حماية العلامة التجارية عن طريق القضاء الجزائي والقضاء التجاري معاً
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يوفر القانون الحماية
القانونية الكاملة للعلامات التجارية ، وقد سبق لنا ان اشرنا في تعليقات سابقة إلى
مظاهر حماية قانون العلامات التجارية ألتي
يتم تطبيقها عند اللجوء إلى القضاء التجاري لتطبيق ألحماية القانونية للعلامات والاسماء التجارية غير انه لم يسبق
لنا التعليق على مظاهر الحماية الجنائية للعلامة التجارية عن طريق القضاء الجزائي
وبيان موقف القضاء الجزائي من ذلك، ولذلك اخترنا التعليق على حكم جزائي كشف عن
موقف القضاء اليمني من الحماية الجنائية للعلامة التجارية واشكالية اللجوء في ٱن
واحد إلى القضاء الجزائي والقضاء التجاري، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/10/2017م في الطعن رقم (594545)
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت شركة تجارية
بانها قامت بعرض وبيع شوكلاته عليها علامة تجارية مشابهة للعلامة التجارية التي
تستعملهامن سابق شركة اخرى هي المجني عليه، وقد كان التشابه بين العلامتين ظاهر من
خلال الألوان وطريقة كتابة العلامة حتى كان المظهر العام للعلامتين متشابه، وطلبت النيابة في قرار الاتهام معاقبة الشركة
المتهمة وفقاً للمادة (17) عقوبات والمواد (22 و 23 و 47) من قانون العلامات
التجارية، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة الشركة المتهمة بالتهمة
المسندة لها ومعاقبتها بالغرامة وذلك مبلغ ثلاثمائة الف ريال تدفع إلى الخزينة
العامة وترك الفصل في الجانب المدني للمحكمة التجارية، ،وعللت المحكمة الابتدائية
الحكم بان العبرة بأوجه التشابه بين العلامتين حيث يصعب على المستهلك التمييز بين
العلامتين المتشابهتين ، وحيث كان سلوك المتهمة مكوناً لجريمة عرض وبيع منتجات
عليها علامة تجارية مقلدة بكامل اركانها المادية والمتمثل في الفعل المادي وهو
العرض والبيع والنتيجة المترتبة على ذلك والمتمثلة في المنافسة غير المشروعة
بتقليص مبيعات صاحب العلامة الحقيقية،وكذلك فقد قلت للمحكمة توفر القصد الجنائي
لدى المتهمة، وحيث ان النظام القانوني في اليمن قد جرم الفعل المرتكب من قبل
المتهم حسبما هو ثابت في المادة (27) من قانون العلامات التجارية التي نصت على أنه
(مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد منصوص عليها في قانون اخر يعاقب بالحبس مدة لا
تزيد عن سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل
من -هـ- باع أو عرض للبيع أو حاز بقصد البيع منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو
مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك ...الخ الأمر الذي يستلزم منع المتهم من عرض
المنتج الذي يحمل العلامة المقلدة) فقامت الشركة المتهمة باستئناف الحكم حيث قبلت
الشعبة الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي ،وقد ورد من ضمن أسباب حكمها ان
المستأنف ضدها قد سبق لها ان تقدمت أمام المحكمة التجارية بدعوى تجارية بالموضوع
والسبب ذاته وتبعاً لذلك فان النزاع تجاري معروض على المحكمة التجارية، إلا أن
الشركة المستأنف ضدها لم تقبل بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض،حيث ذكرت
في استئنافها ان القضية المنظورة أمام المحكمة التجارية موقوفة حتى يتم الفصل في
الجانب الجنائي، إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد
ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (والثابت أن ما توصلت اليه الشعبة الاستئنافية
في حكمها من حيث ان القضية تجارية من اختصاص المحكمة التجارية كان موافقاً
للقانون). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الحماية الجنائية للعلامات التجارية :
قرر قانون الجرائم
والعقوبات وقانون العلامات التجارية الحماية الجنائية للعلامات التجارية،بمقتضى
النصوص العقابية التي تجرم استعمال علامة تجارية مشابهة لعلامة تجارية اخرى
باعتبار ذلك الفعل تقليد أو تزوير للعلامات حيث يعتبر قانون العلامات ذلك
جريمة بمسمى جريمة عرض أو بيع منتجات
عليها علامات مزورة أو مقلدة حسبما ورد في قانون العلامات ،كما ان قانون الجرائم
والعقوبات يقرر ان تقليد العلامات جريمة
من جرائم التقليد والغش التي يعاقب عليها القانون، وباعتبار ان تقليد العلامات
التجارية جريمة يعاقب عليها القانون فان الاختصاص بالتحقيق والتصرف فيها ينعقد
للنيابة العامة التي تحيل القضية إلى القاضي
الجزائي اذا ثبت لديها صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهم، وأمام القاضي الجزائي يقوم المجني عليه صاحب العلامة
المحمية المجني عليه يقوم برفع الدعوى المدنية التبعية تبعاً للدعوى الجزائية
المرفوعة من النيابة العامة مطالباً بتعويضه عن الأضرار التي لحقت به جراء تزوير
أو تقليد علامته، فيحكم القاضي الجزائي بالدعويين الجزائية والمدنية التبعيةبحكم
واحد، وعلى هذا الأساس فان من حق صاحب العلامة المجني عليه بتقليد علامته ان يلجاء
إلى القاضي الجنائي مطالباً بحقه القانوني، غير ان هدف الحماية الجنائية للعلامة
التجارية من التزوير هو بالأصل حماية المستهلك للمنتج من الغش والتقليد، ولذلك
ولان القاضي الجزائي غير مختص بالنزاع على العلامات التجارية فان لجوء التجار إلى
القضاء الجنائي يكون نادراً.
الوجه الثاني : اللجوء إلى القضاء التجاري لحماية العلامة التجارية :
أغلب منازعات
العلامات التجارية ودعاويها يتم رفعها أمام المحاكم التجارية لتخصصها في هذه
المنازعات التي تحتاج إلى قاض متخصص ذي كفاءة وخبرة دقيقة في هذا المجال حيث
يستطيع الفصل في هذه المنازعات وتقدير التعويض المناسب للمضرور من استعمال علامة
مماثلة أو مشابهة إضافة إلى ان سلوك طريق القضاء التجاري لحماية العلامة التجارية
اسرع من سلوك طريق القضاء الجنائي علاوة على ان القاضي الجزائي قد يجد نفسه غير
قادر على تقدير التعويض المناسب فعندئذ يكتفي بالفصل في الدعوى الجزائية تاركاً
الدعوى المدنية للفصل فيها من قبل القاضي المختص اصلاً وهو القاضي التجاري مثلما
وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث : إشكالية الجمع بين الطريقين الجنائي والتجاري في حماية العلامة التجارية :
كشف الحكم محل
تعليقنا عن هذه الإشكالية، فلجوء صاحب العلامة إلى الطريقين معا الجنائي والتجاري
لحماية علامته يوجد إشكاليات له وللقضاء أيضاً مثلما حصل في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا فالقاضي الجزائي سوف ينظر في الجانب الجنائي فقط لان الدعوى
المدنية أو التجارية منظورة أمام القاضي الطبيعي وهو القاضي التجاري لان قانون
الاجراءات الجزائية قد اجاز للمدعي بالحق المدني ان يرفع دعواه استقلالاً، في حين
ان القاضي التجاري ينظر في الدعوى استقلالاً وهناك قضية جنائية بشأن الموضوع ذاته
منظورة أمام القاضي الجزائي، ولذلك فقد تصدر أحكام متناقضة في الموضوع الواحد،
ولذلك فقد ذهب الحكم محل تعليقنا إلى ان صاحب العلامة الطالب للحماية القانونية لا
ينبغي له أن يجمع بين الطريقين الجنائي والتجاري في آن واحد لحماية علامته
التجارية من الاعتداء، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت /772877717