لم يرد ذكرها في وثيقة التحكيم أو في القانون
لان مفهوم التجاوز يطلق على ذلك أي ان التجاوز هو خروج المحكم عن الصلاحيات
المحددة له في وثيقة التحكيم أي انه قام بإجراءات لم يرد ذكرها في وثيقة التحكيم
أو في القانون، في حين يذهب اتجاه اخر إلى ان المقصود بالتجاوز هو مخالفة المحكم
لإجراءات التحكيم التي اتفق عليها المحتكمون لان المخالفة لتلك الإجراءات تعد
خروجاً من المحكم عن الصلاحيات التي حددها له المحتكمون، وأياً كان الخلاف فإننا
نذهب إلى ان بطلان حكم التحكيم لا يكون جزاء إلا اذا كان الإجراء الذي خالفه
المحكم جوهريا،ً فمثلاً يرد في كثير من وثائق التحكيم مدة للنظر في الخصومة
التحكيمية والفصل فيها كثلاثة أشهر ومع ان المدة ترد في اغلب وثائق التحكيم إلا أن
القضاء في اليمن وغيرها لا يحكم ببطلان حكم التحكيم المخالف لذلك.
الوجه الرابع : لزوم
ورود الدعوى والاجابة في حكم التحكيم :
الأصل وجوب ايراد
مضمون الدعوى والإجابة في حكم التحكيم لما لذلك من أهمية في إحاطة المحكم بالخصومة
ولرقابة القضاء عليه، فهذا هو الأصل المقرر في المادتين (35 و 36) تحكيم غير ان
هناك قضايا معينة لا يستلزم الأمر ذكر الدعوى والاجابة وذلك حينما يكون اتفاق
الخصوم قد تضمن الدعاوى والاجابات وحدد الإجراءات الواجب على المحكم اتباعها وتم تسليم
المستندات إلى المحكم في البداية مع وثيقة التحكيم، فهذه القضايا هي القضايا التي
يختلط فيها التحكيم بالخبرة مثل الاعمال الهندسية أو الحسابية حسبما قضى الحكم محل
تعليقنا، لان المحتكمين قد ضمنوا في اتفاقهم موضوع النزاع القائم بينهم وبينوا فيه
موقف كل واحد منهم كما انهم قدموا إلى المحكم
كل المستندات أو التزموا في الاتفاق بتسليمها إلى المحكم في اجل محدد وتم
تسليمها بالفعل حيث يقوم المحكم الخبير في هذه الحالة بأعمال الخبرة وبيان نتائجها
التي يتضمنها حكم التحكيم، وهذا ما قضى به الحكم محل تعليقنا، غير ان الجمع بين
التحكيم واعمال الخبرة محل نظر لان المحكم عندئذ سوف يقضي بعلمه الذي وقف عليه
بإعتباره صاحب خبرة ،وحكم القاضي أو المحكم بعلمه محظور في قانون المرافعات وقانون
التحكيم، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت /772877717