المحكمة المختصة بجرائم الاشتراك
في العصابات المسلحة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الاشتراك
في العصابات المسلحة بقصد الاستيلاء على اراضي واموال الدولة والمواطنين جريمة من
الجرائم المنظمة التي تشكل خطرًا عامًا على
المجتمع، علاوة على ان الاشتراك في إرتكاب الجرائم من قبل اشخاص عدة خروج على
الفطرة والمألوف ،لان الجماعة في الأصل معصومة لا تجتمع على فعل محظور، ولذلك فان
الاشتراك في العصابات المسلحة يستدعي ان تختص بنظرها محكمة متخصصة تتميز بالخبرة
والكفاءة، فضلاً عن أن هناك تداخل في قانون الجرائم والعقوبات بين جريمة الاشتراك
في عصابة مسلحة لنهب الاراضي والاموال بالقوة وجريمة السرقة باكراه وجريمة
الحرابة، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/2/2013م في الطعن الجزائي
رقم (46357) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم أن مجموعة مكونة من خمسة
اشخاص من مناطق متفرقة يقيمون في أماكن مختلفة قاموا بمداهمة منزلاً في أحد احياء
أمانة العاصمة في منتصف الليل بعد أن قام أحدهم بمراقبة المنزل وصاحب المنزل وبعد
اقتحامهم للمنزل قاموا بضرب صاحب المنزل وتهديده بالسلاح وربطوا يديه ورجليه
وارغموه على فتح الخزنة واستولوا بالقوة على مبلغ عشرين مليون ريال يمني ومائة
وعشرين الف ريال سعودي وثلاثة واربعين ألف دولار امريكي وثلاث بنادق كلاشنكوف
ومسدس كامل روسي ومسدس مكروف وبعد ان افرغوا الخزنة من محتوياتها قاموا بادخال صاحب المنزل الى داخل الخزنة واغلقوا
عليه باب الخزنة، وبعد ذلك اخذوا المسروقات على متن سيارة احدهم ثم اخفوا
المسروقات في منزل احدهم، فقامت النيابة الجزائية المتخصصة بإحالة القضية إلى
المحكمة الجزائية المتخصصة ،وامام هذه المحكمة دفع المتهمون قرار الاتهام بعدم
اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة بنظر القضية لان جريمة السرقة بإكراه لا تندرج
ضمن الجرائم التي تختص بنظرها المحكمة الجزائية المتخصصة، فقامت المحكمة الجزائية
بالفصل في الدفع، حيث قررت رفض الدفع وثبوت انعقاد الاختصاص للمحكمة الجزائية في
نظر القضية، وقد ورد ضمن أسباب قرار المحكمة الجزائية (أنه تبين للمحكمة أن التهمة
المنسوبة للمتهمين هي الاشتراك في عصابة مسلحة تقوم بنهب الاموال بالإكراه واخفاء
مسروقات وشرب خمر لذلك فان هذه المحكمة تختص بالنظر والفصل في هذه الجريمة التي
وردت في قرار مجلس القضاء الاعلى رقم (131) لسنة 2009م المادة (2/7) ، فقام
المتهمون بالطعن في الحكم الابتدائي فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بإلغاء
قرار المحكمة الابتدائية، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان المحكمة
الابتدائية خلطت بين جريمة السرقة باكراه المنصوص عليها في المادة ( 301
) عقوبات وبين الجريمة المنصوص عليها في المادة (133) في حين أن لكل واحدة منهما مدلول مختلف واركان وعناصر تميزها عن
الاخرى وبناءً على ذلك فان المحكمة المختصة بنظر الجريمة ليست المحكمة الجزائية
وإنما العادية لان الجريمة سرقة باكراه ) فقام المجني عليه بالطعن بالنقص في الحكم
الاستئنافي فقبلت الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا الطعن وقضت بإلغاء الحكم
الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (وبما أن الحكم الاستئنافي قد
جانب الصواب في الحكم بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة الجزائية الابتدائية مع أن تلك
المحكمة قد أوردت في أسباب حكمها ما يؤيد اختصاصها النوعي في نظر القضية وفقاً
لقرار مجلس القضاء الأعلى رقم 131لسنة 2009م في المادة
الثانية الفقرة سابعاً التي نصت على أن المحكمة الجزائية المتخصصة تختص بنظر جرائم
الاشتراك في عصابة للتعدي على اراضي واموال الدولة والمواطنين وحيث أن الجريمة
ارتكبت من عصابة مسلحة قامت بالتعدي ليلاً على المواطن وسلامة جسمه واخذت ما لديه من ممتلكات نقدية
ومنقولات وقامت بربط يديه ورجليه وادخاله الى الخزانة والاغلاق عليه ،الامر الذي
يتعين معه الغاء حكم الشعبة الجزائية الذي قضى بعدم الاختصاص للمحكمة الجزائية
المتخصصة الابتدائية بنظر القضية واقرار القرار الصادر عن المحكمة الجزائية
الابتدائية المتخصصة لسلامة اسبابه ومنطوقه وموافقته فيما قضى به لصحيح القانون)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : الوضعية القانونية للاشتراك في عصابة مسلحة والمحكمة المختصة بنظرها :
حدد قانون الجرائم
والعقوبات وضعية هذه الجريمة وذلك في المادة (133) التي نصت على أن (يعاقب بالحبس
مدة لا تزيد على عشر سنوات : -1- كل من اشترك في عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضي
أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو لجماعة من الناس أو لمقاومة القوة العسكرية
المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجرائم) ومن خلال استقراء هذا النص نجد أن هذه
الجريمة تتحقق بمجرد فعل الاشتراك سواء قامت العصابة بعد ذلك باغتصاب الأراضي أو نهب
الأموال أم لا ،إلا أن تنفيذ تلك الأعمال
يكون تأثير في تشديد العقوبة، وقد اشارت المادة (22) عقوبات إلى بيان المقصود
بالاشتراك والشريك حيث نصت هذه المادة على أن (الشريك هو من يقدم للفاعل مساعدة
تبعية بقصد إرتكاب الجريمة وهذه المساعدة قد تكون سابقة على التنفيذ أو معاصرة له
وقد تكون لاحقة متى كان الاتفاق عليها قبل ارتكاب الجريمة اما المساعدة اللاحقة
التي لم يتفق عليها قبل ارتكاب الجريمة كالإخفاء فيعاقب عليها كجريمة خاصة) ومن
خلال استقراء النصين القانونيين المشار اليها وتطبيقهما على وقائع القضية التي
تناولها الحكم نجد أن جريمة الاشتراك في عصابة مسلحة لنهب أموال الناس تنطبق على
القضية، وهو ما قضى به الحكم محل تعليقنا، وتبعاً لذلك فان هذه الجريمة تندرج ضمن
الجرائم التي تختص بنظرها المحكمة الجزائية المتخصصة وفقاً للفقرة (سابعًا) من
المادة (2) من قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (131) لسنة 2009م بشأن انشاء وتنظيم
المحاكم الجزائية المتخصصة التي نصت على أن (يتحدد الاختصاص النوعي للمحاكم
الجزائية المتخصصة بالجرائم الاتية : سابعاً : جرائم الاشتراك في عصابة للتعدي على
أراضي وممتلكات الدولة والمواطنين).
الوجه الثاني : جريمة السرقة بالإكراه :
من خلال المطالعة
لوقائع الحكم محل تعليقنا نجد أن النيابة العامة احالت القضية الى المحكمة
الجزائية بتهم السرقة بالإكراه وشرب الخمر واخفاء مسروقات، ومن الملاحظ ان
هناك خلط بين جريمة الاشتراك في عصابة
مسلحة وجريمة السرقة بالإكراه، وحتى يظهر الفرق بين الجريمتين فان الأمر يستدعي
الاشارة إلى جريمة السرقة بالإكراه، فقد بينت المادة (301) عقوبات أحكام جريمة
السرقة بالإكراه حيث نصت هذه المادة على أنه (اذا صاحب جريمة السرقة التي لا تتوفر
فيها شروط الحد اكراه او تهديد كان من شأنه تعريض حياة المجني عليه أو صحته للخطر
أو وقعت الجريمة من شخصين فاكثر باستعمال اسلحة او اشياء أخرى تستعمل كأسلحة وتسبب
عن استعمال القوة حدوث جراح بالغة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات
ولا تزيد على عشر سنوات دون اخلال بالقصاص أو الدية أو الارش في احوالها) ومن خلال
استقراء ما ورد في هذا النص ومقارنته بجريمة الاشتراك في عصابة مسلحة لنهب الارأضي
والأموال نجد أن الفارق الرئيس بينهما أن نطاق التجريم في جريمة الاشتراك أوسع ً
حيث أن مجرد الاشتراك أو الاتفاق جريمة حتى ولو لم يتم فعل الاغتصاب او النهب في
حين لا نجد هذا الحكم في السرقة بالإكراه اضافة إلى أن وجود العصابة المسلحة سابق
في جريمة الاشتراك فقصد استعمال السلاح في الجريمة سابق بخلاف السرقة بالإكراه
علاوة على أن جريمة الاشتراك في عصابة مسلحة تقع من عصابة منظمة مسلحة تهدد الأمن
العام للمجتمع بخلاف السرقة بالإكراه التي تقع في الغالب من شخص وفي بعض الأحيان
من شخصين لكن الأمر في هذه الجريمة لم يصل إلى تشكيل عصابة منظمة، ومن الفروق بين
الجريمتين أن عقوبة الاشتراك لها حد أعلى فقط وهو الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات
في حين أن عقوبة السرقة بالإكراه لها حدان ادنى وهو أنها لا تقل عن ثلاث سنوات كما
أنها لها حد أعلى وهو الحبس لمدة لا تزيد على عشر سنوات، ويضاف إلى ذلك أن المحكمة
الجزائية المتخصصة تختص بالنظر والفصل في جريمة الاشتراك في حين تختص المحكمة
العادية بالنظر في جريمة السرقة بالإكراه، ومن خلال هذه الفروق يظهر أن الوصف
القانوني للجريمة التي تناولها الحكم محل
تعليقنا هو جريمة الاشتراك في عصابة مسلحة بقصد نهب أموال المواطنين،ولايفوتنا ان
نوكد ان قانون الجرائم والعقوبات قد جانب الصواب في استعماله لمصطلح (السرقة
بالاكراه)لان هذا المصطلح يخالف مفهوم وفكرة لان تعريف ومعنى السرقة في الفقه
والقانون هو (اخذ مال الغير خفية)فهذا المعنى لاينطبق على مايسمى بالسرقة بالاكراه
لانها لاتتم خفية.
الوجه الثالث : حد الحرابة وجريمتي الاشتراك في عصابة مسلحة والسرقة بالإكراه:
من أفعال الحرابة في
المذاهب الفقهية الاسلامية أخذ مال الغير مغالبة أي بالقوة، وعلى ضوء هذا المفهوم
فأن السرقة بالإكراه تندرج ضمن أفعال الحرابة وتكون عقوبة الفاعل لها قطع يده
اليمنى من الكوع ورجله اليسرى من الكعب اذا اخذ مالاً منقولاً بالإكراه أي بالقوة
وهذا ما اخذ به قانون الجرائم والعقوبات في المادة (307) ومن خلال هذا يظهر الاضطراب
في تنظيم القانون لجريمتي الحرابة والسرقة بالإكراه، اما جريمة الاشتراك في عصابة
مسلحة بقصد نهب الأراضي والأموال فأن مجرد تشكيل العصابة وتنظيمها يكون من افعال
الحرابة وهو إخافة السبيل اذا لم تباشر العصابة أياً من افعال الحرابة الاخرى
،فاذا قامت العصابة بأخذ الأموال المنقولة بالقوة فإنها تعاقب بعقوبة الحرابة
المقررة شرعاً لمن يأخذ الأموال بالقوة وهي القطع من خلاف السابق ذكرها، والله
اعلم.
الأسعدي للطباعة ت /772877717